كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
106 - (يَوْمَ ) القيامة (تَبْيَضُّ وُجُوهٌ ) بالبشارة بدخول الجنّة وما يصيبها من سرور (وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ) لِما يصيبها من حُزنٍ وكآبة . فبياض الوجوه كناية عن سرورها ، وسواد الوجوه كناية عن حزنِها وكآبتِها (فَأَمَّا الّذينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ ) يقال لَهم (أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) وهم الّذينَ ارتدّوا عن دين الإسلام بعد وفاة النبيّ ، والّذينَ اختلفوا عن دين التوحيد فأشركوا وغيّروا دينهم من بعد ما جاءَهم البيّنات ، ويدخل ضمن الآية كلّ منافق ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة النساء {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ } ، (فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ) .
107 - (وَأَمَّا الّذينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ ) وهم المؤمنون بالله وبرُسُله وعملوا الصالحات ولم يُشركوا بربّهم أحداً (فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ ) وهي الجنّة (هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) أي دائمون فيها لا يخرجون منها .
108 - (تِلْكَ ) الآيات الّتي ذكرناها لك (آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ ) يا محمّد ، أي نقرأها عليك (بِالْحَقِّ ) أي بتبيان الحقّ لا اختلاف فيها (وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ ) بأن يتركهم يتخبّطون في الكفر والجهالة ثمّ يُعذّبهم بدون أن يُرسل لهم رسولاً يُعلّمهم ويُرشدهم إلى طريق الحقّ . والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الإسراء {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }
109 - (وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ) الغازيّة من طيور تطير ورزقٍ كثير (وَمَا فِي الأَرْضِ ) من مالٍ وفير فيهب منهما لمن يؤمن بالله ويدعو إلى الخير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر (وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الاُمور ) بعد فراقها من الأجسام ، يعني إلى الله ترجع نفوسكم بعد الموت فيجازيكم على أعمالكم . فالأمر كناية المخلوقات الروحانية : كلّ قسم منها يُسمّى أمر وجمعها أمور .
110 - (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) ، والمعنى : ذكرتهم في الكتب السماويّة السابقة بأنّ نبيّكم خير الأنبياء واُمّته خير الاُمَم ظهرت للناس ، والمراد بهم المؤمنون من أمّة محمّد (ع) . (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ) وحده ولا تشركون به شيئاً (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ ) كإيمانكم ولم يشركوا (لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ) من بقائهم على دينهم (مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ ) كعبد الله بن سلام وأصحابه من اليهود والنجاشي وأصحابه من النصارى أسلموا وآمنوا (وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ) أي الخارجون عن طاعة الله ، لأنّهم عرفوا الحقّ وأنكروه .
111 - عمد رؤساء اليهود إلى من أسلم منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه وأنّبوهم ، فنزلت هذه الآية (لَن يَضُرُّوكُمْ ) اليهود بأفعالِهم (إِلاَّ أَذًى ) بألسنتِهم (وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ) منهزمين عنكم (ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ) . وعد الله المؤمنين بالنصر على اليهود وأنّهم لا ينالهم مضرّة من اليهود إلاّ أذىً من جهة الكلام فقط .
112 - (ضُرِبَتْ) أي اُنزلت واستحكمت (عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ ) من الله بسبب حِقدهم وكفرهم وسوء أعمالِهم (أَيْنَمَا ثُقِفُواْ ) يعني أينما وُجِدوا (إِلاَّ) معتصمين (بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ ) ، والمعنى : ضُرِبت عليهم الذلّة في كلّ حين إلاّ في حال تمسّكهم بحبلٍ من الله وحبلٍ من الناس ، فحبل الله هو الكتاب السماوي ، وحبل من الناس هو النبي المعاصر لكلّ زمان فيهم ، والمعنى : إذا كانوا متمَسّكين بالتوراة يعملون بأحكامها لا يحيدون عنها ، ومُتمسّكين أيضاً بأقوال نبيّهم المعاصر لهم ففي ذلك الحين كانوا أعزّة غير أذلّة (وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ ) إستوجبوه بسبب كفرهم وإشراكهم ، يعني رجعوا بعد عِزّهم بغضب من الله ، ومن ذلك قول الحُطيئة :
تَنادَوْا فَحَثّوا لِلتفَرّقِ عِيرَهُمْ فَباؤوا بِجَمّاءِ العِظامِ قَتولِ
(وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ) أي الخضوع والانقياد لحُكم غيرهم كرهاً (ذَلِكَ) الذلّ جزاؤهم في الدنيا (بِأَنَّهُمْ) أي بسبب أنّهم (كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ) أي بغير ذنبٍ أذنبوهُ (ذَلِكَ) الغضب استَوجبوه (بِمَا عَصَوا ) أمر الله (وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ) على رُسُل الله .
113 - لَمّا نزلت الآية السالفة في ذمّ اليهود قالوا إذاً كلّ اليهود كافرون وكلّهم في جهنّم على حدّ قولكم حتّى الّذينَ أسلموا ، فنزلت هذه الآية (لَيْسُواْ) اليهود كلّهم (سَوَاءً) في الأعمال والأقوال بل (مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ ) أي جماعة (قَآئِمَةٌ) بالحقّ لأنّهم أسلموا وآمنوا ، وهم عبد الله بن سلام وأصحابه (يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ ) أي يقرأون القرآن (آنَاء اللّيل ) يعني في أوقات من اللّيل (وَهُمْ) مع ذلك (يَسْجُدُونَ) شكراً لله على هدايته لهم ، ويسجدون أيضاً إذا مرّت عليهم آية فيها سجدة .
114 - (يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ) وحدهُ لا يُشركون بهِ (وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) يعني ويؤمنون بيوم القيامة ، لأنّه يكون في آخر يوم من أيّام الأرض لأنّها تتمزّق في ذلك اليوم فلا يكون بعد ذلك فيها ليلٌ أو نهار (وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ ) في عمل (الْخَيْرَاتِ) وأدائها للفقراء والمحتاجين (وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ) وليسوا من جملة اليهود الفاسقين . فقالت اليهود لا يؤجَر هؤلاء مهما صلّوا وصاموا لأنّهم تركوا دين موسى واتّبعوا دين محمّد . فنزلت هذه الآية :
115 - (وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ ) أي فلن نجحدهُ بل نجازيهم عليه أضعافاً مُضاعفة (وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ) فلا نلتفت إلى قول اليهود فيهم .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |