كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الأنبياء من الآية( 90) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

90 - (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ) دُعاهُ (وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى ) ولداً صالحاً (وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ) أي زوجتهُ بأن جعلناها ولوداً بعد أن كانت عقيماً (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ) أي يُبادرون في الطاعات وإعطاء الصدقات (وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ) أي رغبةً في الثواب ورهبةً من العقاب (وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) أي متواضعين .

91 - (وَ) اذكر في الكتاب مريم (الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ) من الفساد ، أي منعت فرجها من الزِنا ، ومن ذلك قول جرير :

                               فَلا تَأمَنَنَّ الحَيَّ قَيْساً فَإنَّهُمْ      بَنُو مُحْصَناتٍ لَمْ تُدَنَّسْ حُجُورُهَا

(فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا ) جبرائيل ، والمعنى : أجرَينا فيها روح المسيح كما يتحرّك الهواء بالنفخ وكان ذلك بواسطة جبرائيل (وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ ) .

92 - ثمّ خاطب علماء النصارى فقال تعالى (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ) فلماذا فرّقتموها فِرقاً عديدة (وَأَنَا رَبُّكُمْ ) فلماذا تعبدون المسيح واُمّه (فَاعْبُدُونِ) ولا تعبدوا غيري .

93 - ثمّ وجّه الخطاب لرسولهِ فقال تعالى (وَتَقَطَّعُوا) فِرقاً (أَمْرَهُم) أي بسبب اُمرائهم وقادتهم الّذينَ (بَيْنَهُمْ) من أبناء دينهم (كُلٌّ) من الرؤساء والمرؤوسين (إِلَيْنَا رَاجِعُونَ ) بعد موتهم فنعاقبهم على كفرهم وإشراكهم ، فحينئذٍ يقولون {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ } ، فيقال لهم {اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } .

94 - (فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ ) كصلة الرحم ومعونة الضعيف ونصر المظلوم والتنفيس عن المكروب وغير ذلك من الأعمال الصالحة (وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) بالله وبرُسُلهِ ولم يُشرك بعبادتهِ (فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ ) أي فلا إنكار لإحسانهِ بل يُثاب عليها (وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ ) يعني ملائكتنا تكتب أعماله فلا يضيع لهُ شيء منها .

95 - (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ) يعني حرّمنا على من سَلِمَ من قريةٍ أهلكناها بعذاب الاستئصال أن يرجعوا إليها بل نُسقط عليهم حجارة من السماء فنهلكهم كما أهلكنا قوم لوط بالحجارة ، وهم الّذينَ لم يكونوا حاضرين في تلك القُرى حين أخذهم الزلزال ، أو نُبعدهم عن قُراهم بأن نُسلّط عليهم أعداءهم فيأخذوهم أسرى كما سلّطنا ملِك بابل على بني إسرائيل فأخذَ من بَقِيَ منهم بعد القتل أسرى إلى بابل في العراق .

والمعنى : حرّمنا على أهل تلك القرى الرجوع إليها بعد أن أخرجناهم منها ، وحرامٌ عليهم بناؤها بعد خرابها واجتماعهم فيها بعد تفرّقهم منها . ومن جملة القرى فلسطين واليهود ، وذلك حين هدّمها نبوخذنصّر وقتل من فيها من ا ليهود وأخذ الباقين أسرى إلى العراق إلى أرض بابل ، وبعضهم هربوا إلى مصر ، فبقوا مُشرّدين مُتفرّقين في البلاد أكثر من سبعين سنة ، ثمّ رجعَ أولادهم ومن بقيَ منهم وأخذوا في بناء بيت المقدس وبناء أسوار المدينة وما تهدّم منها .

96 - (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ ) بلاد (يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ) على يد إسكندر المقدوني فحينئذٍ تمّ اجتماعهم في فلسطين وذلك بعد أن سباهم نبوخذنصّر إلى بابل ، وتمّ بناء ما تهدّم منها وصارت لهم سُلطة دينيّة ومدنيّة بسبب الإسكندر وتسليمهم لهُ ، وذلك في سنة 332 ق م ، راجع كتاب اليهوديّة العالميّة للدكتور رياض بارودي ص 29 ، (وَهُم) أي اليهود (مِّن كُلِّ حَدَبٍ ) من الأرض (يَنسِلُونَ) ويرجعون إلى فلسطين في ذلك الحين ، يعني في ذلك التاريخ تمّ اجتماعهم وصارت لهم سُلطة . فكلمة "ينسلون" معناها ينسحبون أفراداً وجماعات ،
ومن ذلك قول عنترة :

                              للهِ دَرُّ بَنِي عَبْسٍ لَقَدْ نَسَلُوا      مِنَ الأكارِمِ ما قَدْ تَنْسِلُ العَرَبُ

و"الحدَب" كلّ ما ارتفعَ من الأرض ، ومن ذلك قول لبيد يصف حمار وحش مع اُنثاهُ :

                             يَعْلُو بها حُدْبُ الإكامِ مُسَحَّجٌ      قَد رَابَهُ عِصْيَانُهَا وَوِحَامُهَا

وقال جرير يصف سفينة وربّانها :

                         يُلقِي صَرارِيُّهُ والموجُ ذو حَدَبٍ      يُلْقُونَ بِزَّتَهُمْ إلا التّبَابِينَا

مفردها تبّان وهو اللّباس القصير .

97 - (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ ) الّذي وعدناهم بهِ من العذاب باقتراب آجالهم (فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الّذينَ كَفَرُوا ) ينظرون إلى ملَك الموت يقولون (يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا ) الّذي نراهُ اليوم في عالم النفوس (بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ) إذ كذّبنا الرُسُل وأشركنا بعبادة ربّنا . فيقال لهم :

98 - ­(إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ) من تماثيل (حَصَبُ جَهَنَّمَ ) أي تكون تلك التماثيل حصَى لجهنّم (أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ) أيّها الكافرون المكذّبون .

99 - (لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ ) التماثيل (آلِهَةً) كما تزعمون (مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ ) أنتم وتماثيلكم .

100 - (لَهُمْ فِيهَا ) أي في جهنّم (زَفِيرٌ) وهو صوت غليانها واشتعالها (وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ ) وذلك لشدّة أصوات الغليان وتدفّق الغازات .

101 - ولَمّا نزلت هذه الآية أتَى عبد الله بن الزبعري إلى النبيّ (ع) فقال يا محمّد ألستَ تقول أنّ عيسى نبيّ ورجلٌ صالح وأنّ مريم امرأة صالحة؟ قال بلى ، قال فإنّ هؤلاء يُعبَدون من دون الله فهل هم في النار ؟ فقال لهُ : ما أجهلك بلغةِ قومك ، فإنّ الله تعالى قال (مَا تَعْبُدُونَ ) ولم يقل مَن تعبدون ، ثمّ نزلت هذه الآية (إِنَّ الّذينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا ) الكلمة (الْحُسْنَى) بأن وعدناهم بنعيم الجنّة (أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) أي عن النار مبعدون .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم