بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

2 - (يَوْمَ تَرَوْنَهَا ) أي ترَون زلزلة الأرض وتشاهدون ذلك الحادث حينئذٍ (تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ) . أخبرَ الله سُبحانهُ عن حادث الزلزال إذا وقع في منطقةٍ مسكونةٍ من الأرض فإنّ كلّ امرأةٍ مرضعةٍ تذهلُ عن ولدها ولا تلتفت إليهِ ، وذلك لِما يصيبها من الخوف ، فهيَ مشغولة بنفسها عن غيرها ، وكلّ امرأة حامل تضع حملها ، أي تُسقطُ جنينها لِما يلحقها من سقوط الجدران عليها (وَتَرَى النَّاسَ ) المصابين بالزلزال (سُكَارَى) من شِدّة الخوف والعذاب (وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) .

3 - ونزل في المشركين من العرب الّذينَ قالوا في القرآن أساطير الأوّلين ، وقالوا الملائكة بنات الله ، وقالوا لا بعثَ بعد الموت (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ ) النبيّ والمؤمنين (فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ ) في جدالهِ وأعمالهِ (كُلَّ شَيْطَانٍ ) أي كلّ دجّال كذّاب (مَّرِيدٍ) أي مُتجرّد من الخيرات . يُقال "شابٌ أمرد" أي لا شعر في وجههِ ، و"غصنٌ أمرد" أي لا ورقَ فيهِ ،

4 - (كُتِبَ عَلَيْهِ ) أي حُكِمَ على ذلك الشيطان (أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ ) أي من تبِعهُ وأحبّه (فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ ) عن طريق الحقّ (وَيَهْدِيهِ) أي ويدلّهُ (إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ) عذاب جهنّم .

5 - (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ ) أي في شكّ (مِّنَ الْبَعْثِ ) للنفوس والحشر والحساب (فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ) يعني خلق آدم من تراب ، ومن قدر على خلق الإنسان من التراب أليس هو على بعث النفوس أقدر؟ ثمّ أخذَ سُبحانهُ يُبيّن كيفيّة خلق الأجنّة في الأرحام والأطوار الّتي تمرّ على النطفة حتّى تصبح جنيناً فقال تعالى (ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ) وهيَ المني (ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ) أي [مِثل] قِطعة من الدم جامدة [تشبه علقة الناموس ] (ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ ) أي قِطعة لحمٍ ممضوغة يعني ليّنة (مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ) يعني فتسقط المرأة جنينها وهو تامّ الخِلقة وبعضاً يسقط قبل إتمام الخِلقة (لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ) بهذا الانتقال من حال إلى حال كمال قدرتنا (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ ) يعني من نريد أن يبقَى حيّاً (إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ) يعني إلى يوم ولادتهِ (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ ) من بطون اُمّهاتكم (طِفْلًا) بعد طِفلٍ (ثُمَّ) نُعمّركم (لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ) في الكمال والقوّة (وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى ) عند بلوغ الأشُدّ أو قبله (وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ) أي أخسِّه من الهرَم (لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ) أي لكيلا يستفيد عِلماً جديداً وينسَى ماكان بهِ عالماً وذلك لئلّا يغترّ بعلومهِ ويتكبّر بنفسهِ .

ثمّ ذكرَ سُبحانهُ دلالةً اُخرى على البعث فقال (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً ) أي يابسة مُتفطّرة لا نبتَ فيها (فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء ) أي المطر (اهْتَزَّتْ) أي تحرّكت بالنبات (وَرَبَتْ) أي زادت تربتها بسبب المياه وامتصاصها لغاز النتروجين الموجود في الهواء وغاز ثاني أوكسيد الكاربون الّذي أذابتهُ الأمطار بنزولها (وَأَنبَتَتْ) تلك التُربة (مِن كُلِّ زَوْجٍ ) أي من كلّ صنفٍ (بَهِيجٍ) يبهج النفوس بمنظره الجميل وتُسَرّ العيون برؤياهُ .

6 - (ذَلِكَ) إشارة إلى خلق الأطفال من النطفة والنبات من التراب دليل واضح (بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ ) وأنّ ما يدعون من دونهِ هو الباطل (وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى ) إذا شاء (وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .

7 - (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا ) يعني ساعة الموت آتية لا شكّ فيها ، والدليل على أنّها ساعة الموت وليس القيامة قوله تعالى (وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ ) من النفوس ، أي يبعثهم للمحشر والحساب فإنّ الله تعالى ذكر البعث بعد ذكر الساعة ، فلو قصدَ بالساعة القيامة لذَكرَها بعد البعث من القبور ثمّ قوله تعالى . فإنّ الله تعالى لم يقل يُحيي مَن في القبور ، بل قال ( يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ ) ، والبعث هو إرسال الإنسان من مكان إلى مكان آخر ، وكلمة "مَنْ" تُستعمَل للعاقل وكلمة "ما" تستعمل لغير العاقل ، فلو قصدَ بذلك الأجسام الّتي في القبور لقال تعالى يبعثُ ما في القبور . لأنّ الأجسام لا تعقل ولا تفهم . والبعث من القبور خاصّ للكافرين والمشركين ولا يشمل المؤمنين ، لأنّ المؤمنين يصعدون إلى جنّة المأوى حين وقوف الأرض عن دورتها المحوريّة مع الملائكة ولا يبقَى على الأرض إلا المشركون والكافرون ، ولذلك يقولون {يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ } .

8 - (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ ) المؤمنين (فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) عن حقيقة (وَلَا هُدًى ) من رسول هداهُ إليهِ (وَلَا كِتَابٍ ) سماوي درَسهُ (مُّنِيرٍ) فاستنارَ بضوئهِ بل يُجادل بما وجد عليه آباءهُ .

9 - (ثَانِيَ عِطْفِهِ ) عن أرحامهِ ، العطف هو الشفقة والتحنّن ، والمعنى : يمنع شفقتهُ وعطاءهُ عن أرحامهِ لأنّهم آمَنوا (لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ) يعني غايتهُ من ذلك أن يضلّهم عن دين الله ويرجعهم إلى عبادة الأصنام (لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ) أي عار وفضيحة (وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ ) في جهنّم .

10 - (ذَلِكَ) العذاب جزاؤكَ (بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ ) من آثام (وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ) .