كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
39 - (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ ) يعني ضعيهِ في سَفَط مُستطيل مطلي بالزفت ثمّ ألقي السَفَط على الماء في نيل مصر (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ ) يعني ستسوقهُ الرياح والأمواج إلى الساحل قرب قصر فرعون ، حينئذٍ (يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ ) يعني يأخذه فرعون الّذي هو عدوّ لله وعدوّ لموسى .
لأنّ العرّافين أخبروهُ أنّ رجلاً من بني إسرائيل يكون خراب مملكتك على يدهِ ، فلمّا وضعتهُ في السَفَط وألقتهُ في النيل ساقتهُ الأمواج إلى الساحل قرب قصر فرعون وبعثتْ اُختهُ تراقب السَفَط ، وذلك بعد أن أرضعتهُ ثلاثة أشهر خفية عن الرُقباء ، ولَمّا خافت أن يعلموا بهِ ألقتهُ في اليمّ فخرجت بنت فرعون تتمشّى على الساحل فرأت السَفَط فقالت لخادمتها أخرجيهِ من الماء لنرى ما فيهِ ، فلمّا أخرجتهُ رأت طفلاً رضيعاً حسَن الصورة نائماً فيهِ فأحبّتهُ وأخذتهُ إلى اُمّها فعزموا على تربيتهِ فجاؤوا له بمرضعات فلم يقبلهنّ لأنّه تعوّد على ثدي اُمّهِ (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي ) يعني جعلتك محبوباً عندهم ليأخذوك ويقوموا بتربيتك (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ) أي ولتصنع تلك الأفعال على مراقبةٍ منّي . فالعين معناها المراقَبة ، يعني كانت ولادتهُ وإرضاعه خُفيةً ثلاثة أشهر ووضعُه في السَفَط وإلقاؤهُ في اليمّ ومجيء بنت فرعون لتأخذه كلّ ذلك كان بإرادة الله وتحت رعايتهِ .
40 - (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ ) مريم تراقب مصيركَ (فَتَقُولُ) لأهل فرعون (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ ) لكم بالرضاعة والتربية ، فوافقوا على ذلك ، فجاءت باُمّها ، فقالت لها بنت فرعون أرضعي لنا هذا الولد وأنا اُعطيكِ اُجرتكِ (فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا ) برجوعك (وَلَا تَحْزَنَ ) على فراقك (وَقَتَلْتَ نَفْسًا ) من الأقباط لَمّا كبرتَ (فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ ) الّذي لازمكَ بسبب القتل (وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ) أي ابتليناك بالقتل والخوف لتخرج من مصر وتذهب إلى مدين لكي نُسيّركَ إلى ما نريدهُ (فَلَبِثْتَ) ثماني (سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ )188 ترعَى الغنم ، والدليل على أنّها ثماني سنين وليست عشراً قوله تعالى في سورة القصص {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ } ، (ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ ) من الوقت المعيّن لك من عمرك حيث بلغتَ سِنّ الأربعين وقد حانَ إهلاك فرعون ونجاة بني إسرائيل من استعباده على يدكَ (يَا مُوسَى ) . وقرية مدين تقع في صحراء سيناء جنوب فلسطين .
41 - (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ) أي جعلتُ ما صُنِعَ بكَ من تنقّلات من حالٍ إلى حال كلّها كانت لنفسي ، يعني لأجل أن تقوم بتبليغ رسالتي وإنقاذ بني إسرائيل من استعباد فرعون وإرشادهم إلى ديني وعبادتي .
42 - (اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي ) أي بالمعجزات التسع (وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ) أي لا تتوانَيا ولا تقصّرا في بثّ موعظتي لبني إسرائيل وإرشادهم إلى طريق الحقّ ، ومن ذلك قول الهذلي :
لعَمْرُك مَا وَنَى ابْنُ أَبِي أُنَيْسٍ ولاخامَ القِتالَ ولا أَضاعَا
وقال حسّان :
فَمَا وَنَيْنَا وَمَا خِمْنَا وَمَا خَبَرُوا مِنَّا عِثَاراً وجُلُّ القَوْمِ قد عَثَرُوا
وقال الأعشى :
وآسِ سَراةَ الْحَيِّ حَيْثُ لَقِيتَهُمْ ولا تَكُ عَنْ حَمْلِ الرِّباعَةِ وانِيَا
أي متوانيا .
43 - (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ) أي تكبّر وتجبّر .
44 - (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا ) ولا تغلُظا في الكلام (لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ ) أي ربّما يتّعظ ويؤمن (أَوْ يَخْشَى ) عذاب الله فينقاد للحقّ .
45 - (قَالَا) أي قال موسى وهارون (رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا ) بالكلام فيشتمنا ويُهيننا (أَوْ أَن يَطْغَى ) علينا فيقتلنا .
46 - (قَالَ) الله تعالى (لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا ) بالمساعَدة (أَسْمَعُ) ما يقول لكما (وَأَرَى) أفعالهُ .
47 - (فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ ) أرسَلَنا إليك (فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ) أي أطلِقْهم ليذهبوا إلى حال سبيلهم (وَلَا تُعَذِّبْهُمْ ) بالأشغال الشاقّة (قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ ) وهي العصا (وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ) أي سلامة من العذاب لمن اتّبع الهُدى .
48 - (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ ) بآيات ربّهِ (وَتَوَلَّى) عن الإيمان برُسُلهِ .
49 - (قَالَ) فرعون (فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى) ؟
50 - (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ ) من نبات وحيوان وإنسان (خَلْقَهُ) أي صورتهُ الّتي هي على شكلهِ ، وهي النفس الأثيريّة ، فكلمة "شيء" تُطلَق على المادّة ، والمعنى : أعطى لكلّ جسم حيّ حياتهُ بإدخال الروح فيهِ فأصبح حيّاً (ثُمَّ هَدَى ) يعني ثمّ هداهُ إلى اُمور معاشهِ وكيفيّةِ تحصيلها ، فالحيوان هداهُ بالغريزة ، والإنسان هداهُ بالعقل والتفكير .
51 - ولَمّا قال موسى (إنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ ) ، أجابه فرعون (قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى ) لم تتعذّب بل صاروا تراباً ؟ ولم يعلم فرعون بأنّ النفس هيَ الإنسان الحقيقي وما الجسم إلاّ قالَب تتكوّن فيهِ النفس ، ولم يعلم أنّ العذاب والنعيم للنفوس خاصّة دون الأجسام ، ولذلك اعترض على موسى بهذا القول ، فأجابهُ موسى:
52 - (قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ) يعني إنّ النفوس باقية لا تفنى وأمّا تعذيبها فذلك راجع إلى الله إن شاء عذّبها في عالم البرزخ وإن شاء عذّبها يوم القيامة ، وأمّا سيّئاتها فمكتوبة (فِي كِتَابٍ ) أعمالها (لَّا يَضِلُّ رَبِّي ) فيعذّب غير المذنب (وَلَا يَنسَى ) فيترك المذنب بلا تعذيب .
------------------------------------188 :قبيلة مدين انقسموا قِسمين ، قِسمٌ منهم آمنوا بالنبيّ شُعيب فابتعدوا عن قومهم فنجَوا من الزلزال ، وقِسمٌ لم يؤمنوا فبقُوا في مكانهم فأخذهم الزلزال وماتوا ، وكانت الحادثة بعد قوم لوط ، وقبل مجيء موسى ، ولكن قوله تعالى (فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ) يعني المؤمنين من أصحاب مدين الّذينَ نجَوا من الزلزال ونسلهم الباقي إلى زمان موسى ، ولذلك قال تعالى (فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ) ، ولم يقل في قوم مدين . وقد سبق الكلام عن مدينة مدين في سورة الأعراف .كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |