كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
104 - فقال الله تعالى (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ) أي ليس كما قالوا (إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً ) يعني أحسنهم رأياً ومذهباً ، فالأمثل معناه الأحسن ، والشاهد على ذلك قولُ امرئ القيس يتضجّر من طول اللّيل :
ألا أيها اللّيلُ الطَّوِيلُ ألا انْجَلِ بِصُبْحٍ وما الإصْباحُ مِنْكَ بِأَمْثَلِ
يعني وما ضياء اليوم منكَ بأحسنَ من كلّ يوم فتتأخّر وتطول علينا ، وقال كعب بن زُهير :
أَرَنَّت مِنَ الشَيبِ العَجيبِ الَّذي رَأَتْ وَهَل أَنتِ مِني وَيْبَ غَيرِكِ أَمثَلُ
(إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا ) يعني يقولون لهؤلاء المجرمين الّذينَ قالوا لبثنا في عذاب البرزخ سنين عددا ، مهما طال عذابكم في البرزخ لا يساوي يوماً واحداً من أيّام القيامة وعذابها .
105 - (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ ) الّتي في مكّة (فَقُلْ) لهم (يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا ) فيجعلها كثيباً مهيلاً.
106 - (فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا ) أي فيترك أرضها مُستوية ليس فيها تلّ ولا جبلٌ ولا نقرةٌ ولا حُفرة ، فكلمة "قاع" تُطلَق على قطعة من الأرض وليس على الأرض كلّها ، وجمع القاع قيعان ، ومن ذلك قول الخنساء ترثي أخاها :
شهّادُ أنديةٍ حمّالُ ألويةٍ قطّاعُ أوديةٍ سِرحانُ قِيعانِ
107 - (لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا ) يعني لا مُرتفَع ولا مُنخَفَض ، وذلك لأنّ الأرض تقف عن دورتها المحورية حين انتهاء الحرارة الّتي في جوفها فيكون في جهةٍ منها نهارٌ دائم لا يعقبهُ ليل ، وفي الجهة الاُخرى ليل دائم لا يعقبهُ نهار ، فحينئذٍ تزداد الحرارة في جهة النهار وتلك الحرارة تكفي لإحراق الصخور وتفتيتها ، لأنّ أكثر الجبال مكوّنة من كربونات الكالسيوم ، فإذا سُخّنتْ ذهب عنها غاز ثاني أوكسيد الكاربون وبقيَ أوكسيد الكالسيوم (نورة) وهو مسحوق أبيض مائل إلى الصُفرة قليلاً . ثانياً إنّ الحرارة الّتي في جوف الأرض هي سبب الجاذبيّة فإذا ذهبت وبردَ جوف الأرض فإنّ الجاذبيّة الّتي للأرض تنتهي فحينئذٍ تصبح أجزاء الجبال مُتفكّكة ، وبذلك تصبح الجبال عُرضةً لعوامل التعرية والتآكل ، فإنّ الرياح تنسفها إلى البحار والمنخفضات ، وبذلك تصبح الأرض صفصفاً لا ترى فيها عِوجاً ولا أمتا . وقد سبق الكلام عن الجبال ونسفها في كتابي الكون والقرآن .
108 - (يَوْمَئِذٍ) أي يوم القيامة (يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ ) يعني يتّبعون صوت الداعي الّذي يدعوهم إليهِ ، وهو إسرافيل (لَا عِوَجَ لَهُ ) أي لا يميلون عنهُ يميناً ولا شمالاً بل يصعدون نحوهُ إلى الفضاء . ونظيرها في سورة الإسراء قوله تعالى {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً } ، (وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ) . الهمس هو الكلام الخفي ، تقول العرب "همسَ في اُذني" يعني كلّمني بكلام واطئ الصوت لا يسمعهُ إلاّ هو ، ومن ذلك قول الشاعر :
فباتُوا يُدْلِجُونَ وباتَ يَسْرِي بَصِيرٌ بِالدُّجَى هادٍ هَمُوسُ
يعني يسمع الأصوات الخفيّة . والمحشر يكون في الفضاء .
109 - (يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ ) في أحدٍ من الناس (إِلَّا) في (مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ ) يعني في الموحِدين الّذينَ رضي الله عنهم تنفعهم شفاعة الأنبياء (وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ) يعني بشرط أن يكون ذلك الإنسان صادقاً في قولهِ موحِّداً في دينهِ لم يُشرك بعبادةِ ربّهِ ، فذلك تنفعهُ شفاعة الشافعين
110 - (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ) ضمير الميم في (أَيْدِيهِمْ) يعود للأنبياء ، يعني الشافعين ، والمعنى : يعلم ما قدّموهُ بين أيديهم من أعمال (وَمَا) تركوه (خَلْفَهُمْ) من سُنَن وشرايع (وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ) أي وهم لا يُحيطون بمكنونهِ عِلماً فلا يعلمون ذاته ولا يعلمون ما في نفسهِ من أسرار . والدليل على ذلك قول عيسى بن مريم كما في سورة المائدة {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ } .
111 - (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ) "العنَت" معناه الذلّ والخضوع ، و"الوجوه" هم رؤساء القوم وأشرافهم ، مُفردها وجيه ، والمعنى : خضعت وذلّت في ذلك اليوم الملُوك والرؤساء لعظمة الله وانقادت لمشيئتهِ وحُكمهِ ( وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ) أي مَن ظلمَ الناس واغتصبَ حقوقهم خابَ أملهُ وخسِرَ عمله .
112 - (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) بالله وبرُسُلهِ وبالآخرةِ (فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا ) أي لا يخاف ظلماً من الشياطين في عالم البرزخ لأنّ الملائكة تحرسه ، ولا هضماً يوم القيامة بأخذ حسناتهِ وإعطائها لغيره إن كان غير ظالم لحقوق الناس .
113 - (وَكَذَلِكَ) أي كما أخبرناك بالقيامة وعلائمها كذلك (أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ) ليفهموهُ (وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ ) أي وكرّرنا فيه من الوعيد بأساليب مُختلفة (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) الشِرك والمعاصي (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ) يعني أو يُجدّد القرآن لهم عِظةً واعتباراً بالاُمَم السالفة فيتركوا الأنداد ولا يعبدوها .
114 - (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ) أي ارتفعت صِفاته عن صفات المخلوقين الّذينَ جعلوهم شُركاء لله (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ) أي لا تعجل بتلاوتهِ قبل أن يفرغ جبرائيل من إبلاغهِ . لأنّ النبيّ كان يقرأ معه مخافةَ أن ينساهُ (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا ) بما أنزلتهُ على أنبيائك في الكتب السماويّة وأخبارهم . وبعد التهديد والوعيد ذكّرَهم بقصّةِ آدم وخروجه من الجنّة فقال تعالى :
115 - (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ ) بأن لا يُخرجهُ الشيطان من الجنّة بإغرائهِ إلى الاقتراب من الشجرة والأكل من ثمرتها (فَنَسِيَ) آدم قول الله إنّ هذا عدوّ لك ولزوجك (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) على الثبات فيما أمرناهُ ولا حزماً . وهذا تهديد أيضاً لأهل مكّة ، ومعناه إن لم يتوبوا ويتركوا عبادة الأصنام فسنُشتّت شملهم ونُخرجهم من مكّة كما أخرجنا آدم من الجنّة لَمّا عصَى أمر ربّه
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |