كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
267 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ ) على الفقراء والمحتاجين (مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ) يعني من خيار المأكل والملبس (وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ ) أي وأنفقوا من الحبوب والأثمار الّتي أنبتناها لكم وأخرجناها من الأرض (وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ ) أي لا تقصدوا الرديء من المال لتنفقوهُ (تُنفِقُونَ) الرديء (وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ ) إن أعطاكم أحدٌ مثلهُ (إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ ) يعني إلاّ حياءً تأخذونهُ من مُعطيهِ (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ ) عن إنفاقكم (حَمِيدٌ) أي تحمده الناس على كثرة عطائه .
268 - (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ ) بالإنفاق ، يعني يقول لكم لا تُنفقوا فتَفتقروا (وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء ) أي يأمركم بالخصال المذمومة ومن تلك الخصال إتلاف المال على الزانيات (وَاللّهُ يَعِدُكُم ) على الإنفاق (مَّغْفِرَةً مِّنْهُ ) لذنوبكم (وَفَضْلاً) منه عليكم بأن يُعطيكم عشرة أمثال ما أنفقتم في الدُنيا وسبعمائة في الآخرة (وَاللّهُ وَاسِعٌ ) العطاء (عَلِيمٌ ) بالمنفق والممسِك .
269 - (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء ) أي الله يعطي الهداية والموعظة لمن يشاء من عبادهِ (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ) لأنّهً جمع لهُ خير الدُنيا والآخرة ، وفي ذلك قال الشاعر :
ما أَحْسَنَ الدِّيْنَ والدُنيا إذا اجْتَمَعَا لا خيرَ في دنياً بلا دِينِ
فالحكمة هي الموعظة الّتي أنزلها الله في الكتب السماويّة على أنبيائهِ ورُسُلهِ ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الإسراء إذْ جاء بالموعظة فذكر عدداً منها فقال :
لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهًا آخَرَ ،
وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ،
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ،
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ ،
وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ ،
وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ،
وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ،
وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ ،
وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى ،
وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ ،
وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ،
وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ ،
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ ،
وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ،
وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا .
فهذه خمس عشرة موعظة ، ثمّ قال بعدها {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ } يعني الموعظة ، فالحكمة أعطاها الله لأنبيائهِ ورُسُلهِ وهم قرأوها على الناس وعلّموهم بها فمن أخذها وعمِلَ بها فقد أوتي خيراً كثيراً ، ومن صدّ عنها وعمل ضِدّها فقد خسِرَ خُسراناً مُبينا . وقوله (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ) يعني وما يتّعظ بها إلاّ ذوو القلوب الواعية الّتي ترأف بالفقراء والمساكين .
270 - (وَمَا أَنفَقْتُم ) في سبيل الله (مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم ) لله (مِّن نَّذْرٍ ) ووفيتم بهِ (فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ ) ويأجركم عليه (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ) يدفعون عذاب الله عنهم . وأراد بالظالمين البُخلاء الّذينَ لا يعطون حقّ الفقراء من الزكاة الّتي أوجبها الله لهم ، وكذلك الّذينَ يَنذرون لغير الله ، الّذينَ يَنذرون للأنبياء والمشايخ والأئمّة وينفقون أموالهم في سبيلهم فهؤلاء هم الظالمون ، ولا يجوز النذر لغير الله .
271 - (إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ ) يعني إن تعطوها علانيةً (فَنِعِمَّا هِيَ ) أي فنِعمَ الشيء إظهارها (وَإِن تُخْفُوهَا ) أي تستروها (وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء ) أي وتعطوها للفقراء بالسِرّ (فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ ) عند الله من إعطائها علانيةً (وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ) بسبب صدقاتكم ، أي يمحوها عنكم ، وهي صغائر الذنوب (وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) فيجازيكم على أعمالكم .
272 - كان النبيّ (ع) يحثّ المسلمين على الإنفاق في سبيل الله ، ويمنع الإنفاق لغير الله كالأصنام والأوثان ، وكان بعض المشركين جالسين فاعترضوا على النبيّ وقالوا هؤلاء شفعاؤنا عند الله فإنّنا ننفق أموالنا لأجلهم ونذبح القرابين لهم ليشفعوا لنا عند الله . فقال النبيّ تلك أحجار لا تضرّ ولا تنفع . قالوا : إسكت ولا تكفر بتلك الغرانيق العُلى والّتي شفاعتهنّ تُرتَجى . فاغتمّ النبيّ من قولهم فنزل قوله تعالى (لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـكِنَّ ) عليك إنذارهم (اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء ) أي يهدي من كان أهلاً للهداية ، ثمّ خاطبَ المسلمين فقال (وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ ) أي من مالٍ (فَلأنفُسِكُمْ) ثوابهُ ولكم جزاؤهُ (وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ ) أي في سبيل الله ليوصلكم إلى جهتهِ ويُدخلكم جنّاتهِ . فالوجه معناه الجهة ، والجنان موقعها في السماء في جهة الله ، والمعنى : إذا أنفقتم في سبيل الله ولم تُنفقوا للأصنام والأوثان فسيُدخلكم في جنّاته وتكونون في جواره في السماوات الأثيريّة (وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ) يعني يعطيكم أجركم وافياً (وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ) بنقصٍ من أجوركم بل نزيدكم عليها أضعافاً .
273 - لَمّا ذكرَ سبحانهُ الصدقات في الآية السابقة بقوله (إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ..الخ ) ، وأنّها للفقراء ، خصّ في هذه الآية بعض الفقراء بالأقدميّة فقال تعالى (لِلْفُقَرَاء الّذينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ) الحصار هو المنع والحبس ، ويريد بذلك الفقراء من المهاجرين الّذينَ منعوهم أموالهم وحبسوها عنهم فلم يبقَ لهم من المال ما يُتاجرون بهِ ولا ما يكتسبون فيهِ . وكذلك المجاهدين لأنّهم منعوا أنفسهم عن الكسب والتجارة بالحرب والدفاع عن الدِين وعن إخوانهم المسلمين . وقوله (لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا ) أي ذهاباً وتصرّفاً (فِي الأَرْضِ ) للكسب والتجارة (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ ) بحالهم (أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ ) أي يظنّهم الجاهل بحالهم أغنياء وذلك لِما يرى فيهم من التعفّف ، والتعفّف هو الامتناع عن السؤال والتجمّل في اللباس والستر لِما هم فيه من الفقر (تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ ) أي تعرف حالهم بالنظر إلى وُجوههم لِما فيها من علامة الفقر (لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ) . "الإلحاف" معناه الإلحاح في السؤال ، ومن ذلك قول طَرَفة يمدح قومه :
لا يُلحِفونَ على غارِمِهِمْ وعلى الأيسارِ تيسيرُ العَسِرْ
(وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) فيجازيكم عليه في الآخرة ويزيدكم من فضله .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |