كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة البقرة من الآية( 8) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

8 - (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ ) هو يوم القيامة ، لأنّ الأرض تتمزّق في ذلك اليوم فلا يبقَى يومٌ أو ليلٌ في الأرض ، (وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ) حقيقةً بل هم كاذبون منافقون .

9 - (يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالّذينَ آمَنُوا ) بقولهم آمَنّا (وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ ) بأنّهم يخدعون أنفسهم لأنّهم لم يُفكّروا في عواقب الاُمور ولم يعلموا أنّ خداعهم سيكون وبالاً عليهم .

10 - (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ) أي نفاق ، وهو مرض نفسي ، ومن ذلك قول الشاعر :

                                  أُجَامِلُ أَقْوَاماً حَيَاءً وَقَدْ أَرَى      صُدُوْرَهُمُ بَادٍ عَلَى مِرَاضُهَا

(فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ ) أي مؤلم (بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) أي بسبب كذبهم وخداعهم .

11 - (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ ) بكذِبكم ونفاقكم (قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ )

12 - (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ ) بالحقيقة لأنّهم اعتادوا الدجَل والنفاق

13 - (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ) أي للمنافقين (آمِنُواْ) لِمحمّد وانقادوا لأمره (كَمَا آمَنَ النَّاسُ ) أي كما آمَن المهاجرون من أهل مكّة (قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء ) أي كما آمَن الجُهّال ، مفردها سفيه وهو الجاهل بالاُمور القليل المعرفة ، فقال الله تعالى (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ ) عواقب الاُمور .

14 - (وَإِذَا لَقُواْ الّذينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا ) كما آمنتم (وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ ) يعني إذا التقَوا بمن أغوَوهم وقادوهم إلى الكفر والضلال (قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ ) بالتبعيّة ولسنا مع المؤمنين (إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ ) بالمؤمنين بأن قلنا لهم آمَنّا .

15 - (اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ ) بأن يؤجّل عقابهم ولا يعاجلهم به في دار الدُنيا (وَيَمُدُّهُمْ) بالمال ويتركهم (فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) أي يتحيّرون ويتردّدون كالأعمى الّذي لا يرَى حقيقة الأشياء ، ومن ذلك قول رؤبة :
                               
                                   ومَهْمَهٍ أطرافُهُ في مَهْمَهِ      أعمَى الهُدَى بِالجاهِلينَ العُمَّهِ

16 - (أُوْلَـئِكَ الّذينَ اشْتَرُوُاْ ) أي استبدلوا (الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ ) لأنّهم أبدلوا الجنّةَ بالنار والعزَّ بالعار (وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ ) إلى دينٍ من الأديان السماويّة بل كانوا تائهين .

17 - (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً ) أي مثَل هؤلاء المنافقين كمثَل أصحاب الذي استوقد ناراً ، يعني طلب إيقاد النار ، ومن ذلك قول جرير :

                                  أقولُ لهُ يا عبدَ قيسٍ صَبابة ً      بِأيٍّ تَرى مُسْتَوْقِدَ النّارِ أوْقَدَا

والّذي طلبَ إيقاد النار هو موسى بن عمران ، قال الله تعالى في سورة القصص {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُون }. والمعنى : مثَل هؤلاء المنافقين وفعلهم معك يا محمّد كفعل المنافقين من بني إسرائيل مع موسى نبيّهم . ومِمّا يؤيّد هذا قولهُ تعالى في سورة الأحزاب {يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالّذينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا } ،

(فَلَمَّا أَضَاءتْ ) يعني أضاءت الشجرة التي كلّم الله تعالى منها موسى وهي شجرة الزيتون ، أضاءت بالعلم والهداية (مَا حَوْلَهُ ) يعني أضاءت على موسى ومن التفّ حوله من بني إسرائيل بأن أنقذهم من يد فرعون وخلّصهم من استعباده ، وفعلاً كانت الشجرة تتوقّد نوراً وناراً وتضيء الوادي الّذي حول موسى ولكن لا تحترق ، فإنّ الله تعالى وصف تلك الشجرة بصفتين بقول (فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ) : الأولى حقيقيّة وهي إضاءتُها الوادي الّذي كانت فيهِ وكان موسى واقفاً ينظر إليها ويستمع لقول الله منها ، والثانية معنويّة وهي إضاءتها بالعلم والهداية حيث منها تلقّى موسى الوحي وصارَ نبيّاً ورسولاً وتبعهُ قومه . ثمّ كفر بنو إسرائيل بعد ذلك وفسقوا وخيّمَ الجهلُ عليهم فقالوا أرِنا اللهَ جهرةً فأخذتهم الصاعقة ، ثمّ صارت ظُلمة ، وهذا معنى قوله تعالى (ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ ) أي بنور الهداية من فاسقي بني إسرائيل (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ ) الجهل (لاَّ يُبْصِرُونَ ) الحقّ .

18 - (صُمٌّ) عن استماع الحقّ (بُكْمٌ) عن النطق بهِ (عُمْيٌ) عن رؤيتهِ (فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ) عن غيّهم ، أي لا يتراجعون عن عاداتهم السيّئة . فالأصمّ هو الأطرش ، والأبكم هو الأخرس .

19 - ثمّ ضرب الله تعالى فيهم مثَلاً آخر فقال (أَوْ) مثَلهم (كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء ) أي كأصحاب الصيّب ، وهو السحاب الكثير الصّوب ، والصّوب هو المطر الشديد ، ومن ذلك قول الحسين (ع ) : "بين أناسٍ لا سُقوا صوبَ الْمُزُن" . والشاهد على ذلك قول النابغة :
                           
                                سِتَّةُ آبائِهـِمُ ما هـُـمُ؟      هُمْ أَفْضَلُ مَنْ يَشْرَبُ صَوْبَ الغَمامْ

وقالت الخنساء :
                           أسْقَى بِلاداً ضُمِّنَتْ قَبْرَهُ      صَوْبُ مَرابيعِ الغُيوثِ السَّوارْ

وقال عنترة :
                               فَسَقى الله لياليكِ التي      سَلفتْ صَوْبَ السّحابِ الهَطِلِ

وقال طَرَفة :           
                          فَسَقَى بِلادكَ غيرَ مُفسِدِها      صَوْبُ الغَمامِ ودِيمَةٌ تَهْمِي

وقال النابغة :
                 عَفا آيَهُ صَوْبُ الجَنُوبِ مع الصَّبَا      بأَسْحَمَ دانٍ مُزْنُهُ مُتَصَوِّبُ

يعني مُتصبّب كثير الماء . والمعنى : أو مثَلهم كمثل قومٍ أخذتهم السماء بالسحاب والمطر والظُلمة والبرق والرعد ليخوّفهم الله بالصواعق ويردعهم بالأمطار والرعود كي يرجعوا عن غيّهم ويتركوا طلبتهم الّتي ساروا خلفها يطلبونها ولكنّهم لم يرتدعوا بتلك الحوادث ولم يرجعوا عن غيّهم بل أخذوا يسيرون عند إنارة البرق ويقيمون عند الظُلمة لأنّ سفرهم كان ليلاً ، وذلك قوله تعالى [ في الآية التالية] : {كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } وهم قوم فرعون ساروا في طلب موسى وقومه وكان مسيرهم ليلاً ، فردعهم الله تعالى بالمطر والرعد والبرق والصواعق فلم يرتدعوا بل ساروا في طلبهم حتّى أدركوهم صباحاً فأغرقهم الله في البحر وأهلكهم جزاءً لعنادهم ، فكذلك المنافقون من قومك يا محمّد إن لم يرجعوا عن غيّهم ويصلحوا أعمالهم فإنّ الله يُهلكهم كما أهلك فرعون وجنده ، وذلك قوله تعالى (فِيهِ) أي في ذلك الصيّب يعني السحاب (ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم ) الضمير يعود لأصحاب الصيّب وهم قوم فرعون (مِّنَ الصَّوَاعِقِ ) أي من شِدّة الصواعق وأصوات الرعد (حَذَرَ الْمَوْتِ ) أي خوفاً من أن يموتوا (واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ ) يعني لا يفوتونه مهما لزموا الحذر . ومن ذلك قول الشاعر :

                      أَحَطْنَا بِهِمْ حتَّى إِذَا مَا تَيَقَّنُوا      بِما قَدْ رَأوا مَالُوا جَميعاً إلى السِّلْمِ

------------------------------------
الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم