كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة البقرة من الآية( 29) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

29 - (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ) من جبال وأنهار ونبات وأنعام وغير ذلك (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ ) أي ثمّ قام إلى بناء السماء وفَصَلَ غازاتها بعضها عن بعض ، يعني سماء الأرض وكانت من دخان (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ) وذلك بأن فصل ذلك الدخان المتكوّن من سبع غازات مختلفة فصار الخفيف منها يرتفع والثقيل ينخفض حتّى صارت سبع طبقات غازيّة (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) فيعمل بحكمةٍ ويخلق بإتقان . ونظير هذه الآية في سورة فصِّلت قوله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ } . وقد سبق تفسير هذه الآية في كتابنا  الكون والقرآن في تعريف السماوات الغازية .

30 - (وَإِذْ) تقديره واذكر لهم قِصّة آدم إذْ (قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) أي يخلف مَن مضَى قبله من الاُمَم ، وقد سبق تعليل ذلك في كتابي الكون والقرآن تحت عنوان الحياة انتقالية فراجعه إن شئت زيادة إيضاح. والشاهد على ذلك قول الشاعر :

                      أَبُــوكَ خَلِيفَــةٌ وَلَدَتْــهُ اُخرى      وَأَنْـــتَ خَلِيفَـــةٌ ، ذَاكَ الكَمَــالُ

فإنّ الخليفة يخلف من مات أو غاب فيقوم الخليفة مقامه ،والشاهد على ذلك قول الله تعالى في سورة يونس {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } ، وقال تعالى في سورة الأعراف {وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ } ، فالخليفة إذاً يخلف من كان قبله . وقد أخطأ المفسّرون بل أثِموا إذ قالوا آدم خليفة الله ، فإنّ الله تعالى حيٌّ لم يمت ولن يموت ليجعل له خليفة ، فإنّ آدم خليفة من كان قبله من البشر في تلك المنطقة الّتي خلقَه الله فيها . (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ) كما فسدت الاُمَم الماضية ، (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ) ألا تكتفي بنا عبيداً ؟ (قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) أي أنا أعلَمُ أنّ أولاد آدم يفسِدون في الأرض ويسفكون الدماء ولكن لي منهم نُخبَة وفيهم الكفاية فهؤلاء يعبدونني ولا يشركون بي شيئاً ، ويريد بهم الأنبياء والهُداة .

31 - (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ) أي أسماء الهُداة كلّها (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ ) أي عرض كنيتهم على الملائكة ، فقال تعالى : أتعرفون خليلي منهم؟ قالوا: لا ، قال : أتعرفون كليمي منهم؟ قالوا : لا نعرف ، قال : أتعرفون روحي منهم؟ قالوا : لا ، فقال : أتعرفون حبيبي منهم؟ قالوا: لا نعرف ، وهكذا أخذَ سبحانهُ يعرض عليهم كنية الهُداة مِمّن ذكرنا ومِمّن لم نذكر (فَقَالَ) الله تعالى للملائكة (أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء ) الدعاة إلى الله (إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) بأنّكم تعلمون أنّ أولاد آدم يفسدون في الأرض .

32 - ( قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا ) أي تنزيهاً لك عن الخطأ فإنّك لا تخلق الخلق إلاّ لمصلحة فإنّنا لا عِلمَ لنا بالغيب إلاّ ما أنبأتنا عنه (إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ ) بِما غاب عنّا (الْحَكِيمُ) في مخلوقاتك لا تخلقُ شيئاً عبثاً .

33 - (قَالَ) الله تعالى (يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ ) أي علّمْهم بأسماء هؤلاء الهُداة الّذينَ يكونون من نسلك ، فقال آدم للملائكة : إسم خليله إبراهيم ، واسم كليمه موسى ، واسم روحه عيسى ، واسم حبيبه محمّد ، وهكذا أعلمهم آدم أسماء الدُعاة إلى الله (فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ ) الله تعالى للملائكة (أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) أي أعلم ما غاب عنكم في السماوات وفي الأرض (وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ ) أي ما تظهرون (وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ) أي وما تخفون في ضمائركم .

34 - (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) إنّ إبليس إسمه عزازيل ، وإنّما سُمّيَ إبليس لأنّهُ أبلسَ من رحمةِ الله ، أي أفلس منها ، وهو أبو الجنّ وكان في حياته المادّية من الصالحين المتّقين ولَمّا مات وانتقل إلى العالم الأثيري أدخله الله في الجنان مع الملائكة وصار من المقرّبين وبقيَ آلاف السنين في السماوات الأثيريّة ثمّ صار رئيس الملائكة ، ولَمّا رأى نفسه بتلك المنزلة أخذتهُ الكبرياء وصار يُحبُّ التعظيم والإجلال ، فكرِهَ الله منه تلك الخِصلة وأراد أن يذلّهُ لأنّ التعظيم والإجلال خاصّ لله ولا يجوز لأحد أن يعظِّم أحداً من المخلوقين ، فحينئذٍ خلقَ الله آدم من طين مُنتنّ وأمرَ الملائكة أن يسجدوا لآدم وكذلك أمرَ عزازيل ، فسجدت الملائكة كلّهم وأطاعوا أمر ربّهم إلاّ عزازيل تكبّر وقال أنا خيرٌ منهُ خلقتني من نارٍ وخلقتَ آدم من طين . فطرده الله من الجنان الأثيريّة فنزل إلى الأرض وصار عدوّاً لآدم وزوجته وأولادهما .

35 - (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ) . البستان تسمّى عند العرب جنّة ، والشاهد على ذلك قول شاعرهم :

                      كانتْ لَهمْ جنّةٌ إذْ ذاكَ ظاهِرةٌ      فيها الفَرادِيسُ والفُومانُ وَالبَصَلُ

فإنّ الله تعالى خلقَ آدم وحوّاء على جبل من الجبال الّتي فوق الأرض ، وكان الجبل كثير الأشجار والأثمار وفيه ينابيع وشلاّلات للمياه ويكتنفهُ أصناف الطيور والأنعام ، ولذلك قال الله تعالى (وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا ) أي كُلا من ثمار الجنّة وطيورها وأنعامها واشربا من ألبانِ أنعامها من أيِّ مكانٍ شئتما ، وكلمة "رَغَداً" تعني رزقاً واسعاً لا عناءَ فيهِ ، ومن ذلك قول امرئ القيس :

                            بَيْنَمَا المَرْءُ تَراهُ نَاعِمــاً      يَأْمَنُ الأَحْدَاثَ في عَيْشٍ رَغَدْ

(وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ ) وإنّما منعهما عن الاقتراب لتلك الشجرة دون غيرها لأنّ فيها شوكاً يُمزّقُ ثيابَهما ويخدش أيديهما إذا تناولا من ثمرتِها وهي شجرة العلّيق "علگة" (فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ ) لأنفسكما بتناولكما من ثَمرتِها . وكان ذلك الجبل قطعة من كوكب كان مسكوناً في قديم الزمان وكان فيه من البشر والحيوان والنبات وغير ذلك من الأحياء ، فلمّا قامت قيامته تمزّق فصارت قطعاً كثيرة سقط بعضها على أرضنا فصارت جبالاً ، ولَمّا هطلت عليها الأمطار وكان في تلك الجبال بذور الأشجار والنباتات أخذتْ تنبت وتنمو فصارت بساتين فوق تلك الجبال ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الرعد {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ } ، والمعنى : {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ } ليست من الأرض بل سقطت عليها من الفضاء فصارت جبالاً {مُّتَجَاوِرَاتٌ} أي جاور بعضها بعضاً على الأرض {وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ } أي بساتين من أعناب ، يعني من فواكه . ولَمّا نمت النباتات والأشجار على تلك الجبال خلقَ الله تعالى عليها طيوراً وأنعاماً ثمّ خلقَ آدم وحوّاء فوق جبل من تلك الجبال .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم