كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة النّور من الآية( 40) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

40 - ثمّ ضربَ مثَلاً آخر في ضياع عمله ، فقال تعالى (أَوْ) مثَلهُ (كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ ) أي عميق الغور ، ومن ذلك قول النابغة الذبياني يعاتب امرأةً :

                                       فإنْ كانَ الدَّلالُ فَلا تَلُجِّي      وَإنْ كانَ الوَداعُ فبِالسَّلامِ

فقول الشاعر " فَلا تَلُجِّي" يعني لا تتعمّقي فيهِ ولا تُكثري،
(يَغْشَاهُ مَوْجٌ ) أي يُغطّيهِ موج الماء (مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ ) أي من فوق موج الماء موج آخر وهو موج الهواء (مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ) يعني من فوق موج الهواء سحاب ، والوقت ليلاً فكانت (ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ) ظلمة اللّيل وظلمة السحاب وظلمة البحر (إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ) لشدّة الظلام ، وكان هذا المشرِك راكباً سفينةً وهيَ سائرة وسط البحر وقد سقط متاعهُ في البحر فهل يجدهُ ؟ كلاّ لا يجد منهُ شيئاً ، وذلك إن كان المتاع ثقيلاً فقد نزل إلى قعر البحر ، وإن كان خفيفاً ذهبت بهِ الأمواج وخسِر متاعهُ .

فكذلك المشرِك تذهب أعماله الصالحة أدراج الرياح فلا يجد منها شيئاً في الآخرة ، وقوله (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا ) أي هادياً (فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ ) أي فليس لهُ هادٍ ومُرشد يرشده إلى طريق الحقّ . فيجب على الإنسان أن يسأل من الله الهداية إلى طريق الحقّ فيقول ربّي إن كنتُ على طريق مُستقيم فثبّتني عليهِ ، وإن كنتُ على ضلال فاهدِ قلبي إلى طريق الحقّ واجعل لي سبباً لهدايتك ووفّقني إلى ما تُحبّ وترضى إنّكَ على كلّ شيءٍ قدير . فإنّ الله تعالى يستجيب له ، ولكن بشرط أن يكون ذلك الإنسان رحيم القلب يعطف على الفقراء والمساكين غير ظالم ولا منافق ولا بخيل ، لأنّ الله تعالى يكره المنافقين والظالمين والبُخَلاء ولا يهديهم ، وذلك قوله تعالى في سورة إبراهيم {وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء } .

41 - (أَلَمْ تَرَ ) يعني ألم تعلم (أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) أي من في الكواكب السيّارة ومن جملتها الأرض ، فالمؤمنون يُسبّحون الله في الدنيا والآخرة ، والكافرون ينقادون إلى الحقيقة بعد موتهم وانتقالهم إلى عالم النفوس ولكن لا فائدة من ذلك (وَالطَّيْرُ) تسبّحهُ بلغاتها وهيَ (صَافَّاتٍ) في جوّ السماء (كُلٌّ) من الطير والإنسان (قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ) وهو تغريدها واختلاف أصواتها (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ) فلا تَخفَى عليه خافية .

42 - (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) يهبُ من مُلكهِ لمن يشاء وينزعهُ ممّن يشاء (وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) أي مصير النفوس فيحكم فيها بالعدل .

43 - (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا) أي يُنشئ سحاباً من البحار ثم يسوقه إليكم ، فكلمة "يزجي" معناها يسوق ، ومن ذلك قول جرير :

                                     يا أيّهَا الرّاكِبُ المُزْجي مَطيّتَهُ      بَلِّغْ تَحِيّتَنَا لُقّيتَ حُمْلانَا

(ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) أي يجمع بينه ، وتدلّ هذه الكلمة على أنّ السحاب فيه تجاذب ، فالجديد منه المرتفع من البحار يجذب القديم ، لأنّ السحاب الجديد يكون ساخناً والقديم يكون بارداً ، فالساخن منه يجذب البارد ، (ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا) أي كثيراً متراكماً بعضه فوق بعض (فَتَرَى الْوَدْقَ) أي المطر القريب من الأرض ، من ذلك قول الشاعر :

                                              فلا مُزنةٌ ودقتْ ودْقَها      ولا أرض أبقَلَ إبقالها

وقالت الخنساء :
                                  حامي الحقيقةِ بسّالُ الوديقةِ مِعْ===تَاقُ الوسيقةِ جَلدٌ غيرُ ثنيانِ

فقولها بسّال الوديقة، يعني يعزل من كانت قريبته فينجيها من أسر الأعداء .
(يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ) يعني من خلال السحاب وينزل إلى الأرض (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ) أي من الفضاء من الطبقات الغازية (مِن جِبَالٍ فِيهَا) أي في السماء ، وهي السحب ومنها يتكون البرد وهو ما يسمى عند العامّة "حالوب" في أوقات معينة وغالباً في فصل الخريف وذلك قوله تعالى (مِن بَرَدٍ) أي بالبرد (فَيُصِيبُ بِهِ) أي بالبرد (مَن يَشَاءُ) إتلاف زرعه (وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ) ضمير الهاء من "برقه" تعود للسحاب ، والمعنى لمعان الشرارة الكهربائية شديدة الإنارة حين تكوينها بالسحاب ، يكاد لمعانها (يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) لقوته وشدته وبريقه في الظلام . و"السنا" هو الشعاع والنور ، ومن ذلك قول امرئ القيس :


                                   أصَاحِ تَرَى بَرْقاً أُرِيْكَ وَمِيْضَـهُ      كَلَمْـعِ اليَدَيْنِ فِي حَبِيٍّ مُكَلَّـلِ
                                   يُضيءُ سَناهُ أو مَصابيحُ راهِبٍ      أمالَ السَّليطَ بالذُّبالِ الْمُفَتَّلِ

وقال عنترة :
                                          شبيهُ اللّيلِ لوني غيرَ أَنّي      بفعلي منْ بياضِ الصُّبح أَسنَى


وقال أبو سفيان بن الحارث :
                                   يَدعُو إلى الحقِّ لا يَبغي بهِ بَدلاً      يجلو بضوءِ سناهُ داجِيَ الظُلَمِ

44 - (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللّيل وَالنَّهَارَ ) باختلافهما وزيادة أحدهما على الآخر ، وذلك بسبب حركة الأرض ودورانها حول محورها (إِنَّ فِي ذَلِكَ ) التقلّب ودوران الأرض (لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ ) أي الّذينَ يتبصّرون في آيات الله سُبحانهُ وتعالَى .

45 - (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ) أي كلّ حيوان يدبّ على الأرض (مِن مَّاءٍ ) وهي النُطفة (فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ ) وهي الحيّة والدود والسمك (وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ ) وهم الإنس والجن والطير (وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ ) وهي الأنعام والوحوش والسباع والخيل والحمير وغير ذلك (يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) من مخلوقات اُخرى (إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم