كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة المؤمنون من الآية( 14) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

14 - (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) ، وقد سبق شرح كلمة "تبارك" في سورة الأعراف في آية 54 ، وإليك ما قاله أحد العلماء : "لقد ذكر الله تعالى الأدوار الّتي يمرّ بها الجنين وهو في عالم الغيب ، وقبل أن تتمكّن علوم التشريح والطب من تصوير هذا الجنين فيقول الله تعالى (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً ) ... وقد أوضح علم التشريح والأجنّة أنّ ما وردَ في القرآن هو ترتيب خلق الجنين ، وأنّهُ لم يمكن الاستعاضة عن ألفاظ القرآن بغيرها . فعند التناسل يفرز الرجل 26 مليون حيوان منوي صغير الحجم ، للحيوان رأس مُفلطَح وذيل طويل ، وتتمّ حركتهُ بواسطة قوّة اندفاع ولولبيّة ذيله ، ومتَى وصلت إلى مهبل الاُنثى قابلت بويضة الاُنثى فيندمج فيها حيوان واحد ، وتأخذ البويضة الملقّحة في الانقسام إلى إثنين ثمّ أربع فثمان فستّ عشرة ، وهكذا يكوّن شكلاً مُستطيلاً مُشابهاً لعلقة الناموس الّتي تُعرف باليرقان ، ويستمرّ الجنين علقة بشكلهِ المستطيل مُدّة تقرب من الأربعين يوماً ، وبعد ذلك تستدير هذه العلقة الّتي زادت بانقسامها وتكون كرويّة بغير انتظام ، وتشابه عندئذٍ قِطع اللّحم الممضوغة في كرويّتها وليونتها ، وتُسمّى بالمضغة ، ولا يزيد طولها عن ربع بوصة ، وبذلك يكون قد زادَ حجم البويضة الملقّحة خمسين ضعفاً ، ويزداد وزنها ثمانية آلاف ضعف !!

وتأخذ بعد ذلك المضغة في الانقسام إلى عديد من الخلايا ، وتتّحد فئات هذه الخلايا ، إذْ تتخصّص كلّ فئة منها لإنتاج أجزاء مُعيّنة من الجنين .. فالجزء الخارجي من المضغة يقوم بعمل الجلد والجهاز العصبي ، والجزء الأوسط منها يكوّن العظام والعضلات والأوعية ، والجزء الداخلي يكوّن الأحشاء . وهكذا يمرّ خلق الجنين من نطفة إلى علقة إلى مضغة وبعد ذلك تنشأ العضلات ومعها العظام . وفي معظم أحوال النموّ العظمي ينشأ أوّلاً طراز من العظم أكثر شفّافيّة منهُ وأقلّ صلابة وأشدّ رخاوة هو الغضروف الّذي يترسّب حولهُ مادّة العظم ، وفي الشهر الثالث تنشأ أماكن الأسنان في عظام الفكّين وتتكوّن براعم الأسنان اللّبنية ، وتتكوّن عظام الأصداغ والعظام الأنفيّة ، وتنشط الخلايا في كافّة أجزاء المضغة مكوّنةً الأجهزة والأنسجة الّتي تكسو العظام المتكوّنة لحماً . وبذلك يتكوّن الجنين على الصورة الّتي أوردها القرآن دون تغيير أو تبديل.

أمّا "القرار المكين" الّذي وردَ في هذه الآية فلا يشهد بدقّتهِ إلا من درسَ علم التشريح والأجنّة ، إذ يقول العِلم: أنّ المضغة تتكوّن من " قُرص مضغي" ، أسفلهُ كهف يسمّى "الكيس الصفاري" الّذي ينفصل في الشهر الثاني للمضغة ، وأعلاهُ كهف آخر تنشأ منهُ قِربة مُمتلئة بالماء تسمّى "السلى" تحيط بالمضغة إحاطة تامّة إلا حيث يتّصل بها الحبل السري الغليظ ، وهكذا تسبح المضغة في غلاف مائي يمنع عنها الصدمات أو الارتطامات !!

15 - (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ ) أي بعد إتمام الخلقة (لَمَيِّتُونَ) عند انقضاء آجالكم .

16 - (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ) للحساب والجزاء .

17 - (وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ) أي سبع طبقات غازيّة لسكنى الجن ، ولكلّ طبقة منهم طريقة يسيرون عليها ، أي مذهباً يدينون به . فكلمة طرائق جمع ومفردها طريقة وهي الشريعة والمذهب ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الجن حاكياً عن لسانهم : { كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا } أي كنّا مذاهب مختلفة متقطّعة . (وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ) لا عن الجن ولا عن الإنس .

18 - (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ ) أي من الطبقات الغازيّة (مَاءً بِقَدَرٍ ) أي بقدر الحاجة (فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ) على الجبال بهيئة ثلوج وفي داخلها على هيئة ينابيع وبين الجبال يجري على هيئة أنهار وما زادَ يذهب إلى المنخفضات فيكون أبحراً (وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ) بأن نبخّرهُ بحرارة الشمس ولا نعيده مطراً أو نُلقيهِ على الأقطاب الباردة على هيئة ثلوج مُتراكمة بعيداً عنكم ، ولكن من رحمتنا بكم لم نفعل ذلك .

19 - (فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ ) أي بالماء (جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ) يعني ومن البساتين تأكلون أثماراً اُخرى غير الفواكه الّتي في الأشجار ، ويريد بذلك المخضّرات كالخيار والقِثاء والبطّيخ والطماطة وغير ذلك .

20 - (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ ) وهي شجرة الزيتون ، وسيناء إسم الصحراء الّتي فيها جبل الطور ، وقوله (تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ ) يعني أصلها من ذلك الجبل ثمّ سقطت ثمرتها في الوادي القريب من الجبل فنبتت نواتها في الوادي وتكاثرت فيه ، وقوله (تَنبُتُ بِالدُّهْنِ ) "الدهن" هي النُقر والمنخفضات بين الجبال تجتمع فيها مياه الأمطار وكلمة "دهن" هي عامّية وليست فصيحة حيث أنّ الكلمة الفصيحة هي كلمة "زيت" والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة النــور {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ } ، وقوله (وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ ) يعني وزيتها صبغ للآكلين ، أي يصبغ اللّقمة بغمسها فيهِ وهو الزيت ، وفي ذلك قال الراجز :

                                      تَزَجَّ مِنْ دُنْياكَ بالبَلاغِ      وباكِرِ المِعْدَةَ بالدِّباغِ
                                     بِكِسْـرَةٍ لَـيِّنَةِ الـمَـضـاغِ     بالمِلْحِ أوْ ما خَفَّ مِنْ صِبَاغِ

21 - (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً ) أي دلالةً على قدرة الله وحكمتهِ (نُّسقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا ) وهو اللّبن (وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ ) غير اللّبن كالصوف والشعر والوبر والجلود (وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ) أي من جُبنها وزبدها ودهنها وخاثرها تأكلون علاوةً على لحمها .

22 - (وَعَلَيْهَا) أي على الإبِل (وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ) يعني في البحر تُحمَلون على الفُلك وهي السفُن ، وفي البرّ تحمَلون على الإبِل . ثمّ بيّنَ سُبحانهُ أنّ أكثر الناس كفروا بهذهِ النِعم وعبدوا الأصنام وكذّبوا الرُسُل فقال تعالى :

------------------------------------
الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم