كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة البقرة من الآية( 219) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

219 - جاء نفر من الصحابة فقالوا يا رسول الله أفتِنا في الخمر والميسر هل يُباحان؟ فنزلت هذه الآية (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ ) وهو كلّ شراب مُسكر (وَالْمَيْسِرِ) وهو القمار (قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ) أي ذنبٌ عظيم ، فبسببهما تكون أكثر المعاصي وتنتج أكثر الجرائم (وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ) منفعة الخمر للبايع والصانع وفي الطب كمعقّم ، ومنفعة القمار لبائع السلعة الّتي يلعبون بها وصانعها والرابح الذي يأخذ مال صاحبهِ من غير تعب (وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ) أي ما فيهما من الإثم أعظم مِمّا فيهما من النفع ، لأنّ النفع خاصّ لبعض الناس ولكنّ الضرر لكثير منهم ، وإنّ الشارب والمقامر يقترفان بواسطتهما الآثام من وجوه كثيرة (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ) من أموالهم (قُلِ الْعَفْوَ ) "العفو" معناه ترك البدل ، ومن ذلك قول زُهير بن أبي سلمى يمدح رجلاً :

                              هْوَ الْجَوَادُ الَّذِي يُعْطِيْكَ نَائِلَهُ      عَفْواً وَيُظْلَمُ أَحْيَانَاً فَيَظْطَلِمُ
                                  وَإِنْ أَتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْأَلَةٍ      يَقُولُ لاَ غَائِبٌ مَالِي وَلاَ حَرِمُ

وقال الفرزدق يمدح رجلاً :
                               وتُعْطِي العُرْفَ عفواً سائليهِ      وتُرْوِي الزَّاعِبِيَّةَ في الطّعانِ

وقال جرير يهجو بني تيم :
                         ولو تَسْتَعِفُّ التّيمُ أو تُحسِنُ القِرى      ولكنَّ تَيْماً لا تَعِفُّ ولا تَقْرِي

يعني لا تُعطي من مالها بدون بدل ولا تُقري الضيف . ومعنى الآية يقول الله تعالى إذا أنفقتم فأنفقوا في سبيل الله ولا تطلبوا بهِ بدلاً ولا أجراً من الناس ، فإنّ الله يأجركم عليه . ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة الإنسان حاكياً عن المؤمنين قولهم {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا } والإنفاق غير الزكاة الواجبة ، لأنّ الزكاة خاصّة للفقراء ، أمّا الإنفاق فيصرف في الجهاد ولبناء المساجد والمستشفيات الخيرية ودور الضيافة وغير ذلك . وهذا الإنفاق خاصّ بالأغنياء دون الفقراء ، والشرط الوحيد في ذلك أن تجعل إنفاقكَ في سبيل الله لا تُشرك بهِ أحداً من المشايخ والأئمّة والأنبياء ، فإن جعلت إنفاقك في سبيل أحد من المخلوقين أو أشركتهُ مع الله في الإنفاق فلا يُقبل منك إنفاقك ولا تؤجَر عليه . ومثال ذلك ما ينفقه بعض الناس فيبني مسجداً ويكتب على باب المسجد (مسجد وحسينيّة) فيشرك الحسين مع الله في المسجد ، فهذا عمل لا يرضاه الله ولا يتقبّلهُ ولا يأجر صاحبه عليه . (كَذَلِكَ) أي مِثل هذا البيان (يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ ) في المستقبل (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ) في مصالح دينكم .

220 - (فِي الدُنيا وَالآخِرَةِ ) أي في شؤون الدُنيا وأعمال صالحة للآخرة .

جاء رجل من الصحابة إلى النبيّ فقال يا رسول الله عندي يتيم وله عندي دراهم وأنا أنفق عليه من دراهمه وقريب أن تنفد أيجوز أن أجعلها في حانوتي وأجعله شريكاً معي في الحانوت ليربح منها ولا تنفد دراهمه؟ فنزلت هذه الآية (وَيَسْأَلُونَكَ) يا محمّد (عَنِ الْيَتَامَى ) أي عن أمر اليتامى ومشاركتهم (قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ) أي إعملوا ما هو الصالح لهم ، والمعنى : الكسب لهم خيرٌ من البطالة (وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ ) في كسبِكم وصناعاتكم فيعملون بأجرة أو تشاركونهم (فَإِخْوَانُكُمْ) في الدِين ، وحقّ الأخ أن يعمل لأخيه ما هو الصالح (وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ ) منكم (مِنَ الْمُصْلِحِ ) للأيتام فيجازي كلاً على عمله (وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ ) "العنَت" هو الذلّ والخضوع والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة طـه {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ } أي خَضعتْ وذَلّتْ . والمعنى : ولو شاء الله لأذلّ المفسدَ منكم في الدُنيا قبل الآخرة ولكنّ الله يمهلهُ لعلّهُ يُصلح أعماله (إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ) في مُلكهِ ينتقم مِمّن يريد فساد حال الأيتام (حَكِيمٌ) في أفعاله فلا يأمركم بشيء إلاّ وفيه منفعة لكم .

221 - نزلت هذه الآية في مُرثد الغنوي إستأذن النبيّ (ع) في زواج امرأة مُشركة تدعى عِناق (وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) أي لا تتزوّجوا المشركات حتّى يُسلمنَ ويؤمنّ بالله وحده دون شريك له (وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ ) يعني مملوكة مسلمة موحدة خيرٌ لكم من حُرّةٍ مشركة (وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ) بحُسنها أو مالها أو حسبها (وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ ) أي لا تزوّجوا بناتكم من المشركين (حَتَّى يُؤْمِنُواْ ) يعني حتّى يوحّدوا الله فلا يجعلوا له شريكاً في العبادة (وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ) يعني مملوك موحّد خيرٌ لكم من حُرٍّ مشرك (أُوْلَـئِكَ) المشركون (يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) يعني يدعون الناس إلى عبادة الأوثان والأصنام أو إلى عبادة الملائكة أو إلى عبادة قبور المشايخ والأولياء أو إلى غير ذلك من الأجرام السماويّة فيكون عاقبة تابعي هؤلاء المشركين النار (وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ ) يعني والله يدعوكم إلى عبادتهِ ونبذ الأصنام وغيرها وترك عبادتها لكي تدخلوا الجنّة وتنعموا فيها ويغفر لكم ذنوبكم (بِإِذْنِهِ) يعني لا ينال هذه السعادة ويكون موحّداً طائعاً لله إلاّ من أذِنَ الله لملائكتهِ أن يُرشدوهُ إلى طريق الحقّ بالإيحاء فينقاد لهم ويوحّد الله ويترك عبادة المخلوقين (وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ ) في القرآن (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) أي لعلّهم يتّعِظون .

222 - وجاء رجل من الصحابة فسأل النبيّ (ع) عن حُكم النساء وقت الحيض ، فنزلت هذه الآية (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ) أي عن أمر المحيض وحكمه (قُلْ هُوَ أَذًى ) للنساء ، لأنّ جِماع الحائض يسبّب لها مرضاً في بيت الأرحام ، وقد جاء في مجلة "طبيبك" العدد 198 شباط 1973 ميلاديّة سؤال من حلب يسأل هل هناك محذور من مقاربة الحائض ؟ فكان الجواب : "نعم ، تكون الرحِم أيّام الطمث مُتفتّحة العروق محتقنة بالدماء مُستعدّة لتلقّف الجراثيم وحدوث الإنتان والإلتهاب فضلاً عن أنّ تقلّصات الرحم أثناء الاتّصال قد تسبّب نزفاً دمويّاً ." [إنتهى ]

ثمّ إنّ الزوج تشمئزّ نفسه من زوجته إذا رآها في تلك الحالة ، وربّما يقع في قلبه كُرهٌ لها بعد ذلك ، فيجب على الزوجة أن تفطن إلى ذلك فلا تدعهُ يجامعها وقت الحيض ، ويجب عليها أن تترك الزينة والتجميل في أيّام الحيض لئلاّ يقترب منها زوجها ، ولذلك قال تعالى (فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ ) أي اعزلوا فراشكم عن فراشهنّ وقت النوم (وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ ) بالجِماع (حَتَّىَ يَطْهُرْنَ ) من الدم ويغتسلنَ منه (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ ) بالماء واغتسلنَ (فَأْتُوهُنَّ) أي فارجعوا إليهنّ في الفراش وجامعوهنّ إنْ شئتم ذلك (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ ) أي من الجهة التي أمركم الله باجتنابها وقت المحيض واعتزال النساء بسبب ذلك المكان ، وهو الفرج . (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ) من الذنوب (وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) بالماء إذا جامعوا نساءهم . فالحائض لا يباح جماعها سواء قُبلاً كان أم دبُراً، وأقلّ مدّة للحائض خمسة أيام إذا طهرت قبل الخمسة وأوسطها سبعة وأكثرها حتّى تطهر .

معنى الاعتزال : توجد بعض المستشفيات تسمّى مُستشفى الاعتزال أو مستشفى العزل ، وهو أن يعزلوا فيه المرضى المصابون بأمراض مُعدية ، وإنّما يعزلونهم في تلك المستشفى لئلاّ يُصاب غيرهم بهذا المرض فتنتقل العدوى منهم إلى غيرهم من الأصحّاء .

                                                                  حُكم الحيض عند اليهود

إنّ العادة عند اليهود إذا حاضت إحدى نسائهم فلا يقترب منها زوجها في الفراش ولا في المنام ولا يأكل معها طعاماً ولا يأخذ من يدها مأكولاً أو مشروباً ، فيعزل فراشه عن فراشها وطعامه عن طعامها ولا يأخذ شيئاً من يدها فإنّها نجسة حتّى تطهر من حيضها ، وهكذا عندهم الاعتزال حتّى أنّهُ إذا مسّ ثوبها أو جسمها بيده يتنجّس فيجب عليه أن يغتسل ، ولا يُباح له أن يجامعها إلاّ بعد انتهاء مدّة الحيض بسبعة أيّام ، فيكون انقطاعه عنها أربعة عشر يوماً ، وهكذا شدّد الله عليهم الحكم في أمر الحيض . وقد خفّف الله على المسلمين بسبعة أيّام فأباح لهم أن يُجامعوا زوجاتهم بعد انتهاء مدّة الحيض والغسل منه مُباشرةً دون تأجيل .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم