كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
238 - (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ ) جمع صلاة ، أي داوموا عليها بأوقاتها ولو في الحرب والقتال ، وهي خَمسٌ فقد جاء ذكر ثلاث منها في سورة هود وهي صلاة الصبح أي الفجر وصلاة العصر والمغرب وذلك قوله تعالى {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللّيل ِ} فقوله تعالى {طَرَفَيِ النَّهَارِ} يعني الصبح والعصر {وَزُلَفًا مِّنَ اللّيل } يعني قريباً من اللّيل وهي صلاة المغرب فهذه ثلاث ، وجاء ذكر اثنتين منها في سورة الإسراء وهي صلاة الظهر وصلاة العشاء ، وذلك قوله تعالى في سورة الإسراء {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللّيل } فدلوك الشمس زوالها وهي صلاة الظهر ، وغسق اللّيل ظلامهُ وهي صلاة العشاء فصار المجموع خمس فرائض (والصَّلاَةِ الْوُسْطَى ) هي صلاة الجمعة ، وصلاة الجمعة لا تُسقِط صلاة الظهر لقوله تعالى (والصَّلاَةِ الْوُسْطَى ) فخصّها دون الخمسة . (وَقُومُواْ ) بعد الصلاة (لِلّهِ قَانِتِينَ ) أي مُنقطعين عن أعمال الدُنيا وشؤونها متوجّهين بوجوهكم وقلوبكم إليه . ويُباح الجمع بين الصلاتين عند الضرورة والحرب والسفَر فيُجمَع بين الصلاتين عند اغتنام الفرصة .
239 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ حكم الصلاة عند الخوف من العدو ، أي وقت الحرب وذلك عند مسيرهم مشاةً أو رُكباناً والعدوّ يتربّص لهم فقال (فَإنْ خِفْتُمْ ) من عدوّ وكنتم سائرين (فَرِجَالاً) أي فصلّوا راجِلِين ، جمع راجِل ، يعني فصلّوا وأنتم ماشون على أرجلكم (أَوْ رُكْبَانًا ) أي أو راكبين على ظهور دوابّكم . والإنسان مخيّر في هذه الحالة من أن يُصلّي بالتمام أو أن يقصر فيصلّي ركعتين بدل الأربع ، وذلك لقوله تعالى في سورة النساء {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الّذينَ كَفَرُواْ } . وتكون صلاة وقت الخوف بلا ركوع ولا سجود بل بالإيماء ، وذلك عند المسير لا عند الإقامة ، ويسقط عنه التوجّه نحو القِبلة ، وإذا لم يمكنه الوضوء فبالتيمّم . وإذا كان الإنسان في مواضع الحرب وصار وقت الصلاة فليصلِّ في مكانه ولو كان اتّجاههُ لغير القِبلة ، ولا حرج عليه أن يُصلّي وهو جالس أو نائم إذا لم يمكنه القيام لسببٍ من الأسباب (فَإِذَا أَمِنتُمْ ) من العدوّ وزال الخوف عنكم (فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم ) أي فصلّوا بركوع وسجود والتوجّه إلى القبلة كما علّمكم أن تُصلّوا (مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ ) قبل الإسلام .
240 - (وَالّذينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ ) أي يموتون (وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا ) أي يتركون زوجات (وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم ) يعني فليوصوا قبل موتهم وصيّة لهنّ (مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ ) يعني ما ينتفعنَ به من النفَقة والكِسوة والسُكنى سنة كاملة (غَيْرَ إِخْرَاجٍ ) أي لا تخرجوهنّ من بيوت الأزواج إلى بيوت آبائهنّ (فَإِنْ خَرَجْنَ ) باختيارهنّ قبل الحَول وبعد انتهاء العِدّة (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ) يا أولياء الميّت ووارثيهِ (فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ ) من التزيّن والتعرّض للخِطبة (مِن مَّعْرُوفٍ ) أي مِمّا ليس بمنكر شرعاً ، فوليّ الميّت عليه أن يقوم بنفقة الزوجة حولاً كاملاً ، فإذا خرجت زوجة الميّت قبل انتهاء الحول وبعد انتهاء العِدّة لكي تتزوّج ولم ترجع لدار زوجها الميّت سقط حقّها من النفقة (وَاللّهُ عَزِيزٌ ) ينتقم مِمّن يخالف أوامره (حَكِيمٌ ) في أفعاله فلا يأمركم بشيء إلاّ فيه صلاح لكم .
241 - (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ) أي للمطلّقات المدخول بهنّ نفقة العِدّة وهي ثلاثة أشهر . أمّا المطلّقات الغير مدخول بهنّ فلهنّ جُعالة إن لم يكن لهنّ مهرٌ (حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) أي واجباً على من يتّقي عذاب الله بطاعتهِ .
242 - (كَذَلِكَ) أي كما بيّنا أحكام الطّلاق والعِدّة لمن سبقكم من أهل الكتاب كذلك (يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) يعني لكي تكمل عقولكم ، فإنّ العقل الغريزي إنّما يكمل بالعلم المكتسب .
243 - (أَلَمْ تَرَ ) أيّها السامع ، والمعنى : ألم تسمع بقصّةِ هؤلاء فتتفكّر في أمرهم وتعتبر بقصّتهم ؟ فلفظة "ترى" مشتقّة من الرأي وهو العلم والفكر (إِلَى الّذينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ ) هاربين من أعدائهم ، وهم بنو إسرائيل خرجوا من مصر مع موسى بن عمران (وَهُمْ أُلُوفٌ ) في العدد ، فكان عددهم ستمائة ألف رجل عدا الأطفال والنساء ، راجع سِفر الخروج – الإصحاح الثاني عشر من مجموعة التوراة ، ساروا حتّى نزلوا قرب أرض كنعان (الأردن) ، فأمرهم موسى أن يحاربوا الكنعانيين ويدخلوا قرية أريحا ، فامتنعوا عن الجهاد (حَذَرَ الْمَوْتِ ) أي خرجوا من ديارهم حذراً من الموت تحت حكم فرعون لأنّه استعبدهم وقتل أبناءهم ، ونزل الطاعون بهم أيضاً فمات شيوخهم فهربوا من مصر ، ولَمّا أمرهم موسى بالجهاد إمتنعوا أيضاً خوف القتل (فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ) في هذا القفرِ فإنّكم لا تدخلون أريحا بل يدخلها أولادكم بعد أربعين سنة ، هذا جزاء عنادكم وتكبّركم على الله وعلى رسوله .
فمات الآباء بالتدريج في تلك الصحراء ولم يبق منهم إلاّ رجلان وهما يوشع بن نون وكالب بن يفنّة (ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ) بعد أربعين سنة ، أي أحيا ذِكرهم بأولادهم إذْ نصرهم على أعدائهم وأدخلهم أرض كنعان ، فالموت هنا كناية عن الذلّ كقوله تعالى في سورة آل عمران {قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } ، و"الإحياء" كناية عن العِزّ والنصر (إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ) بكثرة النِعم والتجاوز عن سيّئاتهم (وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ) هذه النِعم بل يكفرون بدل الشُكر .
ومضمون الآية أنّ الله تعالى يُحرّض المؤمنين على جهاد عدوّهم لينتصروا عليهم ويحيَوا كما انتصر أولاد بني إسرائيل لَمّا جاهدوا ودخلوا أريحا ، ولا يمتنع المسلمون عن الجهاد فيهلكوا ويموتوا كما مات بنو إسرائيل لَمّا امتنعوا عن الجهاد .
ثمّ خاطبَ المسلمين فقال تعالى :
244 - (وَقَاتِلُواْ) المشركين (فِي سَبِيلِ اللّهِ ) وهو ينصركم عليهم ويأجركم على جهادكم (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ ) لأقوالكم (عَلِيمٌ) بنيّاتكم .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |