كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة البقرة من الآية( 77) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

77 - (أَوَلاَ يَعْلَمُونَ ) هؤلاء اليهود (أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ) فيخبر بأسرارهم محمّداً

78 - (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ ) لا يقرؤون ولا يكتبون (إِلاَّ أَمَانِيَّ ) يعني إلاّ ما سمعوه من علمائهم وخطبائهم من التوراة التي خلطوها بالأماني والأكاذيب ، وهي توراة عزرا ، كقولِهم : "إنّنا شعب الله المختار وكلّ الاُمَم عبيدٌ لنا" ، وقولهم : "لا يدخل الجنة إلاّ من كان يهودياً " ، وقولهم : "نحن أبناء الله وأحبّاؤه" ، وقولهم : "سوف يكون الملك لنا والسلطة بأيدينا" ، وقولهم : " لا نعذّب في النار ألاّ سبعة أيّام" ، فكذّبهم الله تعالى وكذّب أمانيّهم فقال (وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ ) يعني تلك الأماني لم يذكرها الله تعالى لِموسى ولم يكتبها في توراته ، بل كتبها عِزرا في توراتهِ افتراءً على الله سائراً على الظنّ وليس عن حقيقة . ثمّ توعّدهُ الله بالعذاب فقال تعالى :

79 - (فَوَيْلٌ) أي من شدّة العذاب (لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثمّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ ) . هجم نبوخذنصّر على فلسطين وقتل اليهود ومزّق التوراة وخرّب ديارهم وأخذ الباقين أسرى إلى أرض بابل في العراق وبقوا فيها سبعين سنة ، ولَمّا رجعوا إلى فلسطين أخذ علماء اليهود في جمع الرقوق المتمزّقة من التوراة ، والذي كان يحفظ شيئاً منها كتبها وكتبَ ما يحفظه غيره أيضاً حتّى جمع كلّ واحدٍ منهم كتاباً وقدّموه إلى قومهم ورؤسائهم وقالوا هذه التوراة التي أنزلها الله على موسى ، وهم أربعة من أحبارهم ، وكان اليهود يرفضون تلك الكتب من هؤلاء الأحبار لِما يرَون فيها من الزيادة والنقصان ، فجاء الكاهن عزرا بن سرايا "العُزير" وكان من علمائهم فعمل معهم حيلة نجحت بيده ، فكتب كتاباً ونقّحهُ وترك كلّ كلمة (الله) فارغة في الكتاب ، ولَمّا أكمل الكتاب أخذ يكتب ذلك الفراغ بكتابةٍ مخفيّة لا تُرى بالعين ولا يظهر لونها إلاّ يعد عرضها لأشعّة الشمس ، وكانوا في ذلك الوقت لا يعرفون تلك الكتابة المخفية ، ولكن عزرا تعلّمها في بابل وكان كاتباً ماهراً ، وكان ملك بابل قد أعطاه سلطة على اليهود وقرّبه في بابل ، والكتابة المخفيّة هي محلول نترات الفضة فإذا كتبتَ به على ورقة فلا تظهر كتابتها إلاّ بعد عرضها لأشعة الشمس .

ولَمّا أكمل الكتاب جاء به إلى رؤساء اليهود وقال هذه التوراة التي أنزلها الله على النبيّ موسى لم تزد كلمة ولم تنقص كلمة . قالوا وما البرهان على ذلك؟ قال إنّي تركت كلّ كلمة (الله) فارغة في الكتاب وبعد أربعين يوماً تجدونها مكتوبة وإنّ الله تعالى سيكتبها بقلم القُدرة ليكون ذلك برهاناً على صدقي .
قالوا : يجوز أنّك تكتبها وتقول إنّ الله كتبها ، فإنّنا لا نقبل منك حتّى تبقى هذه التوراة عندنا أربعين يوماً وأنت لا تقرب منها فإذا وجدناها بعد هذه المدّة مكتوبة كما قلتَ فأنت صادق ، وإن وجدناها غير مكتوبة فلا نقبلها منك . فرضيَ عِزرا بِهذا الشرط وقال يجب أن تضعوها مكشوفة أمام السماء ، فقالوا لك ذلك .

فأخذوا ذلك الكتاب منه ووضعوه في محلّ مرتفع وأقاموا عليه حرَساً أربعين يوماً لئلاّ يمسّه أحد فيكتب فيه ما أراد ، ولَمّا كملت المدّة إجتمعوا وفتحوا الكتاب فوجدوهُ مكتوباً كما أخبرهم عزرا لأنّه كان من جلد الغزال فأثّرت فيه أشعّة الشمس فاسودّت الكتابة التي كتبها بمحلول نترات الفضّة ، فحينئذٍ صدّقوهُ وقبلوا الكتاب منه وصاروا يحترمونه وأصبح رئيساً على علمائهم وأحبارهم ، فحينئذٍ قالوا عُزير إبن الله . ولا يزال اليهود يعتقدون بأنّ الله كتب لعزرا ذلك الفراغ في توراتهِ ، وقد خفيَ عليهم مَكرهُ . فهذا معنى قوله تعالى (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثمّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ) أي ليحصلوا على ذلك ثمناً قليلاً ، هي الرئاسة ، وإنّما قال الله تعالى (ثَمَناً قَلِيلاً ) ، لأنّ المال يزول وهو قليل بالنسبة للآخرة مهما كثر ، (فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ ) أي عذابٌ لهم بسبب الذي كتبته أيديهم من تغيير وتبديل (وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ ) من الأموال بغير استحقاق .

وإنّما توعّده الله بالعذاب لأنّه قال هذا الكتاب من عند الله وقد فاته أشياء لم يكتبها ، ومِمّا فاته كتابة صفة محمّد (ع) لم يكتبها ، وزاد كثيراً في التوراة من تلقاء نفسه ، وبدّل بعض الأحكام وغيّر بعض الواجبات ، فكان ذلك سبباً لكفر اليهود وجحودهم نبوّة محمّد ونبوّة عيسى بن مريم . وإليك بعض ما ضاع من أسفار من مجموعة التوراة باعتراف التوراة نفسها :

                                                                 أسفار ضاعت من التوراة

لقد جاء في العهد القديم طباعة اليسوعيين المطبوع في بيروت سنة 1932 ميلادية وذلك في سِفر الملوك الأول في الفصل العاشر ما يلي : "فكلّم صموئيل الشعب بسُنن الملك وكتبها في سِفر ووضعه أمام الرب وصرف صموئيل جميع الشعب كلّ امرئٍ إلى منزله" فجاء بهامش المترجم للكلمات في آخر الكتاب في صحيفة 888 ما نصّه "35 ضاع هذا السِفر في ممرِّ الأيّام كما ضاعتْ أسفارٌ كثيرةٌ غيرُه"

وجاء في سِفر الملوك الثاني في الفصل الأول ما يلي : " ورثى داود شاؤول ويوناثان ابنه بهذه المرثيّة ، وأمر بأن يعلّم بنو يهوذا نشيد القوسِ وهو مكتوبٌ في سِفر المستقيم" وجاء بِهامش المترجم للكلمات في صحيفة 889 " هذا الكتاب من جملة الكتب التي فُقِدَت على ممرّ الأيام" . وقد جاء ذكره في سِفر يشوع أيضاً في الفصل العاشر قال "فوقفت الشمس وثبت القمر إلى أن انتقم الشعب من أعدائهم ، وذلك مكتوب في سِفر المستقيم ."

وجاء في سِفر الملوك الثالث في الفصل الحادي عشر ما يلي : "وأما بقيّة أخبار سُليمان وجميع ما عمل ووصف حكمته فهي مكتوبة في سِفر أخبار سُليمان" وجاء بِهامش المترجم للكلمات في صحيفة 890 "قد ضاع هذا السفر منذ زمان مديد ."

80 - (وَقَالُواْ ) علماء اليهود (لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً ) يعني لا يكون عذابنا في جهنّم إلاّ أياماً قلائل ، وهي سبعة أيام ، على عدد الأيام التي عبدوا فيها العجل ، لأنّ موسى وعدهم ثلاثين يوماً ، ولَمّا لم يعد انتظروه ثلاثة أيام اُخرى ثمّ صنعوا العجل وعبدوه سبعة أيام ورجع موسى عند انتهاء الأربعين ، وقالوا أيضاً أنّ عمر الدُنيا سبعة آلاف سنة وقد جعل الله لكلّ ألفٍ منها يوماً من تلك الأيام السبعة للتعذيب (قُلْ) يا محمّد لهؤلاء اليهود (أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا ) بأن لا يعذّبكم إلاّ سبعة أيام ، فإن كان ما تزعمون (فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ ) يعني إنّ الله تعالى إذا عاهد أحداً لا يخلف ما وعد بهِ ولكنّه لم يعاهدكم بذلك بل دعوى تدّعونَها وأمانيّ تُبدونَها (أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) من الحقائق من شيء بل هي ظنون وأماني .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم