كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
66 - (فَجَعَلْنَاهَا) أي تلك الحادثة وهي طردهم من المدينة وغلق الأبواب عليهم ومبيتهم خارج المدينة (نَكَالاً ) أي تأديباً وعقوبة (لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا ) من القرى ، أي لِمن كان حولَها من القرى (وَمَا خَلْفَهَا ) أي وللقرى البعيدة عنها أيضاً لأنّهم سمعوا بقصّتهم فتأدّبوا وتركوا البيع والشراء في السبت (وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ ) فاتّعَظوا بتلك الحادثة وحمدوا الله على هدايته لَهم حيث أنّهم لم يعتدوا في السبت على بيع ولا شراء ولا صيد . والقصّة مذكورة في الإصحاح الثالث عشر من نحميا في مجموعة التوراة .
[قصة بقرة بني إسرائيل]
67 - (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَة ًقَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً ) أي أتجعلنا مكان هزء فتهزأ بِنا؟ (قَالَ) موسى (أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) الّذينَ يهزؤون .وكلمة "أعوذُ بالله" معناها ألجأ إلى الله وأستجير بهِ ، ومن ذلك قول جرير يهجو الفرزدق :
كأَنِ الفرزدقَ إِذْ يَعوذُ بِخالِهِ مِثلُ الذليلِ يَعوذُ تحتَ القَرْمَلِ
القصّة : قُتِل رجل من بني إسرائيل لأجل ماله ولم يُعرف قاتله ، فجاء أهله إلى موسى وأخبروه بذلك ، فسأل موسى ربّه أن يعلمه بالقاتل ، فقال الله تعالى إذبحوا بقرة واضربوا المقتول ببعض لحمها أو ببعض من أعضائها فإنّه يحيى المقتول ثمّ اسألوه عن قاتله فيخبركم . فرجع النبيّ موسى إلى قومه وأخبرهم بذلك . ولَمّا كان عندهم إحياء الموتى من العجب أخذوا يسألون عن البقرة وأيّ البقر يذبحون ، فقال بعضهم نذبحُ بقرةً مُسنّة وقال آخرون بل نذبح بِكراً ، ثمّ أجمعوا أن يسألوا موسى عن ذلك .
68 - (قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ ) البقرة التي اُمِرنا بذبحها (قَالَ) موسى (إِنَّهُ يَقُولُ ) أي الله تعالى يقول (إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ ) "الفارض" الكبيرة في العُمر ، والشاهد على ذلك قول خُفَاف بن نِدْبَة :
لَعَمري لَقَد أعطَيتَ ضَيفَكَ فارِضاً تُساقُ إلَيهِ ما تَقومُ عَلَى رِجلِ
و"البكر" الصغيرة التي لم تلِدْ ، والمعنى : لا مُسنّة ولا بِكر (عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ ) يعني مُتوسّطة في العُمر فهي بين الكبيرة والصغيرة ، و"العوان" التي ولدت مرّتين أو ثلاثاً ، ومن ذلك قول الخنساء:
عَوانٌ ضَروسٌ ما يُنادَى وَليدُها تَلَقَّحُ بِالْمُرّانِ حَتّى استَمَرَّتِ
وقال النابغة :
ومَنْ يَتَربّصِ الحَدَثانَ تنزلْ بمولاهُ عوانٌ غيرُ بِكرِ
(فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ ) به من ذبح البقرة .
69 - ثمّ أخذوا يسألون عن لونِها (قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ ) موسى (إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا ) أي شديدة الصُفرة ، يقال في صفات الألوان : أصفر فاقع ، وأبيض ناصع ، وأخضر ناضر ، وأحمر قانٍ ، وأسود حالك (تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ) تعني تُعجِبُ الناظرين إليها وتُفرحهم بحُسنها . ثمّ أخذوا يسألون عن الأعمال الّتي تقوم بها تلك البقرة :
70 - (قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ ) البقرة التي اُمِرنا بذبحها : أهي من العوامل أم من السوائم (إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا ) أي اشتبه علينا فلا ندري أيّها نذبح (وَإِنَّآ إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ) إلى صفة البقرة بتعريف الله إيّانا .
71 - (قَالَ) موسى (إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ ) أي غير مُذلّلة ولا مُدرّبة للعمل في الماضي ، يُقال ناقة ذلول ودابّة ذلول ، أي مُدرّبة مُذلّلة للركوب أو للعمل ، ومن ذلك قول جرير :
وَتَشكُو الماشِياتُ إليكَ جَهداً ولا صَعْبٌ لَهُنَّ ولا ذَلولُ
أي النساء الماشيات على أقدامهنّ فلا دوابّ لهنّ صِعاب ولا مُذلّلات للركوب ، وقال عنترة:
ذللٌ ركابي حيثُ شِئتُ مشايعي لُبّي وأجْفُزُهُ بِرأيٍ مُبرَمِ
وقال الأعشى :
وَكُنْ لَهَا جَمَلاً ذَلُولاً ظَهْرُهُ إحملْ وكُنتَ مُعاوِداً تَحمَالَها
ثمّ بيّنَ سُبحانهُ بأنّ صاحب البقرة استعملها حديثاً للكراب أي لحرث الأرض فقال (تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ ) أي تستعمل لإثارة الأرض يعني للكراب ولا تسقي الزرع (مُسَلَّمَةٌ) أي سليمة من الأمراض ونقص الأعضاء (لاَّ شِيَةَ فِيهَا ) أي لا كلف في جلدها يخالف لونَها بل كلّها صفراء (قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ) أي الآن جئت بأوصافها تماماً ، يعني عرفناها وهي بقرة فلان (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ ) أي قاربَ أن لا يذبحوها وذلك لغلاء ثمنها ولفضيحة القاتل
72 - (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ) أي تدافعتم في قتلها ، يعني كلٌّ منكم يدفع جريمة القتل عن نفسهِ ، فالدرءُ معناهُ الدفع كقوله تعالى في سورة النور {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ } ، (وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ) من أمر القتل .
73 - (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ ) أي المقتول (بِبَعْضِهَا) أي ببعض أعضاء البقرة المذبوحة فيحيا المقتول واسألوه عن قاتله ، فلمّا فعلوا جلس المقتول وأخبرهم بالقاتل ثمّ مات (كَذَلِكَ) أي كما أحيا هذا المقتول (يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى ) إن شاءَ فلا يصعب عليه شيء (وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ ) يعني المعجزات الباهرة الدالّة على قدرة الله ووحدانيته (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) أي لكي تستعملوا عقولكم ولا تكونوا مُقلّدين ، فمَنْ لم يستعمل عقلهُ ولم يُبصر رُشدهُ فهو كمن لا عقل لهُ .
ولَمّا رأى بنو إسرائيل هذا الحادث سألوا موسى قائلين : إذا قُتِل بعدك أحدٌ منّا في مكان ولم نعرف قاتلهُ فماذا نصنع؟ فسأل موسى ربّه عن ذلك ، فقال : إذا قُتِل إنسان ولم يُعرَف قاتله ، إجمعوا رؤساء تلك المحلّة التي وُجِدَ فيها القتيل واذبحوا عِجلةً من البقر وائتُوا بالرؤساء فيغسلوا أيديهم على تلك البقرة ويُقسِموا بالله أنّهم بريئُون من دم القتيل ولا يعلمون من قتَلهُ ، فإذا أبَى أحدٌ منهم أن يُقْسمَ فإنّهُ عالم بالقاتل .
وقصّة القتيل والبقرة المذكورة في القرآن كانت مسطورة في التوراة ، ولكن لَمّا هجم نبوخذ نصّر على فلسطين ومزّق التوراة ذهبت قصّة القتيل والبقرة ، وبقي فيها حكم المقتول المجهول قاتله مسطوراً ، وذلك في الإصحاح الحادي والعشرين من سِفر التثنية .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |