كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
34 - (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) إنّ إبليس إسمه عزازيل ، وإنّما سُمّيَ إبليس لأنّهُ أبلسَ من رحمةِ الله ، أي أفلس منها ، وهو أبو الجنّ وكان في حياته المادّية من الصالحين المتّقين ولَمّا مات وانتقل إلى العالم الأثيري أدخله الله في الجنان مع الملائكة وصار من المقرّبين وبقيَ آلاف السنين في السماوات الأثيريّة ثمّ صار رئيس الملائكة ، ولَمّا رأى نفسه بتلك المنزلة أخذتهُ الكبرياء وصار يُحبُّ التعظيم والإجلال ، فكرِهَ الله منه تلك الخِصلة وأراد أن يذلّهُ لأنّ التعظيم والإجلال خاصّ لله ولا يجوز لأحد أن يعظِّم أحداً من المخلوقين ، فحينئذٍ خلقَ الله آدم من طين مُنتنّ وأمرَ الملائكة أن يسجدوا لآدم وكذلك أمرَ عزازيل ، فسجدت الملائكة كلّهم وأطاعوا أمر ربّهم إلاّ عزازيل تكبّر وقال أنا خيرٌ منهُ خلقتني من نارٍ وخلقتَ آدم من طين . فطرده الله من الجنان الأثيريّة فنزل إلى الأرض وصار عدوّاً لآدم وزوجته وأولادهما .
35 - (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ) . البستان تسمّى عند العرب جنّة ، والشاهد على ذلك قول شاعرهم :
كانتْ لَهمْ جنّةٌ إذْ ذاكَ ظاهِرةٌ فيها الفَرادِيسُ والفُومانُ وَالبَصَلُ
فإنّ الله تعالى خلقَ آدم وحوّاء على جبل من الجبال الّتي فوق الأرض ، وكان الجبل كثير الأشجار والأثمار وفيه ينابيع وشلاّلات للمياه ويكتنفهُ أصناف الطيور والأنعام ، ولذلك قال الله تعالى (وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا ) أي كُلا من ثمار الجنّة وطيورها وأنعامها واشربا من ألبانِ أنعامها من أيِّ مكانٍ شئتما ، وكلمة "رَغَداً" تعني رزقاً واسعاً لا عناءَ فيهِ ، ومن ذلك قول امرئ القيس :
بَيْنَمَا المَرْءُ تَراهُ نَاعِمــاً يَأْمَنُ الأَحْدَاثَ في عَيْشٍ رَغَدْ
(وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ ) وإنّما منعهما عن الاقتراب لتلك الشجرة دون غيرها لأنّ فيها شوكاً يُمزّقُ ثيابَهما ويخدش أيديهما إذا تناولا من ثمرتِها وهي شجرة العلّيق "علگة" (فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ ) لأنفسكما بتناولكما من ثَمرتِها .
وكان ذلك الجبل قطعة من كوكب كان مسكوناً في قديم الزمان وكان فيه من البشر والحيوان والنبات وغير ذلك من الأحياء ، فلمّا قامت قيامته تمزّق فصارت قطعاً كثيرة سقط بعضها على أرضنا فصارت جبالاً ، ولَمّا هطلت عليها الأمطار وكان في تلك الجبال بذور الأشجار والنباتات أخذتْ تنبت وتنمو فصارت بساتين فوق تلك الجبال ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الرعد {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ } ، والمعنى : {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ } ليست من الأرض بل سقطت عليها من الفضاء فصارت جبالاً {مُّتَجَاوِرَاتٌ} أي جاور بعضها بعضاً على الأرض {وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ } أي بساتين من أعناب ، يعني من فواكه . ولَمّا نمت النباتات والأشجار على تلك الجبال خلقَ الله تعالى عليها طيوراً وأنعاماً ثمّ خلقَ آدم وحوّاء فوق جبل من تلك الجبال .
36 - (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا ) أي فأذهبهما عن تلك الجنة وأبعدهما بوسوستهِ وإغوائهِ (فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ) من النِّعَم لأنّهما أكلا من ثمرة تلك الشجرة وهو توت العلّيق ، يكون لونه أخضر في بادئ الأمر وطعمه مُرّاً ، ثمّ يكون لونه أحمر ويكون طعمه حامضاً ، وعند نضجهِ يكون لونهُ أسود وطعمه "حامض وحلو" لذيذ يشبه توت الشام إلاّ أنّهُ مُستدير الشكل . توضع هذه الشجرة في البساتين كحاجز ومانع لدخول السارق إلى البستان بدل السياج لأنّ فيها شوكاً معكوفاً إذا صادفَ ثيابك لا يمكنك التخلّص منه إلاّ بعد تمزيقها (وَقُلْنَا اهْبِطُواْ ) من الجبل إلى الأرض المستوية ، يعني آدم وحوّاء والأنعام والطيور الّتي كانت في تلك الجنّة كلّهم نزلوا إلى الأرض (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ) يعني جعلنا بينكم عداوة جزاءً لِعصيانكم أمر ربّكم ، فصار إبليس عدوّاً لآدم وأولاده ، وصار آدم عدوّاً لإبليس ، وصار أولاد آدم بعضهم يعادي بعضاً (وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ) أي راحة وسكون (وَمَتَاعٌ) من المأكل والملبس والأثاث وكلّ شيء يستمتع به الإنسان (إِلَى حِينٍ ) أي إلى يوم مماتكم .
القصّة: لَمّا أكل آدم من تلك الشجرة أخذت الينابيع تجفّ لأنّها شقّت طريقاً لها من أسفل الجبل وصارت تجري على الأرض ، ولَمّا ذهبت المياه من الجبل يبست الأشجار ونفدت الأثمار فلم يبقَ في تلك البستان ما يعيشون عليه فشكَوا إلى ربّهم فأوحَى إليهم أن اهبطوا إلى الأرض المنبسطة ، فقالا ربّنا نخاف أن لا نجد عليها ما نأكل ونشرب ، فأخذَ سبحانهُ يحثّهم على النزول فقال تجدون فيها ما تريدون ولكم في الأرض مُستقرٌّ ومتاعٌ إلى حين . وأراد سُبحانهُ أن يُفرّقهم في الأرض كي ينتشروا فيها ويتكاثروا .
37 - (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ) نزل بِها جبرائيل فلقّنهُ إيّاها فدعا بِها آدم وهي ما ترجمتها : "اللهمّ لا إلاه إلاّ أنتَ سُبحانك وبحمدكَ ربِّ إنّي ظلمتُ نفسي فاغفرْ لي إنّك أنتَ خير الغافرين ، اللهمّ لا إلاه إلاّ أنت سبحانك وبحمدك ربِّ إنّي ظلمتُ نفسي فتبْ عليّ إنّك أنت التوّاب الرحيم ، اللهمّ لا إلاه إلاّ أنت سُبحانك وبحمدك ربِّ إنّي ظلمتُ نفسي فارحمني إنّك أنتَ أرحمُ الراحمين ." (فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ ) لِمن عمل سيّئة بجهالةٍ ثمّ تاب (الرَّحِيمُ ) بعباده التائبين النادمين .
38 - (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً ) يعني من البستان الّتي فوق الجبل (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى ) يعني رُسُل وكتب سماويّة (فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) في عالم البرزخ (وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) على فوات الوقت كما يحزن الكافرون .
39 - (وَالّذينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .
40 - ثمّ أخذَ سُبحانهُ في خطاب بني إسرائيل فقال (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ) في الماضي ، أراد بذلك النِعم التي أنعم بِها على أسلافهم من كثرة الأنبياء فيهم والكتب ونجاتِهم من يد فرعون ومن الغرق وإنزال المنّ والسلوى عليهم وأن جعلَ فيهم ملوكاً وغير ذلك مِمّا أنعم عليهم (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي ) أي بما عاهدتموني عليه من الإيمان بي والطاعة لي والتصديق برُسُلي وأن لا تشركوا بي شيئاً وكان العهد على يد موسى نبيّكم وعلى يد يوشع وصيّهِ (أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ) أي بِما عاهدتكم عليه بأنّ أكثّرَ نسلكم وأزيد في رزقكم واُباركَ في زرعكم وأنعامكم (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) أي خافوني في نقض العهد .
وإليك بعض العهود التي عاهدوا الله عليها ، فقد جاء في سفر التثنية من مجموعة التوراة في الفصل (الإصحاح) الخامس قال :"وَدَعَا مُوسَى جَمِيعَ إِسْرَائِيل وَقَال لهُمْ : اَلرَّبُّ إِلهُنَا قَطَعَ مَعَنَا عَهْداً فِي حُورِيبَ . فَقَال: لا يَكُنْ لكَ آلِهَةٌ اُخرى أَمَامِي . لا تَصْنَعْ لكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ وَمَا فِي المَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ . لا تَسْجُدْ لهُنَّ وَلا تَعْبُدْهُنَّ لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلهٌ غَيُورٌ "
هذه بعض العهود التي أخذها عليهم ولكنّهم خانوا العهود ونقضوا المواثيق وعبدوا البعليم وعشتاروث بعد عبادتهم للعِجل .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |