كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
127 - (لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الّذينَ كَفَرُواْ ) أي ليُهلك جماعة منهم بالقتل والأسر ، وهو ما كان يوم بدر فقد قُتِل سبعون واُسِر سبعون من كفّار قريش (أَوْ يَكْبِتَهُمْ ) يعني أو يُخزيهم بالهزيمة ويُذلّهم ، ومن ذلك قول الأعشى يمدح الأسود بن المنذر اللخمي :
أنتَ خيرٌ من ألفِ ألفٍ من القومِ إذا ما كبَتْ وجُوهُ الرجالِ
وقال جرير :
إنّ امْرَءاً كَبَتَ العَدُوَّ ويَبْتَنِي فِينَا المحامدَ حقُّهُ أنْ يُحمَدَا
(فَيَنقَلِبُواْ) إلى أهلهم (خَآئِبِينَ) غير ظافرين .
128 - كان رسول الله يدعو للمشركين من قريش بالهداية فيقول : "اللهمّ اهدِ قومي فإنّهم لا يعلمون" . فنزلت (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ ) أي ليس لك من أمر هدايتهم شيء وإنّما أمرهم إلى الله ، ونظير هذه الآية في سورة القصص قوله تعالى {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء } ، (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ ) بسبب كفرهم (فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ) مُستحقّون للعذاب ، والمعنى : ليس لك أمر هدايتهم يا محمّد فتدعو لقومك بل الأمر كلّهُ لله فمن كان منهم مهيّأً للهداية فإنّ الله يهديه للإسلام ويتوب عليه ومن كان لا يستحقّ الهداية لأنّه ظالم يظلم الناس فإنّ الله لا يهديه بل يُعذّبه في الدنيا بالقتل والأسر والهزيمة وفي الآخرة بالنار .
129 - (وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ) الغازيّة من مواد مُهلِكة فيسلّطها على من يشاء أن ينتقم منه ، وذلك كالرياح العواصف وأحجار النيازك والأمطار الغزيرة والصواعق المحرقة والبَرَد (الحالوب) المتلِف للزرع والحرّ الشديد والبرد المميت . ثمّ أخذَ سُبحانهُ يبيّن المواد المهلِكة الَتي في الأرض فقال (وَمَا فِي الأَرْضِ ) من أسباب مُهلِكة وذلك كالخسف والزلزال ، والبركان الذي يحرق ويدمّر المنطقة كلّها ، والسيول الّتي تجرف الرجال والأموال ، والبحار الّتي تغرق البواخر ومن فيها ، والحشرات الّتي تفتك بالمزروعات ، والميكروبات الّتي تفتك بالأحياء وغير ذلك من الأذى للإنسان والتلف لمالِهِ وماشيتهِ . وقد سبق شرحها في سورة البقرة آية 285 ، (يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء ) أي يغفر لمن يُنفق من هذه الأموال على الفقراء والمحتاجين في سبيلهِ (وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء ) أي يعذّب من يبخل بمالهِ ولا ينفق منهُ على الفقراء والمساكين (وَاللّهُ غَفُورٌ ) للمنفِقين في سبيلهِ (رَّحِيمٌ) بالمساكين إذْ أوصى لهم بالزكاة . وفي الحديث القُدسي قال الله تعالى : "المال مالي والفقراء عِيالي فمن بخلَ من مالي على عيالي أدخلتهُ النار ولا أبالي"
130 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ) مال (الرِّبَا) فهو حرام ولا تُضاعفوا المال على المديون (أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ) بزيادة الأجَل ، يعني كلّما طلب المديون تأجيل الدَّين لأنّه مُعسِر لا يوجد لديه نقود ليدفعها لكم عن دَينهِ ضاعفتم عليه النقود في الصكّ وطلبتم منه الزيادة (وَاتَّقُواْ اللّهَ ) في أكل مال الرِّبا وفي الزيادة والمضاعَفة (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) في الآخرة .
131 - (وَاتَّقُواْ النَّارَ ) أي تجنّبوا عذابَها (الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) بنِعَم الله : الّذينَ يأكلون نِعمة الله ولا يرحمون الفقراء والمساكين بشكر تلك النِّعمة .
132 - (وَأَطِيعُواْ اللّهَ ) فيما أمركم بهِ (وَالرَّسُولَ) فيما دعاكم إليهِ (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) .
133 - (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ) تنالونها بإنفاقكم على الفقراء والمساكين (وَجَنَّةٍ) يعني وإلى جنّةٍ تدخلونها (عَرْضُهَا) أي سِعتها ، والشاهد على ذلك قول امرئ القيس :
بِلادٌ عَرِيضَة ٌ وأرْضٌ أرِيضَة ٌ مَدَافِعُ غَيْثٍ في فضاءٍ عَرِيضِ
(السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ) يعني سِعتها على قدر الكواكب السيّارة ومن جملتها الأرض مع سعة انتشارهنّ في الفضاء (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) أي للّذِينَ يتجنّبون المعاصي ، وقد سبق تفسير هذه الآية في كتابي الكون والقرآن .
134 - ثمّ وصف المتّقين فقال تعالى : (الّذينَ يُنفِقُونَ ) أموالهم (فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء ) أي في حال السرور وفي حال الأحزان لا يمنعهم حادث عن الإنفاق (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ) عمّن ظلمهم أو آذاهم (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ) أخطاءهم (وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) مع الناس ، يعني : مَن فعلَ هذه الخِصال فهو مُحسن والله يُحبّهُ ويدخله جنّاتهِ .
135 - (وَالّذينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ) بارتكاب معصية ، والدليل عليه قولهُ تعالى في سورة النساء {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا } ، (ذَكَرُواْ اللّهَ ) في الحال ، أي ذكروا عقابه (فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ ) وتابوا (وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ ) يعني فمن أحقّ بغفران الذنوب منه (وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ ) من فاحشة أو ارتكاب معصية ، والإصرار على الشيء هو الثبات على رأيهِ وعلى عملهِ ، والمعنَى : بشرط أن لا يعودوا إلى فعل تلك الفاحشة ولا ينووا إعادتها في المستقبل (وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) أنّ الإصرار على المعصية لا تُقبل معه التوبة .
136 - (أُوْلَـئِكَ) إشارة إلى من تقدّم ذكرهم من المتّقين الّذينَ ينفقون أموالهم في السرّاء والضرّاء (جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ ) لهم في الآخرة (تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) أجرهم . تستعمل كلمة "نِعْمَ" للمدح وبيان الشيء الحسَن ، ومن ذلك قول عنترة :
ونِعْمَ فَوارِسُ الهَيجاءِ قَومِي إذا عَلَقوا الأسِنّةَ بالبَنانِ
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |