كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة آل عمران من الآية( 109) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

109 - (وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ) الغازيّة من طيور تطير ورزقٍ كثير (وَمَا فِي الأَرْضِ ) من مالٍ وفير فيهب منهما لمن يؤمن بالله ويدعو إلى الخير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر (وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الاُمور ) بعد فراقها من الأجسام ، يعني إلى الله ترجع نفوسكم بعد الموت فيجازيكم على أعمالكم . فالأمر كناية المخلوقات الروحانية : كلّ قسم منها يُسمّى أمر وجمعها أمور .

110 - (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) ، والمعنى : ذكرتهم في الكتب السماويّة السابقة بأنّ نبيّكم خير الأنبياء واُمّته خير الاُمَم ظهرت للناس ، والمراد بهم المؤمنون من أمّة محمّد (ع) . (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ) وحده ولا تشركون به شيئاً (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ ) كإيمانكم ولم يشركوا (لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ) من بقائهم على دينهم (مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ ) كعبد الله بن سلام وأصحابه من اليهود والنجاشي وأصحابه من النصارى أسلموا وآمنوا (وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ) أي الخارجون عن طاعة الله ، لأنّهم عرفوا الحقّ وأنكروه .

111 - عمد رؤساء اليهود إلى من أسلم منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه وأنّبوهم ، فنزلت هذه الآية (لَن يَضُرُّوكُمْ ) اليهود بأفعالِهم (إِلاَّ أَذًى ) بألسنتِهم (وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ) منهزمين عنكم (ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ) . وعد الله المؤمنين بالنصر على اليهود وأنّهم لا ينالهم مضرّة من اليهود إلاّ أذىً من جهة الكلام فقط .

112 - (ضُرِبَتْ) أي اُنزلت واستحكمت (عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ ) من الله بسبب حِقدهم وكفرهم وسوء أعمالِهم (أَيْنَمَا ثُقِفُواْ ) يعني أينما وُجِدوا (إِلاَّ) معتصمين (بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ ) ، والمعنى : ضُرِبت عليهم الذلّة في كلّ حين إلاّ في حال تمسّكهم بحبلٍ من الله وحبلٍ من الناس ، فحبل الله هو الكتاب السماوي ، وحبل من الناس هو النبي المعاصر لكلّ زمان فيهم ، والمعنى : إذا كانوا متمَسّكين بالتوراة يعملون بأحكامها لا يحيدون عنها ، ومُتمسّكين أيضاً بأقوال نبيّهم المعاصر لهم ففي ذلك الحين كانوا أعزّة غير أذلّة (وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ ) إستوجبوه بسبب كفرهم وإشراكهم ، يعني رجعوا بعد عِزّهم بغضب من الله ، ومن ذلك قول الحُطيئة :

                               تَنادَوْا فَحَثّوا لِلتفَرّقِ عِيرَهُمْ      فَباؤوا بِجَمّاءِ العِظامِ قَتولِ

(وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ) أي الخضوع والانقياد لحُكم غيرهم كرهاً (ذَلِكَ) الذلّ جزاؤهم في الدنيا (بِأَنَّهُمْ) أي بسبب أنّهم (كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ) أي بغير ذنبٍ أذنبوهُ (ذَلِكَ) الغضب استَوجبوه (بِمَا عَصَوا ) أمر الله (وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ) على رُسُل الله .

113 - لَمّا نزلت الآية السالفة في ذمّ اليهود قالوا إذاً كلّ اليهود كافرون وكلّهم في جهنّم على حدّ قولكم حتّى الّذينَ أسلموا ، فنزلت هذه الآية (لَيْسُواْ) اليهود كلّهم (سَوَاءً) في الأعمال والأقوال بل (مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ ) أي جماعة (قَآئِمَةٌ) بالحقّ لأنّهم أسلموا وآمنوا ، وهم عبد الله بن سلام وأصحابه (يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ ) أي يقرأون القرآن (آنَاء اللّيل ) يعني في أوقات من اللّيل (وَهُمْ) مع ذلك (يَسْجُدُونَ) شكراً لله على هدايته لهم ، ويسجدون أيضاً إذا مرّت عليهم آية فيها سجدة .

114 - (يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ) وحدهُ لا يُشركون بهِ (وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) يعني ويؤمنون بيوم القيامة ، لأنّه يكون في آخر يوم من أيّام الأرض لأنّها تتمزّق في ذلك اليوم فلا يكون بعد ذلك فيها ليلٌ أو نهار (وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ ) في عمل (الْخَيْرَاتِ) وأدائها للفقراء والمحتاجين (وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ) وليسوا من جملة اليهود الفاسقين . فقالت اليهود لا يؤجَر هؤلاء مهما صلّوا وصاموا لأنّهم تركوا دين موسى واتّبعوا دين محمّد . فنزلت هذه الآية :

115 - (وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ ) أي فلن نجحدهُ بل نجازيهم عليه أضعافاً مُضاعفة (وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ) فلا نلتفت إلى قول اليهود فيهم .

116 - (إِنَّ الّذينَ كَفَرُواْ ) بالقرآن وبمحمّد (لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ ) أي لن تدفع عنهم (أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ ) عذاب (اللّهِ شَيْئًا وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) يوم القيامة .

117 - (مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ ) لغير الله (فِي هِـذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ ) تقديره : مثَل إهلاك ما ينفقون كمثَل إهلاك ريح (فِيهَا صِرٌّ ) أي فيها برد شديد ، ومن ذلك قول الخنساء :

                        والمشْبِعُ القومَ إنْ هَبّتْ مُصرْصِرَةٌ      نَكْباءُ مُغْبَرّةٌ هَبّتْ بِصُرّادِ

وقال امرؤ القيس يصف فَرَسَه :

                                     لَها غُدُرٌ كقرونِ النسا === ءِ رُكّبنَ في يومِ ريحٍ وصِرْ

فالرياح الباردة تُسمّى "صِرٌّ" وجمعها "أصرار" ، ومن ذلك قول جرير يصف امرأةً ترعى الإبل ليلاً :

                             قَدْ طالَ رعيتُها العَواشِي بعدَما      سقطَ الجليدُ وهبّتِ الأصرارُ

(أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ) أي زرعهم (ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ) بقطع الزكاة عن مستحقّيها (فَأَهْلَكَتْهُ) فخسِروا زرعهم وذهبت أتعابهم أدراج الرياح (وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ ) في إهلاك زرعهم (وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) لأنّهم حرموا الفقير من الزكاة فحُرِموا من زرعهم . فكذلك الذي يُنفق مالَهُ لغير الله فلا يُجزَى عليه ولا تُصيبه إلاّ الندامة والخسران .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم