كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة البقرة من الآية( 184) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

184 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ مدّة الصيام فقال (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ) وهي أيّام شهر رمضان ، وإنّما سمّاها معدودات لأنّ الشهر القمري قد يكون 29 يوماً أو 30 يوماً ولا يكون أكثر من ذلك ، وكانت العادة عند العرب أنّهم يعدّون الدراهم إذا كانت تحت الثلاثين وإذا زادت عن ذلك العدد يزِنونَها وزناً لمن يقترض منهم (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ ) وهنا حذفٌ في الكلام والتقدير : فمن كان مريضاً أو على سفر وكان لا يطيق الصوم فعدّة من أيّامٍ اُخَر . يدلّ على ذلك قوله تعالى {وَعَلَى الّذينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ } .

(فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) أي فليفطر تلك الأيام التي مرض بِها أو سافر فيها ثمّ يصوم بدلها في وقت آخر (وَعَلَى الّذينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ ) أي وعلى الّذينَ يمكنهم الصيام من المرضى والمسافرين فدية إذا أفطروا ولم يصوموا . فالإطاقة معناها التمكّن ، ومن ذلك قول عنترة :

                               أدافِعُ الحادِثاتِ فيكِ ولا      أطيقُ دفعَ القضاءِ والقدَرِ

وقال أيضاً :
                      وكيفَ أطيقُ الصبرَ عمّن أحبّهُ      وقد أُضْرِمَتْ نارُ الهوَى في أضالِعِي

ثمّ بيّنَ سُبحانهُ مقدار الفدية فقال (طَعَامُ مِسْكِينٍ ) أي إطعام مسكين واحد عن كلّ يوم من إفطاره ، وذلك بأن يُعطي نصف صاع من الحنطة عن كلّ يوم أو يعطي ثمنها وهو ما يُساوي ربع دينار في الوقت الحاضر [في العراق في الستينات من القرن العشرين ] ، أو يدعو أحد الفقراء إلى بيته فيطعمهُ غداءً أو عشاءً بدل إفطاره ليوم واحد (فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا ) أي فمن أطعم أكثر من مسكين (فَهُوَ) أي التطوّع (خَيْرٌ لَّهُ ) عند ربّه ، يعني للمتطوّع (وَأَن تَصُومُواْ ) أيها المرضى والمسافرون الّذينَ تطيقون الصيام (خَيْرٌ لَّكُمْ ) من الإفطار ودفع الفدية (إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) منافع الصوم للصحة والجزاء في الآخرة .

                                                                           من فوائد الصوم

قال الطبيب صبري القباني في كتابه (طبيبك معك ) في صفحة 88 من الطبعة الخامسة في علاج الضغط : "ومن النصائح الهامّة الّتي تُسدى إلى المصاب بارتفاع التوتّر الشرياني أن يصوم يوماً واحداً في كلّ أسبوع ويقتصر غذاؤه في هذا اليوم على الأغذية النباتيّة الصِرفة وعلى السَلَطات ، مع الإقلال من الملح والسوائل ... فذلك مِمّا يُساعد الجسم على طرح ما تراكم فيهِ من سموم خلال الأسبوع ، ويمنح الكبد فرصة زمنيّة يُجدّد بها نشاطهُ وفعّاليّتهُ ."

ويباح الإفطار للمسافر ما دام في الطريق ، فإذا وصل المدينة أو القرية الّتي قصدها فعليهِ أن يمسك عن الطعام والشراب إلى اللّيل ، وإذا أقامَ فيها فعليه أن يصوم ولو أقام يوماً واحداً ، ولا يباح له الإفطار إلاّ إذا سافر إلى غيرها ، هذا حكم المسافر السالم من الأمراض ، والدليل على ذلك قوله تعالى في آخر هذهِ السورة {وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ } يعني إذا تداينتم في الطريق قبل أن تصلوا المدينة ، لأنّ في المدينة كثيراً من الكتبة يكتبون لكم ورقة الدَّين . وكذلك المسافر إن كان لا يطيق الصيام بسبب الحرّ إن كان الصوم وقت الصيف أو كان ماشياً على قدميهِ ولا يمكنهُ أن يصوم بسبب التعب ، أو كان في الحرب أو غير ذلك من الأسباب الّتي يصعب عليه الصيام فيها ، فيباح له الإفطار ثمّ يصوم بدلها عند رجوعهِ إلى بلده إذا رجع وعند الإمكان إذا لم يرجع .

والمريض يباح له الإفطار إن كان لا يطيق الصيام ، ثمّ يصوم بدل ما أفطر عند الصحة . أمّا المريض الّذي يمكنه الصيام وأراد الإفطار فعليه دِيَة الإفطار ويصوم بدلها عند الصِحّة . أمّا المسافر الذي يتمكّن من الصيام لزوال تلك الأسباب الّتي تعيقه عن الصيام وأفطر فعليه دِية الإفطار إذا أفطر ويصوم بدلها عند رجوعه إلى بلده وعند الإمكان إذا لم يرجع .

185 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ متى تكون تلك الأيّام المعدودة فقال (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) يعني إبتداء نزوله كان في شهر رمضان في ليلة القدر ، وذلك قوله تعالى في سورة القدر {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } ، يعني ابتداء نزوله كان في ليلة القدر . ولفظة "قرآن" مشتقّة من القراءة ، وتُطلَق ولو على آية واحدة من القرآن أو سورة أو كلّه . لأنّ جبرائيل كان يقرأ على النبيّ (ع) فيسمّى ما قرأهُ "قرآن" وإن كانت آية واحدة (هُدًى لِّلنَّاسِ ) أي هادياً للناس إلى طريق الصواب (وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) أي وفيهِ بيّنات من الألواح الّتي جاء بها موسى من عند الله والّتي هيَ هُدىً لبني إسرائيل وفيهِ من التوراة الّتي جاءت متفرّقة وكتبوها في مجموعة التوراة ، والدليل على أنّ كلمة "الهدى" يريد بها الألواح قوله تعالى في سورة غافر {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ } ، فالهُدى يريد بهِ الألواح ، والكتاب يريد بهِ مجموعة التوراة ، وإنّما سمّاها سُبحانهُ الفُرقان لأنّها جاءة متفرّقة فكتبها بنو إسرائيل فصارت كتاباً . والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة طـه {أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى } ، وقال تعالى في سورة الأعلى {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى. صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى } .

ثمّ قال تعالى (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) أي فمن حضرَ منكم بلدته ولم يُسافر في شهر رمضان فليصمهُ (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ ) ولم يُطِق الصوم (فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) أي فعليهِ أن يصوم عدد ما أفطر في أيّامٍ اُخَر ، وذلك عند شفائهِ من مرضهِ ، والمسافر عند رجوعه إلى أهله (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) يعني إنّما أباح لكم الإفطار في المرض والسفَر لئلاّ يُكلّفكم ما يشقُّ عليكم وما لا تُطيقونه (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ ) أي لتكمِلوا ما أفطرتم من أيّام شهر رمضان (وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ) أي على هدايتهِ لكم إلى دين الإسلام ، وهي تكبيرة صلاة العيد (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) نِعَمَ الله عليكم إذْ أعطاكم الصِحّةَ فصمتم .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم