كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة البقرة من الآية( 276) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

276 - (يَمْحَقُ اللّهُ ) آكل (الْرِّبَا) أي يُنقِص عمرهُ ويُنقِص دِينهُ ، ومن ذلك سُمّي "المحاق" للقمر في آخر ليلة من الشهر ليعود هلالاً ، والشاهد على ذلك قول عنترة :

                             أنَا العَبْدُ الذي يَلْقَى المنايا      غَدَاةَ الرَّوْعِ لا يَخْشَى الْمُحَاقَا

(وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ) أي يبارك في مال المتصدّق ويزيد في عُمرهِ وفي مالهِ (وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ ) لِنعم الله فيقابلها بالكُفران بدلَ الشُكْر (أَثِيمٍ) أي كثير الآثام ، يعني آكل الرِّبا .

277 - (إِنَّ الّذينَ آمَنُواْ ) بالقرآن واتّبعوا محمّداً (وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ) الّتي أمرهم الله بها (وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ ) الواجبة (وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ ) المفروضة (لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ) في الجنان الأثيريّة (وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) من الشياطين (وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) على فراق الدُنيا .

278 - كان بعض المسلمين يشتغلون في الرِّبا في زمن الجاهلية أي قبل إسلامهم وكانت لهم بقايا على أصحابهم فلمّا أسلموا وصار وقت أخذ الطلب طالبوا قومهم بذلك ، فنزلت هذه الآية (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ ) أي اُتركوا (مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا ) على الناس (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) حقّاً .

279 - ثمّ أخذَ سُبحانهُ يتهدّدهم ويتوعّدهم فقال تعالى (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ ) أي فإن لم تقبلوا أمر الله ولم تتركوا بقيّة الرِّبا (فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ ) أي فاسمعوا أنّ الله تعالى يأذن لرسوله بحربكم ومُقاتلتكم إن لم تفعلوا ما اُمِرتم بهِ (وَإِن تُبْتُمْ ) من استحلال الرِّبا وأقررتم بتحريمه (فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ ) دون الزيادة (لاَ تَظْلِمُونَ ) الناس بأخذ الزيادة على رأس المال (وَلاَ تُظْلَمُونَ ) بالنقصان من رأس المال .

280 - (وَإِن كَانَ ) المديون [أي الْمَدين ] (ذُو عُسْرَةٍ ) لا يتمكّن من دفع ما عليه من الدَّين (فَنَظِرَةٌ ) النظِرة تصغير الانتظار ، والمعنى : فانتظروهُ (إِلَى مَيْسَرَةٍ ) الميسرة تصغير يسار ، ومن ذلك قول حاتم الطائي :

                                ألا اُعانُ علَى جُودي بِمَيْسَرَةٍ      فلا يَرُدُّ ندَى كفَّيَّ إقتارِي

والمعنى : فانتظروهُ حتّى تتيسّر له الدراهم فيعطيكم (وَأَن تَصَدَّقُواْ ) أصلها وأن تتصدّقوا ، فحذفت إحدى التاءين لتسهيل الكلام ، والمعنى : وأن تتصدّقوا على المعسِر بما عليه من الدَين (خَيْرٌ لَّكُمْ ) من مُطالبتهِ (إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) ما لكم عند الله من الأجر والثواب . ثمّ حذّر سُبحانهُ من عذاب يوم القيامة فقال :

281 - (وَاتَّقُواْ يَوْمًا ) أي واحذروا يوماً ، هو يوم يموت فيهِ الإنسان وينتقل إلى عالم الأثير (تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ) حُكم (اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ ) يعني توفّى جزاء ما كسبت من الأعمال (وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ) أي لا يُنقَصون ما يستحقّونه من الثواب ، ولا يُزاد عليهم من العذاب . وإنّما قال تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ) ولم يقل كلّ إنسان أو كل رجل ، لأنّ البعث روحاني لا جسماني ، والجنّة في السماء فلا يمكن للأجسام أن تصعد إلى السماء ولكنّ النفوس يمكنها ذلك لأنّها خفيفة وشفّافة كالهواء ، والنفس هي الإنسان الحقيقي وما الجسم إلاّ قالب لتكوين النفس فإذا تمّ إنشاؤها داخل الجسم فلا حاجة بهِ بعد ذلك .

282 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ) يعني إلى وقت مُعيّن (فَاكْتُبُوهُ) في صكّ ، وهو ما يُعرَف حاليّاً بالكمبيالة (ﻛﻤﭙيالة) ، لئلاّ يقع فيه نسيان أو جحود (وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ) لا يزيد فيه ولا ينقص منه (وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ ) أي ولا يمتنعْ كاتبٌ من (أَنْ يَكْتُبَ ) الصكّ على الوجه المأمور به (كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ ) الكتابة وجعله كاتباً فليؤدِّ حقّها ولا يَمِلْ في كتابتهِ إلى صديق أو قريب (فَلْيَكْتُبْ) الصكّ بالعدل بين الدائن والمديون (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ ) يعني الْمَدِين يعترف بالدَّين للكاتب ليكتب ما عليه من الدَّين (وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ ) في كتمان الدَّين عن الكاتب (وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ) أي ولا ينقص من الدَّين شيئاً فيكتمهُ ولا يعترف به (فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ ) أي الْمَدِين (سَفِيهًا) أي ناقص العقل (أَوْ ضَعِيفًا ) أي طفلاً دون البلوغ (أَوْ) أخرس (لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ ) بنفسهِ (فَلْيُمْلِلْ) للكاتب (وَلِيُّهُ) أي وليّ الْمَدِين كأبيهِ أو جدّهِ أو أخيهِ إن لم يكن له أب يوجد في قيد الحياة (بِالْعَدْلِ) يعني بأن يعترف وليّ المدين بالحقيقة فلا يميل باعترافهِ إلى الْمَدِين ولا إلى الدائن (وَاسْتَشْهِدُواْ) على الدَّين وفي الصكّ المكتوب (شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ ) المسلمين (فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ ) حاضِرَينِ للشهادة (فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ) أي فليشهد رجل واحد وامرأتان (مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء ) يعني مِمّن يرضى بهم الدائن ويُزكّيهم الحاكم (أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا ) يعني إنّما جعل من النساء امرأتين لئلاّ تضلّ إحداهما عن الحقّ فتكتم الشهادة لسببٍ من الأسباب ، فإن ضلّت إحداهما (فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الاُخرى) يعني الّتي تعترف بالشهادة تُذكّر الاُخرى الّتي لم تعترف بها وتعِظها وتذكّرها بعقاب الله وعذابه إن كتمت الشهادة وأنكرت حقّ الدائن (وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ ) يعني ولا يمتنع الشهداء (إِذَا مَا دُعُواْ ) للشهادة عند الحاكم إذا أنكر الْمَدِين حقّ الدائن (وَلاَ تَسْأَمُوْاْ ) أي ولا تضجروا ولا تملّوا أيها الكَتَبَة ، ومن ذلك قول الخنساء تخاطب عينها :

                            لا تَسأمِي أنْ تَجُودِي غيرَ خاذِلَةٍ      فيضاً كفيضِ غُرُوبِ ذاتِ أوشالِ

وقال عنترة :
                                ويَشْكُو السَّيْفُ منْ كفِّي مَلالاً      ويسأمُ عاتِقِي حَمْلَ النِّجادِ

وقال زُهير :
                             سَئِمْتُ تَكالِيفَ الحياةِ ومَنْ يَعِشْ      ثمانينَ حَولاً لا أبا لكَ يَسْأمِ

(أَن تَكْتُبُوْهُ ) أي الصكّ (صَغِيرًا) كان (أَو كَبِيرًا ) يعني قلّت السطور أو كثُرت فلا تملّوا من كتابة الصكّ على الوجه الصحيح لكي يكون واضحاً في كتابتهِ مفهوماً في عِباراتهِ لا تلتبس على القاضي معانيهِ (إِلَى أَجَلِهِ ) يعني لكي يبقى الصكّ محفوظاً عند الدائن إلى وقت إيفاء الدّين (ذَلِكُمْ) الكتاب على الدَّين والشهادة فيهِ (أَقْسَطُ) أي أعدل (عِندَ اللّهِ ) من التداين بغير كتاب ولا شهود ، لأنّ الإهمال في ذلك وترك الكتاب والشهود يوقعكم في مشاكل ويقودكم إلى المحاكم فتخسروا (وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ ) أي أصوب للشهادة وأبعد من الزيادة والنقصان والسهو والغلط والنسيان (وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ ) أي وأقرب لإزالة الشكّ في المبلغ والأجَل بعد ذلك (إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً ) أي مُبايَعةً (حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ ) أي تستلمونها يداً بيد فيستلم البائع النقود ويأخذ المشتري التجارة (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا ) يعني فلا حرج عليكم في ترك الكتابة إذا أحضرتم الشهود على المبايعة ، وذلك قوله تعالى (وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ ) يعني وأشهدوا الشهود على المبايعة ، وذلك قوله تعالى (وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ ) يعني وأشهدوا الشهود على بيعكم إذا تبايعتم ، وإذا لم يوجد أحد على المبايَعة ليشهد فيجب المكاتَبة (وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ ) أي لا يضرّ الكاتب بالدائن بأن يكتب غلطاً أو يُقلّل من الدَّين في الكتابة أو ينكر كتابتهُ إذا سأله الحاكم عنها يوم المحاكمة أو يترك لصق الطابع في الصكّ فلا يضعه أو غير ذلك مِمّا يضرّ بالدائن ، وكذلك الشاهد لا يمتنع عن أداء الشهادة إذا دُعيَ إليها ولا يُراوغ في شهادته ليضرّ بالدائن ، بل عليه أن يشهد بالحقيقة وينطق بالصواب (وَإِن تَفْعَلُواْ ) ما نُهيتم عنهُ من الإضرار أيّها الكَتَبَة والشهود (فَإِنَّهُ) أي الإضرار بالدائن ، خِصلة (فُسُوقٌ بِكُمْ ) يعني هذهِ خِصلة من خِصال الفَسَقَة تشكّلت بكم (وَاتَّقُواْ اللّهَ ) في مخالفة أوامره (وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ ) ما تحتاجون إليهِ من أمور دينكم (وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم