كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
52 - (ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ ) أي من بعد عبادتكم للعجل (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) تلك النِّعم .
53 - (وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ) يعني التوراة التي كتبها على ألواح الحجر (وَالْفُرْقَانَ) يعني الأحكام الدينية التي جاءت مُتفرّقة وكتبها قوم موسى في الرقوق ، يعني في جلد الغزال (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) إلى أمور دينكم .
54 - (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ ) الّذينَ عبدوا العجل (يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ ) أي أضررتم أنفسكم وعرّضتموها للعقاب (بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ ) معبوداً (فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ ) يعني مُخلّصكم من يد فرعون، وذلك من قولهم برئ فلان من مرضه، أي تخلّص ونجا، ومن ذلك قول الخنساء:
أُسائِلُ كُلّ والهَة ٍ هَبولٍ بَرَاها الدَّهرُ كالعظمِ المهِيضِ
يعني خلّصها الدهر فلم يبقَ منها سوى العظم ، وقال عنترة :
كُلُّ يَومٍ يُبري السُقامَ مُحِبٌّ مِن حَبيبٍ وَما لِسُقمي طَبيبُ
وقال الأعشى يصف ناقتهُ :
بأَدْماءَ حُرْجُوجٍ بَرَيتُ سَنَامَها بِسَيْرِي عليها بعدما كان تامِكا
والانبراء هو الانطلاق ، ومن ذلك قول طَرَفة بن العبد يصف امرأةً مغنّية فيقول :
إذا نحنُ قلنا أَسْمِعِينا انْبَرَتْ لنا على رِسْلِها مطروفةً لم تَشَدَّدِ
فقول الشاعر " انْبَرَتْ لنا" أي انطلقت في الغناء .
وقوله (فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ) أي فليقتلْ بعضكم بعضاً ، يعني الّذينَ لم يعبدوا العجل يقتلون من عبدَهُ ، فقُتِلَ في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف رجل 10، (ذَلِكُمْ ) إشارة إلى التوبة والقتل لأنفسهم (خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ ) من أن تمتنعوا عن ذلك ، لأنّ في امتثالهم أمر ربّهم غفران لذنوبهم ، وفي امتناعهم عن ذلك عقاب لهم (فَتَابَ عَلَيْكُمْ ) أي ومن فضله عليكم أن قبِل توبتكم واكتفَى بقتلكم ولم يترك عقابكم إلى الآخرة فتهلكوا في جهنّم (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ ) عن التائبين (الرَّحِيمُ) بالنادمين .
55 - (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ ) أي لن نصدّقك بأنّ الله يُكلّمك ويوصيك بِهذه الوصايا (حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ) أي علانية (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ ) وهي نار تنزل من السماء (وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ) النار والحادث الذي أصابكم . وهم سبعون رجلاً صعدوا فوق الجبل مع موسى ، فقال موسى ربِّ أرِني أنظرْ إليك . قال الله تعالى لن تراني . فنزلت صاعقة من السماء عليهم فغُشِيَ على موسى ومات من كان معه فوق الجبل ، فلمّا أفاق موسى من غشيته وجد قومه موتَى فدعا لَهم وتضرّع إلى الله أن يُحييهم فأحياهم ورجعوا إلى قومِهم . [ وهذا قوله تعالى في الآية اللاحقة : ]
56 - (ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) يعني ثمّ بعثنا النفوس إلى أجسادها فقمتم أحياءً كما كنتم أوّلاً .
57 - (وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ ) أي السحاب ، كان يظلّهم عن الشمس وذلك في التيه (وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ) المنّ شيء كالسكّر أبيض اللّون حلو الطعم يَنْحَلُّ في الشمس ويكون لزجاً يسقط على الأشجار أو على الأرض في أماكن مخصوصة ، ويكون سقوطه من وقت الفجر إلى طلوع الشمس ، ويسقط أحياناً في محافظة السُليمانية من محافظات العراق ، وأصله إفرازات حشرة أكبر من الذبابة وأصغر من الزنبور تطير في الفضاء وفوق الأشجار وتفرز المنّ قبل طلوع الشمس ، وهي كالنحلة التي تفرز العسل . ولا يزال عندنا في العراق يأخذون المنّ من محافظة السُليمانيّة مع أوراق الأشجار الّتي لصق بها المنّ وهيَ كتل خضراء فيضعون فوقه قليلاً من السُّكّر ودقيق الحنطة أو من النشأ ويغلونه على النار حتّى يكون ذا قوام فيصبّونه في دقيق (طحين) ويعملونهُ أقراصاً ويُباع في علب من الخشب ويُسمّى "منّ السّما" . والسلوَى طير يعرف بالسمّاني كانت تعيش على شاطئ البحر فأرسل الله عليها ريحاً عاصفة فرفعتها وألقتها على بني إسرائيل بكثرة فأخذوا يصيدونَها ويأكلونَها (كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) أي وقلنا لهم كلوا من هذه الطيّبات التي جعلناها رزقاً لكم ، وهي المنّ والسلوى والأنعام التي كانت معهم عندما خرجوا بِها من مصر (وَمَا ظَلَمُونَا ) بكفرهم وعنادهم (وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) لأنّ شرّهم يعود عليهم .
58 - (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ ) أي قرية أريحا ، فإنّ الله تعالى أمر بني إسرائيل أن يحاربوا الكنعانيين ويأخذوا بلادهم فيسكنوها لأنّهم كانوا مشركين يعبدون الأصنام ، وقوله (فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ ) من حبوبِها وأثمارها وأنعامها وطيورها (رَغَداً ) أي موسّعاً عليكم (وَادْخُلُواْ الْبَابَ ) يعني باب القرية (سُجَّداً) أي منقادين لأمرنا طائعين غير عاصين ، لأنّهم امتنعوا عن دخولِها خيفة أهلها ، أي خوفاً من القتال ، وقد ذكرها سبحانهُ في سورة المائدة أيضاً فقال {ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ } ولكنّهم امتنعوا عن دخولها و{قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } ، (وَقُولُواْ حِطَّةٌ ) الحِطّة طلب الغفران من الله ، ومن ذلك باب حِطّة في بيت المقدس ، يعني باب الغفران ، والمعنى : استغفروا لذنوبكم وقولوا : "اللّهم حُطّ عنّا أوزارنا" (نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ) الّتي سبقت إن فعلتم ما اُمِرتم به (وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ) منكم زيادةً على ما يستحقّونه من الأجر والثواب .
59 - (فَبَدَّلَ الّذينَ ظَلَمُواْ ) قومهم وأنفسهم (قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ ) . لَمّا أمرهم الله تعالى أن يدخلوا أرض كنعان (الأردن) بعث موسى إثني عشر رجلاً من كلّ سبط واحداً ليتجسّسوا أرض كنعان ، وذلك حسب طلب بني إسرائيل وإصرارهم على ذلك ، فقالوا لَهم اذهبوا وتجسّسوا هل هي كثيرة الخيرات من المزارع والبساتين والفواكه والأنعام أم هي عكس ذلك ، ويجب عليكم أن تقولوا الحقّ في ذلك ولا تكذبوا ، فإن كانت كثيرة الخيرات كما أخبرنا موسى فإننّا نحارب الكنعانيّين وندخلها ، وإن كانت عكس ذلك فلا نحارب ولا ندخلها .
فلمّا ذهب الرجال وتجسّسوا خيراتِها وجدوها على أحسن ما يكون ولكن رأوا أهلها أقوياء أشدّاء طوالاً غِلاظاً فخافوا منهم . فلمّا رجعوا لم يتكلّموا عنها بما هو الصّواب بل أخذوا في ذمّها وذلك خيفة من أن يقاوموا أهلها بالحرب ، إلاّ رجلين منهم تكلّما بالصواب وأخذا في مدحها ومدح خيراتِها وأتيا بعنب وتين ورمّان من بساتينها .
فلمّا سمع قوم موسى أنّ هؤلاء العشرة يذمّونَها امتنعوا عن دخولِها ومحاربة أهلها ، فهذا معنى قوله تعالى (فَبَدَّلَ الّذينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ ) يعني كان جوابُهم على غير ما اُوصُوا به ، فإنّ قومهم أوصَوهم بأن يقولوا الحقّ ويتكلّموا الصدق ، ولكنّهم فعلوا عكس ذلك تكلّموا بالباطل وكذبوا على قومهم وعلى نبيّهم وظلموهم بذلك وكانوا سبب امتناعهم عن الدخول إلى تلك الأرض (فَأَنزَلْنَا عَلَى الّذينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء ) أي عذاباً من السماء ، فإنّ الله تعالى أنزل عليهم الطاعون فمات العشرة ، وأمّا الإثنان اللّذانِ تكلّما بالصدق فلم ينزل عليهما الطاعون بل أطال الله عُمُريهما ، وهما يوشع بن نون وكالب بن يفنّة فدخلا بعد ذلك أرض كنعان وأكلا من أثمارها ، وقوله (بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ) أي كان الطاعون جزاءً لهم في دار الدُنيا على أعمالِهم السيّئة وكذبهم على قومهم .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |