كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
77 - (وَنَصَرْنَاهُ مِنَ ) بين (الْقَوْمِ الّذينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ) والمعنى : نصرناه عليهم وهو واحد وهم اُلوف في العدد (إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ) لم يبقَ منهم أحد .
78 - (وَ) اذكر لهم قِصّةَ (دَاوُودَ وَسُليمان إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ ) أي في أمر الحرث ، وهو الزرع (إِذْ نَفَشَتْ ) أي تفرّقت (فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ) فأكلتهُ، و"النفش" هو الرعيُ ليلاً ، ومن ذلك قول لبيد :
بَذَلْنَ بعدَ النَّفَشِ الوَجِيفَا وبعدَ طُولِ الخبرةِ الصَّرِيفَا
(وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ) أي لحكم المتحاكِمين عندهما حاضرين نسمع ونرى .
79 - (فَفَهَّمْنَاهَا سُليمان ) أي فهّمناهُ الحكم الصحيح في شأن الغنم (وَكُلًّا) من داوُد وسُليمان (آتَيْنَا حُكْمًا ) في القضاء (وَعِلْمًا) في الدِين وشؤون الدنيا .
والقَصّة في ذلك : إنطلقت غنمٌ لراعٍ في زرعٍ فأكلتهُ ، فجاء صاحب الزرع وشكى صاحب الغنم ، فحكم داوُد بأن تُعطَى الغنم لصاحب الزرع بدل زرعهِ ، فقال سُليمان : ليس كذلك بل يُصرَف من ألبان الغنم وأصوافها على الزرع حتّى يعود كما كان ثمّ تعود الغنم لأصحابها . (وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ ) أي يردّدنَ التسبيح معهُ ، وهو صوت الصدَى ، وذلك حين لجأ داوُد إلى الجبال خوفاً من شاؤول إذ أرادَ قتلهُ (وَالطَّيْرَ) أيضاً تُسبّح لله بأصواتها وترتّل (وَكُنَّا فَاعِلِينَ ) مِثل ذلك لأمثالهِ .
80 - (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ ) وهي صنعة الدروع (لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ ) يعني لتحرسكم من القتل إذا دخلتم ميدان القتال ، ومن ذلك قول طَرَفة بن العبد :
وهُمُ ما هُمْ إذا ما لَبِسُوا نَسْجَ داوُدَ لِبَأسٍ مُحْتَضِرْ
(فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ ) نِعم الله عليكم .
81 - (وَلِسُليمان) سخّرنا (الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ ) .
أراد داوُد بناء بيت المقدس ولكن لم يتمّ بناؤهُ على يدهِ لكثرة الحروب الّتي كانت في زمانهِ وانشغاله بها ، ولَمّا مات داوُد وقام ابنهُ سُليمان مكان أبيهِ عزمَ على إتمامهِ ، فتقاولَ مع حيرام ملك لبنان على أن يشتري منهُ أخشاباً من شجر الأرز وشجر السرو ويُعطيهِ بدلها حنطةً وزيتاً ، فتكون الأخشاب كمواد إنشائيّة لبناء بيت المقدس ، وكانت المسافة بين لبنان وفلسطين شهراً كاملاً بالسُفُن ، فكانوا يُحمّلون الأخشاب بالسُفُن الشراعيّة وكانت الرياح تسوق السُفُن كما يشاء ربّان السفينة ذهاباً وإياباً ، وبهذه الواسطة كانت السُفُن تصل مكانها بمدّةٍ قصيرة . فهذا معنى مُلخّص للآية. ونظيرها في سورة ص قوله تعالى {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ } يعني حيث أراد وأصاب من المواد الإنشائيّة لبناء بيت المقدس . وآية اُخرى في سورة سبأ وهي قوله تعالى {وَلِسُليمان الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } يعني مسافة شهر تغدوها السُفُن بيوم واحد وتروحها بيوم واحد . وقد جاء ذكر السُفُن الّتي تنقل الأخشاب من لبنان إلى فلسطين في مجموعة التوراة في سِفر الملوك الأوّل في الإصحاح الخامس . وكان بناء بيت المقدس بعد خروج بني إسرائيل من مصر بأربعمائة وأربعة وثمانين سنة ، فيكون وقت بنائه قبل المسيح بألف وثلاثين سنة على التقريب .
82 - (وَمِنَ الشَّيَاطِينِ ) يعني من فسقة الجنّ (مَن يَغُوصُونَ لَهُ ) في البحر ويُخرجون له من اللآلئ والمرجان (وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ ) أي غير ذلك كنحت الصُخور وصناعة القدور والأواني النحاسيّة وغيرها . فإنّ الله تعالى سخّرَ لهُ الجنّ والشياطين يعملون لهُ ما يشاء ممّا لم تقدر عليه الناس في الزمن الماضي ، ولم يكن يراهم أحد بل كانوا يجدون تلك المصنوعات حاضرة . وممّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة سبأ {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ } ، (وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ ) لا يمكنهم الهروب منه والخروج عن طاعته . وجاء في مجموعة التوراة في سِفر الملوك الأوّل في الإصحاح السادس قال:
[ والبيت في بنائهِ بُنِيَ بحجارةٍ صحيحةٍ مُقتلعةٍ ولم يُسمَعْ في البيت عند بنائهِ صوت مِنحت ولا مِعول ولا أداة من حديدٍ ] . وعاش سُليمان بعد بناء المسجد الأقصى ستّاً وثلاثين سنة ومات .
83 - (وَأَيُّوبَ) أي واذكر أيّوب وقصّته لهم ، وقد سبق ذِكر نسبه في سورة الأنعام في آية 84 (إِذْ نَادَى رَبَّهُ ) حين أصابه البلاء فقال (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) فارحمني واكشف عنّي ضُرِي .
84 - (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ) دُعاهُ (فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ) أي أزلنا ما بهِ من الأوجاع والمرض (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ ) في الدنيا يعني أعطيناهُ من الأولاد بقدر الّذينَ ماتوا تحت الجدار وهم سبعة أولاد وثلاث بنات (وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ ) في الآخرة ، يعني الّذينَ ماتوا مِثلهم في العدد ، فيكون مجموع أولاده في الآخرة أربعة عشر وبناته ستّاً (رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا ) أي نِعمةً منّا عليهِ (وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ) أي وموعظة لهم في الصبر ليصبروا على الشدائد إذا سمعوا بقصّتهِ ولا يكفروا .
وكان لأيّوب سبعة بنين وثلاث بنات ، وكان له من الأنعام سبعة آلاف من الغنم وثلاثة آلاف من الإبل وخمسمائة فدان بقر وخمسمائة أتان وله عبيد كثيرون ، فحسدهُ الشيطان على تقواهُ وصلاح سريرتهِ مع الله فقال لولا هذهِ النِعم لم يشكر . فقال الله تعالى للشيطان : لقد سلّطتك على أموالهِ ، فوقع أهل سبأ ونهبوا أنعامه ومواشيهِ وقتلوا غلمانه ، وكان أولاده وبناته مُجتمعين في بيت من بيوتهم يأكلون فهبّت عاصفة قلعت جدار البيت وسقط عليهم فماتوا ، فجاء رسول وأخبرهُ بذلك فسجد لله وقال عُرياناً خرجتُ من بطن اُمّي وعُرياناً أعود ، الربّ أعطى والربّ أخذ ، فشَكَر على ما أصابه ولم يكفر . فقال الشيطان مادامت صحّتهُ جيّدة لا يكفر ولكن سلّطني على صحّته وانظر كيف يكون كفره . فقال الله تعالى : سلّطتك على صحّتهِ إلا قلبهُ وعينيه ولسانه . فجاء الشيطان وأصابه بمرض الجُذام ويسمّى داء الفيل أيضاً ، فبقي زمناً على تلك الحالة ولم يكفر . فجاءت زوجته يوماً فرأته جالساً على الرماد وفي يده خزفة يحكّ بها جسمهُ فقالت له : إلى الآن أنتَ صابر على البلاء ، فقال لها أنقبل الخير من الله ولا نصبر على الشرّ ، ولم يكفر على كلّ ما أصابه من بلاء ، ولَمّا سأل الله أن يكشف عنه الضرّ ويشفيهِ من المرض جاءه جبرائيل وقال لهُ : لقد نبعتْ عين ماء قريبة من مكانك هذا فاذهب إليها واغتسل فيها واشرب من مائها تبرأ من مرضك ، فذهب إلى العين واغتسلَ فيها فبرئ من مرضهِ ، وأعطاه الله من الأموال والأنعام أكثر ممّا كان له من قبل ووُلِدَ لهُ سبع أولاد وثلاث بنات ، فسمّى الأولى يميمة ، والثانية قصيعة ، والثالثة قرن الفوك ، وعاش بعد هذه النكبة مائة وأربعين سنة ، وقد جاءت قِصّتهُ في مجموعة التوراة في سِفر أيّوب .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |