كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
211 - طلبت قُريش من النبيّ (ع) معجزة كعصا موسى وناقة صالح ، وقالوا إن جئتنا بها نُصدّقك ، فنزلت هذهِ الآية (سَلْ) يا محمّد (بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ) أي كم أعطيناهم من معجزةٍ واضحة تدلُّ على صدقِ أنبيائهم فكفروا بها وكذّبوا . فإنّ موسى جاء بالعصا والمعجزات الاُخرى إلى فرعون وقومه فلم يؤمنوا بهِ ولم يُصدِّقوه ، بل كذّبوا بها وقالوا هذا سِحرٌ مُبين ، فانتقمنا منهم وأغرقناهم في البحر . وإنّ عيسى أنبأهم بالمغيّبات وأحيا لهم من الأموات وأبرأ الأكمه والأبرص فلم يؤمن به اليهود بل كذّبوه وقالوا ساحرٌ مُبين . وكذلك باقي الأنبياء كلّ من جاء بمعجزة مادّية فإنّ قومه يكذّبون بها ويقولون هذا سِحرٌ مُبين . وكذلك أنت يا محمّد لو أعطيناك معجزة مادّيةكعصا موسى وناقة صالح لكذّب بها قومك وقالوا هذا سِحرٌ مُبين . والأحسن من ذلك هيَ المعجزات العلمية والأدلّة العقليّة التي أنزلناها عليك فادعُهم إلى الإيمان بِها فهي تؤثّر فيهم أكثر من المعجزات المادّية . وذلك قوله تعالى في سورة النحل {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ } . فقوله تعالى (سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) يعني إذا لم يطمئنّ قلبك يا محمّد بهذا الجواب فاسأل بني إسرائيل كم آتيناهم من معجزة فكذّبوا بها وأبدلوها بالكفر (وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ ) بالكفران (مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ ) على لسان محمّد ، ويريد بالنِعمة الرسالة فهي نِعمة من الله لمن يتّبعها والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الضحى {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } أي حدّث الناس برسالتك ولا تخشَ أحداً (فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) لمن جحد بآياته وكذّبَ رُسُلَهُ .
212 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ بأنّ امتناعهم عن الإيمان إنّما هو لإيثارهم الحياة الدُنيا فقال تعالى (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُنيا ) يعني زيّنَ الشيطان لهم حُبّ الدُنيا وألقى الكفر في قلوبهم (وَيَسْخَرُونَ مِنَ الّذينَ آمَنُواْ ) لأنّهم آمَنوا بالبعث ولأنّهم فقراء (وَالّذينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) يعني فوق الكافرين بالمكان والمنزلة ، لأنّ الجنّة في السماء والنار من تحت وهي البراكين يُعذّبون فيها ماداموا في الأرض إلى يوم القيامة (وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء ) في المستقبل (بِغَيْرِ حِسَابٍ ) أي بدون محاسبة على صرفها ، وذلك في الدُنيا ، فلا تسخروا بالمؤمنين لكونهم فقراء فإنّ الله سيرزقهم ويعطيهم من فضله .
213 - (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ) فاختلفوا ، أي كانوا على مِلّة واحدة ليس فيهم من يشرك بالله ، وذلك في زمن آدم ، فاختلفوا من بعدهِ إلى مذاهب شتّى وألسُن مُتعدّدة وأشركوا (فَبَعَثَ اللّهُ النبيّينَ مُبَشِّرِينَ ) بالجنّة لمن أطاعهُ (وَمُنذِرِينَ) بالنار لمن أشرك بهِ وعصاه (وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ ) أي الكتُب السماويّة (بِالْحَقِّ) أي بدِين الحقّ وتبيان الحقّ (لِيَحْكُمَ) كلّ نبيٍّ (بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ ) من الأديان والمذاهب الباطلة ويُرشدهم إلى دِين الحقّ (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ ) أي في الكتاب (إِلاَّ الّذينَ أُوتُوهُ ) وهم علماء الضلال من اليهود والنصارى وغيرهم الّذينَ طلبوا الدُنيا والرئاسة (مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ ) أي وكان اختلاف هؤلاء العلماء في الكتاب بعد الّذي جاءهم من البيّنات على صِدقه ، وسبب ذلك الاختلاف كان (بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) أي حسَداً فيما بينهم وظلماً وطلباً للرئاسة (فَهَدَى اللّهُ الّذينَ آمَنُواْ ) إلى طريق الإسلام (لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ ) أي لِما كانوا مُختلفين فيه من الحقّ ، والمعنى : أنّ الله تعالى أوضح لهم الطريق حتّى عرفوا الحقّ من الباطل (بِإِذْنِهِ) لأنّ الله تعالى أذِنَ لملائكته فأرشدتْهم إلى ذلك بالإلهام والإيحاء (وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ) أي من كان أهلاً للهداية (إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) يعني إلى طريق الحقّ الّذي لا اعوجاج فيه .
214 - كان بعض من أسلم في زمن النبيّ (ع) لا يقومون بالواجب ولا ينشرون الدعوة ولا يجاهدون في سبيل الله بل اكتفَوا بمجرّد القول إذْ قالوا آمنّا ، فإذا سألهم بعض أصحابهم عن سبب امتناعهم عن الجهاد قالوا نخاف القتل والأذى ، فنزلت فيهم هذه الآية (أَمْ حَسِبْتُمْ ) أيّها المسلمون ، وفي الكلام حذفٌ تقديرهُ : أظننتم أنّكم تثابون بمجرّد قولكم آمنّا دون أن تعملوا أم حسبتم (أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ ) بدون عمل (وَلَمَّا يَأْتِكُم ) من الأذى والْمِحَن تضجرون وتنفرون ، فليس هذا عمل المؤمن ، ألا تكونون (مَّثَلُ الّذينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم ) من المؤمنين في الاُمَم السالفة (مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء ) "البأس" هو الشدّة وجمعه بأساء ، و"الضرّ " هو المرض وجمعه ضرّاء وقد سبق تفسير هذه الكلمات في آية 177 ، والمعنى : أصابتهم الشدائد بسبب الجهاد ، والفقر بسبب تركهم ديارهم وأموالهم في سبيل الله لأنّهم اتّبعوا رُسُلَهم (وَزُلْزِلُواْ ) أي أزعِجوا وأوذوا فصبروا ونصروا (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالّذينَ آمَنُواْ مَعَهُ ) أي يقول بعضهم لبعض (مَتَى نَصْرُ اللّهِ ) يعني يقول المؤمنون لرسولهم متى نصر الله ، فيقول الرسول في جوابهم (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ ) يعني يقول لهم اصبروا وسيأتيكم النصر عن قريب .
215 - نزلت هذه الآية في عمرو بن الجموح وكان شيخاً كبيراً ذا مال كثير فقال يا رسول الله بماذا أتصدّق وعلى من أتصدّق ؟ فنزلت (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ ) أي من مالٍ (فَلِلْوَالِدَيْنِ) وهم الأب والاُم والجدّ والجدّة (وَالأَقْرَبِينَ) أي الفقراء من أقربائك (وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ) يعني الفقراء عامّةً (وَابْنِ السَّبِيلِ ) أي المسافر المنقطع بهِ ، وهذه زكاة تطوّع غير الواجبة (وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) فيجازيكم عليه .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |