كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
84 - (قَالَ) موسى (هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي ) أي هم أصحابي سائرين على نهجي لا أظنّ أنّهم يرتدّون (وَعَجِلْتُ) بالمجيء (إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ) عنهم إذا عملوا بموجب التوراة الّتي تخطّها وترسمها لهم .
85 - (قَالَ) الله تعالى (فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ ) أي اختبرناهم فوجدناهم غير مُستقيمين على التوحيد بل راغبين لعبادة الأصنام (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ) فصنعَ لهم عِجلاً من ذهب وقاموا [ أو أخذوا ] يعبدونهُ .
86 - (فَرَجَعَ مُوسَى ) من الجبل وهو يحمل الألواح الّتي هي من الحجر وقد كتب الله فيها التوراة (إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا ) ولَمّا وصل إليهم ورأى العِجلَ حميَ غضبهُ وألقَى الألواح على الأرض فتكسّرت وصاحَ بقومهِ (قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ ) يعني هل طالت مُدّة غيابي عنكم (أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ ) بصنيعكم هذا (فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي ) أي ما وعدتّموني عليهِ من حُسن الخلافة بعدي ؟
87 - (قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا ) أي قال الّذينَ لم يعبدوا العِجل وهم اللاويّون إنّنا لم يمكنّا ردّ هؤلاء عن عبادتهم للعجل لأنّنا نهيناهم فلم ينتهوا (وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ ) .
وذلك لَمّا خرجوا من مصر استعاروا حُليّاً من الأقباط بأن يتزيّنوا بها في عيدهم ثمّ يُعيدوها لأصحابها ، ولكنّهم لم يعيدوها ، فقام السامري وصنع بودقة كبيرة وصنع قالباً لتمثال عجلٍ وأشعل ناراً داخل حُفرةٍ ووضع البودقة فيها ، ثمّ قال لبني إسرائيل إنّ الحُليّ الّتي أخذتموها من الأقباط نجسةٌ ورجسٌ فألقُوها في النار لتطهر ، وألقَى هو قبضة من قِطع ذهبيّة في النار ، فلمّا رأوا ذلك بنو إسرائيل أتَوا بالحُليّ الّتي أخذوها من الأقباط ورمَوها في النار ، ولَمّا ذاب الذهب صبّهُ في القالب بعد أن صرفهم عنهُ ، وفي اليوم الثاني أخرجَ لهم عِجلاً من الذهب وقد وضعَ شيئاً في جوفهِ فصار لهُ صوت كصوت البقر ، وهذا معنى قول الله تعالى:
88 - (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ ) أي عِجلاً مسبوكاً ، يعني تمثالاً ليس فيهِ روح ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الأنبياء {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ } أي لم نجعل الأنبياء تماثيل لا يأكلون الطعام بل هم بشرٌ مثلهم . فقال السامري لبني إسرائيل إنّ إلاهَ موسى قال لهُ لا تأتِ أنتَ إلى الجبل وأنا آتي إليك ، ولكنّ موسى نسيَ وذهبَ إلى جبل الطور يطلب ربّهُ وهاهو إلاهكم وإلاهُ موسى ، وهذا معنى قوله تعالى (فَقَالُوا) يعني فقال السامري ومن تبعهُ (هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ ) ، فلمّا رأوهُ فرحوا بهِ وأخذوا يرقصون ويُصفّقون ويُقرّبون لهُ القرابين ، فردعهم هارون ونصحهم وقال لهم إنّما فُتِنتُم بهِ وإنّ ربّكم الرحمان وليس الله من ذهب ، {قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى } .
89 - ثمّ قال الله تعالى(أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا ) يعني العِجل لا يُكلّمهم (وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ) .
90 - (وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ ) أي من قبل عبادتهم للعجل (يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ ) فلا تعبدوهُ (وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي ) بما أقول لكم (وَأَطِيعُوا أَمْرِي ) .
91 - (قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ ) أي قائمين بعبادتهِ ، والشاهد على ذلك قول عنترة :
وَخالدٌ قد تركْتُ الطَّيْرَ عاكِفَةً علَى دِماهُ وما في جسْمهِ رَمَقُ
(حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ) من الجبل .
92 - (قَالَ) موسى (يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ ) من إرشادهم ومنعهم من عبادة العجل (إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا ) عن الحقّ وعبدوا العجل ،
93 - (أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ) ؟
94 - (قَالَ) هارون لموسى (يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ ) أن أفعل شيئاً فيتفرّقوا ، ثمّ (أَن تَقُولَ ) يعني لئلاّ تقول (فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ) . ثمّ وجّهَ الخطاب للسامري :
95 - (قَالَ) موسى (فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ ) أي فما الّذي دعاك إلى هذا العمل ؟
96 - (قَالَ) السامري (بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ ) أي وجدتُ شيئاً لم يرَوهُ بنو إسرائيل . وذلك أنّه وجد آثاراً قديمة مسكوكات ذهبيّة مدفونة في الأرض ووجد معها تمثال عجلٍ صغير من الذهب يرجع تاريخها إلى زمن النبي صالح ، فجاء إليه الشيطان فوَسوَس لهُ وقال اُنظر هذا التمثال فإنّه جميل جدّاً هل يمكنك أن تصنع مِثلهُ فلو صنعتَ واحداً أكبر منه وتركته في بني إسرائيل لصارَ تذكاراً لك وتخليداً لإسمك مدَى الأعوام . وسوّلت لهُ نفسهُ حتّى صمّم على صناعةِ عِجلٍ من ذهب أكبر من الّذي وجدهُ ، وقوله (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً ) يعني من تلك المسكوكات الذهبيّة الّتي وجدها (مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ ) يعني من آثار زمن الرسول صالح ، وكان السامري من قوم فرعون من السَحَرة الّذينَ آمَنوا لموسى وخرج مع بني إسرائيل وكانت مهنتهُ الصِياغة ، وقوله (فَنَبَذْتُهَا) أي رمَيتُها في النار مع حُلي بني إسرائيل فصنعتُ منها عِجلاً (وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ) .
97 - (قَالَ) موسى للسامري (فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ ) داءً (أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ ) فعاقبهُ الله بمرض الجذام ، فإذا اقترب منهُ أحد قال لهُ لا مِساس ، أي لا تمسّني ، لأنّ حُكم المجذوم في التوراة أن يُعزل عن الناس وإذا مسّهُ أحد يتنجّس فلذلك يقول لا مِساسَ ليعرفوا أنّه مجذوم فلا يقربوهُ ولا يتنجّسوا بهِ (وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا ) للعذاب (لَّنْ تُخْلَفَهُ ) أي لا يمكنك أن تتخلّص منهُ (وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ) أي الّذي بقيت عاكفاً على عبادتهِ (لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا ) أمرَ موسى أن يشعلوا النار حول العجل حتّى يذوب ويلتصق بالأرض ثمّ أمرَ أن يبردوهُ بالمبرد ويذروه على ماء البحر .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |