كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
25 - (وَبَشِّرِ الّذينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ) يعني من تحت أشجارها تجري الأنهار ، ثمّ أخذَ سُبحانهُ يصفُ عيش من دخلها فقال (كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ ) يعني قالوا هذه الفاكهة الّتي أكلناها في الدُنيا في المكان الفلاني ، لأنّ كلّ ثمرةٍ لها روح أي لها ثمرة أثيريّة تشبه الفاكهة المادّية تمام الشبَه ، فإنّهم أكلوا الفواكه المادّية في الدُنيا فوجدوا الأثيريّات أمامهم في الجنّة فقالوا هذا الّذي رُزِقنا من قبل (وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً ) يعني وأتتهم الملائكة بأثمار اُخرى تشبه تلك الّتي رُزِقوا بها في الدُنيا (وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ) يعني مطهّرة من النجاسات كالحيض والنفاس والبول والتغوّط لأنّها نفوس أثيريّة لا تبول ولا تتغوّط ولا تَلِد (وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) أي مُخلّدون لا يموتون . وقد سبق تفسيرها في كتابنا الإنسان بعد الموت ، [تحت عنوان الجنان ] .
26 - (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا ) يعني مثَلاً من الأمثال من صغير الحشرات إلى كبير الحيوانات ، وذلك قوله تعالى (بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ) أي فما تجاوزها وزاد عليها ، لأنّ الله تعالى لَمّا ضرب مثَلاً بالذباب والعنكبوت تكلّم فيه قومٌ من اليهود وعابوا ذكره وقالوا ماذا أراد الله بالعنكبوت فيضرب به مثَلاً ، وما هذه الأمثال إلاّ من محمّد ؛ فأنزل الله هذه الآية ، ومعنى (لاَ يَسْتَحْيِي ) يعني لا يَرى في ذلك من حياء ، أي لا يَرى من عيب في ضرب الأمثال بالحشرات لأنّهُ هو الذي خلقَها وهو أعلمُ بضعفها وقوّتِها وطباعها ولا فرق بينكم وبينها في الخلقة فهي مخلوقاتُهُ وأنتم عبيده . والبعوض صِغار البقّ ، وإنّما لم يقل بعوضةً فما أكبر منها ، لأنّ ذلك يدلّ على الكبر فقط ، وأراد سبحانه بلفظة (فَمَا فَوْقَهَا ) الغريزة والقوّة والحجم (فَأَمَّا الّذينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ) أي القرآن مُنزل من ربّهم وليست هذه الأمثال من محمّد (وَأَمَّا الّذينَ كَفَرُواْ ) بالقرآن ، وهم اليهود (فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا ) أي بالحشرات فيضرب بِها (مَثَلاً) فقال تعالى (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً ) . وذلك لأنّ الناس قسمان صالح وفاسق : فالصالح من كان حسَن الأخلاق صادق القول كريم النفس رحيم القلب رؤوفاً بالمساكين لا يتكبّر على الضُعفاء . أمّا الفاسق فعكس ذلك كاذب في أقواله متكبّر في نفسه ظالم جائر نمّام بخيل ، فإن لم تكن هذه الصفات كلّها فيه فبعضها . فالصالحون يتّبعون المحكم من القرآن فيهتدون بهِ ويتركون حُكم المتشابه إلى الله . أمّا الفاسقون فيتركون المحكَم ويعترِضون على المتشابه فيضلّون به ، وذلك قوله تعالى (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً ) ولذلك قال بعدها (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ ) يعني إلاّ من كان سيّء الأخلاق . ثمّ أخذَ سُبحانهُ في ذمّ اليهود فقال :
27 - (الّذينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ ) يعني ينقضون العهد الذي عاهدوا به أنبياء الله الماضين بأن لا يشركوا بالله شيئاً ولا يقتلوا النفس التي حرّم الله قتلها ولا يزنوا ، وقد أخلفوا الله ما وعدوهُ (وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ) يعني ويقطعون صِلة الرحِم الّتي أمر الله بها (وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ ) بالفِتَن وقطع السبيل ويصدّون من آمَن بمحمّد (أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) الّذينَ خسروا أنفسهم وأهليهم فأبدلوا الجنّة بالنار والعِزّ بالعار .
28 - ثمّ وجّه الخطاب إلى اليهود فقال تعالى (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ) يعني كيف تكفرون بآيات الله وكنتم أذلاّء مُستعبدين تحت حُكم فرعون فأنقذكم على يد موسى نبيّكم فأصبحتم أعزّاء بعد ذلكم ومُحترمين بين الناس بعد احتقاركم . فالموت كناية عن الذلّ ، والحياة كناية عن العزّ ، وقوله (ثمّ يُمِيتُكُمْ ) أي يذلّكم ، وذلك في زمن النبيّ (ع) ذلّوا فقتلَ بعضهم ونفَى بعضهم من ديارهم بسبب سوء أعمالهم وتحالفهم مع المشركين ضدّ النبيّ ، فهذا كان موتهم ( ثمّ يُحْيِيكُمْ ) بعد زمن ، فقد أحياهم في هذا القرن فاجتمعوا في فلسطين وزادت أموالهم وأولادهم وسطوتهم (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) بعد موتكم فيعاقبكم على أفعالكم . ثمّ وجّه الخطاب لسائر الناس فقال تعالى :
29 - (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ) من جبال وأنهار ونبات وأنعام وغير ذلك (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ ) أي ثمّ قام إلى بناء السماء وفَصَلَ غازاتها بعضها عن بعض ، يعني سماء الأرض وكانت من دخان (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ) وذلك بأن فصل ذلك الدخان المتكوّن من سبع غازات مختلفة فصار الخفيف منها يرتفع والثقيل ينخفض حتّى صارت سبع طبقات غازيّة (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) فيعمل بحكمةٍ ويخلق بإتقان . ونظير هذه الآية في سورة فصِّلت قوله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ } . وقد سبق تفسير هذه الآية في كتابنا الكون والقرآن في تعريف السماوات الغازية .
30 - (وَإِذْ) تقديره واذكر لهم قِصّة آدم إذْ (قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) أي يخلف مَن مضَى قبله من الاُمَم ، وقد سبق تعليل ذلك في كتابي الكون والقرآن تحت عنوان الحياة انتقالية فراجعه إن شئت زيادة إيضاح. والشاهد على ذلك قول الشاعر :
أَبُــوكَ خَلِيفَــةٌ وَلَدَتْــهُ اُخرى وَأَنْـــتَ خَلِيفَـــةٌ ، ذَاكَ الكَمَــالُ
فإنّ الخليفة يخلف من مات أو غاب فيقوم الخليفة مقامه ،والشاهد على ذلك قول الله تعالى في سورة يونس {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } ، وقال تعالى في سورة الأعراف {وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ } ، فالخليفة إذاً يخلف من كان قبله . وقد أخطأ المفسّرون بل أثِموا إذ قالوا آدم خليفة الله ، فإنّ الله تعالى حيٌّ لم يمت ولن يموت ليجعل له خليفة ، فإنّ آدم خليفة من كان قبله من البشر في تلك المنطقة الّتي خلقَه الله فيها .
(قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ) كما فسدت الاُمَم الماضية ، (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ) ألا تكتفي بنا عبيداً ؟ (قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) أي أنا أعلَمُ أنّ أولاد آدم يفسِدون في الأرض ويسفكون الدماء ولكن لي منهم نُخبَة وفيهم الكفاية فهؤلاء يعبدونني ولا يشركون بي شيئاً ، ويريد بهم الأنبياء والهُداة .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |