كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
25 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ حال الكفّار فقال (إِنَّ الّذينَ كَفَرُوا ) بالقرآن (وَيَصُدُّونَ) الناس (عَن سَبِيلِ اللَّهِ ) أي عن دينهِ (وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) أي ويصدّون المؤمنين عن المسجد الحرام (الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ ) معبداً يعبدون الله فيه (سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ) أي المقيم فيهِ والآتي من بلدٍ آخر للحجّ لا حقّ لأحد أن يمنعه من الحجّ . وكان المشركون يمنعون المسلمين من الصلاة في المسجد الحرام والطواف بهِ ، ومن ذلك يوم الحديبية منعوهم من الحجّ (وَمَن يُرِدْ فِيهِ ) عملاً (بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ) أي من يعبد الأصنام فيهِ أو يعبد الملائكة فيظلم نفسه أو يظلم الناس بصدّهم عنه وعن الصلاة فيهِ (نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) في الآخرة .
26 - (وَإِذْ) تقديرهُ واذكر لهم إذْ (بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ ) أي وطّأنا لإبراهيم مكان البيت وعرّفناهُ مكانهُ في الرؤيا ليبني فوق أساسهِ ، وقلنا لهُ (أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا ) من المخلوقات والمخلوقين . ثمّ وجّه الخطاب إلى النبيّ محمّد فقال (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ ) من الشِرك وعبادة الأوثان (لِلطَّائِفِينَ) حول الكعبة (وَالْقَائِمِينَ) فيهِ للعبادة (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) أي الّذينَ يركعون ويسجدون في الصلاة .
27 - (وَأَذِّن) يا محمّد (فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ) وتقديرهُ فحجّ أنتَ يا محمّد وأذّن في الناس بأن يحجّوا ، أي أسمِعهم بوجوب الحجّ . فأذّنَ النبيّ في حجّةِ الوداع وأعلمهم بوجوبهِ (يَأْتُوكَ رِجَالًا ) أي مشاة على أرجلهم (وَ) رُكباناً (عَلَى كُلِّ ضَامِرٍ ) "الضامر" هو ضامر البطن من الدوابّ أي ليس بالسمين ، ولا الاُنثى الحامل واسعة البطن ، ومن ذلك قول عنترة يصف جواده :
فَلِلهِ دَرّي كَمْ غُبارٍ قَطَعْتُهُ علَى ضامِرِ الجَنْبَيْنِ مُعْتَدِلِ القَدِّ
وقال أيضاً :
إذا نَحْنُ حالَفْنا شِفارَ البَواتِرِ وسُمْرَ القَنا فَوْقَ الجِيادِ الضَّوامِرِ
وقال أيضاً :
نَأتِي الصَّرِيخَ عَلَى جِيادٍ ضُمَّرٍ خُمْصِ البُطُونِ كَأنَّهُنَّ سَعالِي
والمعنى : على كثرتهم يركبون الجيّد من الدوابّ والمهزول منها وبعضهم يمشون على أرجلهم إذْ ليس لهم دوابّ يركبونها (يَأْتِينَ) أي الدوابّ والنّوق (مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) أي من كلّ طريق بعيد . والفجّ هو الطريق بين جبلين ، ومن ذلك قول الشاعر :
حَازُوا الْعِيَالَ وَسَدُّوا الْفِجَاجَ بِأَجْسَادِ عَادٍ لَهَا آبِدَاتِ
28 - (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ) أي ليحضروا مجالس شورى ونوادي اجتماع فيها منافع لهم للتعاون والتوادد فيما بينهم (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ) بالحمد والثناء والتهليل والتكبير والدعاء والصلاة وعند ذبح الأنعام (فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ ) وهي العشر من أوّل ذي الحجّة (عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) أي ويذكروا اسم الله عند ذبح الأنعام (فَكُلُوا مِنْهَا ) أي من لحمها ، إباحةً لكم (وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ) أي المحتاج الّذي ظهرَ عليه أثر البؤس من الفقر ، ومن ذلك قول طَرَفة:
يَغشاهُمُ البائسُ المدفّعُ والضّي === فُ وجارٌ مجاوِرٌ جنُبُ
ولكن اليوم أكثر الحجّاج يذبحون أنعامهم ويرمونها على الأرض في منَى فلا يأكلون منها ولا يطعمون الفقير فتكون جيفة بعد ذلك فبدل أن يستفيد منها الفقير تكون ضرَراً على الناس برائحتها المنتنة وقد تُسبّب أمراضاً للمجتمع وهذا لا يجوز ولا يُقبَل هديهُ ، فيجب على الحاج الّذي يريد أن يقدّم هديه يحضر أحداً من الفقراء ثمّ يذبح هديهُ ويعطيه للفقير ، وإذا لم يجد فقيراً في منَى ليعطيه الذبيحة فعليه أن يدفع ثمنها إلى الفقراء في مكّة إذا لم يجد فقراء في منَى . والأحسن من هذا وأصوب أن يشترك أربعة من الحجّاج في كبش واحد أو عنز فيمدّون أيديهم عليه ويقولون "اللّهمّ إنّ هذا هَديُنا منك وإليك فتقبّل منّا هَديَنا ، إنّك سميعٌ عليم" . ثمّ يُذبَح ويُطبَخ فيأكلون منهُ ويوزّعون على الفقراء ، وإن لم يجدوا فقيراً حولهم فيقدّم بعضهم لبعض من لحمه على سبيل الهديّة . ثمّ عند رجوعهم من منَى إلى مكّة يدفع كلّ واحد منهم ما تبقّى من ثمن الكبش نقوداً إلى الفقراء ، يعني إن كان ثمن الكبش الّذي ذبحوه عشرين ديناراً فعلى كلّ واحد منهم أن يدفع خمسة عشر ديناراً للفقراء ، فيقول "اللّهمّ هذا بقايا هَديِي أنفقتُهُ على الفقراء فتقبّل منّي أنّك سميعٌ عليم" . وبذلك يكون قد ذبح من الأنعام وأكل منها كما أمر الله وأفاد الفقراء بما دفعهُ لهم من نقود.
[المراجِع : ما بيّنهُ المفسّر من حلول لهذه المشكلة كان قبل أن تقوم الحكومة في الحجاز بحلٍّ لهذه المشكلة يتضمّن استلامهم لمبلغ الهدي ثمّ قيامهم بذبح الذبائح في أماكن مخصّصة ومبرّدة ومن ثمّ تصديرها للمسلمين الفقراء . ]
29 - (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) أي لينهوا إحرامهم بحلقِ رؤوسهم وقصّ شعرٍ من شواربهم وتقليم أظفارهم وغير ذلك ممّا هو مُستعمَل في الحجّ (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) إن كان عليهم نذرٌ (وَلْيَطَّوَّفُوا) طواف وداع (بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) أي القديم ، فهو أقدم المساجد على الأرض .
30 - (ذَلِكَ) البيت من حُرُمات الله (وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ ) وهي المسجد الحرام والشهر الحرام والبلد الحرام ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة البقرة {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ } ، (فَهُوَ) أي التعظيم (خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ) في الآخرة (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ ) أي أكل لحومها ، وهي الغنم والمعز والبقر والإبل (إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ) في القرآن من تحريم بعضها . وهو ما جاء في سورة المائدة من تحريم الميتة والمنخنقة والموقوذة إلى آخره (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ ) أي اجتنبوا من أن يُصيبكم مرض من الأوثان ، يعني مرض نفسي بعبادتكم لها ومرض جسماني بلمسها وتقبيلها وذلك بانتقال العدوى من المريض إلى السليم (وَاجْتَنِبُوا) قولهم (قَوْلَ الزُّور ) أي الكذِب والبهتان ، وهو قول المشركين من العرب في التلبية : "لبّيكَ لا شريكَ لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك" يعنون بذلك الصنم هُبل .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |