كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
149 - لَمّا كانت الهزيمة لِلمسلمين يوم اُحُد قال بعض المشركين للمسلمين إرجعوا إلى دينكم ودين آبائكم ولا تقتلوا أنفسكم مع محمّد ، فنزل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الّذينَ كَفَرُواْ ) في أقوالهم (يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) كفّاراً (فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ ) بعد أن كنتم رابحين .
150 - (بَل) أطيعوا (اللّهُ مَوْلاَكُمْ ) أي الّذي يتولّى أموركم وشؤونَكم ويرعاكم (وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ) لكم .
151 - (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الّذينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ ) في الحرب القادمة (بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ ) أي بسبب أنّهم أشركوا بعبادة الله (مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ) أي لم ينزّل في الكتب السماويّة شيئاً من ذلك ليكون لهم برهاناً وحجّةً على قولهم واعتقادهم بل أمرَ الله بنبذ الأصنام واجتناب الأنداد ، فلهم اللّعنة على إشراكهم (وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ) الّذينَ يظلمون الضعفاء .
152 - (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ ) بالنُصرة على أعدائكم (إِذْ تَحُسُّونَهُم ) في بادئ الأمر ، أي تستأصلونهم من أرض اُحُد مُدبِرينَ عنكم . لأنّ المشركين انهزموا في بادئ الأمر والمسلمون خلفهم ، ومن ذلك قول جرير :
تَحُسُّهُمُ السُيوفُ كَما تَسامَى حَريقُ النّارِ في أَجَمِ الحَصِيدِ
وقال أوس :
فما جَبُنُوا أَنَّا نَشُدُّ عليهِمُ ولكن لَقُوا ناراً تَحُسُّ وتَسْفَعُ
(بِإِذْنِهِ) أي بإذنٍ من الله لكم ، وذلك قوله تعالى في سورة التوبة {وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً } ، (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ ) في أمر عبد الله بن جبير والرُماة من أصحابهِ ولم تنجح هذه الخطّة (وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ ) أي وكان الفشل في هذه الخطّة بسبب تنازعكم في الأمر ، لأنّ الرماة تنازعوا مع عبد الله بن جُبير فقالوا نذهب مع إخواننا لنغنم ، فقال لهم ألم يقل لكم رسول الله لا تبرحوا مكانكم ؟ (وَعَصَيْتُم) أمر نبيّكم (مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم ) الله (مَّا تُحِبُّونَ ) من النُّصرة على أعدائكم وهزيمتهم والغنيمة من أموالِهم ، ثمّ تغلّبت عليكم أعداؤكم لأنّكم انقسمتم قِسمَين (مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا ) فيترك مكانه ويذهب وراء الغنيمة (وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ) فيثبت مكانه ولا يلتفت إلى الغنيمة وهم عبد الله بن جُبير ومن قُتِلَ معه (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ ) إلى المدينة لينجيكم من شرّهم ولتشفى جروحكم ولتسكن نفوسكم ، والمعنى : ثمّ أرجعكم إلى المدينة وألقى الرعب في قلوب المشركين ليرجعوا إلى مكّة وينتهي القتال فيما بينكم وبينهم في ذلك اليوم (لِيَبْتَلِيَكُمْ) أي ليختبركم هل تصبرون أم تضجرون (وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ) في هذه المرّة إذْ ندمتم على ما فرط منكم وذلك بفضلٍ منه عليكم (وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) إذْ هداهم إلى دين الإسلام فآمَنوا .
153 - ثمّ ذكر المنهزمين من أصحاب النبيّ يوم اُحُد فقال تعالى (إِذْ تُصْعِّدُونَ ) معناهُ ولقد عفا عنكم يوم اُحُد إذ تذهبون في وادي اُحُد وتصعدون على تلالهِ فِراراً من العدوّ (وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ ) أي ولا تلتفتون على أحَدٍ من قومكم جرحى كانوا أم قتلى (وَالرَّسُولُ) محمّد (يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ ) أي يناديكم من ورائكم فيقول "ارجعوا إليَ عباد الله ، أنا رسول الله!" (فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ ) أي فجازاكم غمّاً على غمّ ، أي غمّاً بالهزيمة بسبب غمّكم للرسول بمخالفته إذ خالفتم أمره وتركتم أماكنكم فحلّ بكم ما حلّ ، ولقد عرّفناكم سبب هذه الكارثة (لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ ) من الغنيمة (وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ ) من القتل والهزيمة ، يعني لئلاّ تحزنوا فتقولوا لماذا لم ينصرْنا الله في هذه الواقعة كما نصرنا يوم بدر ، فتعلمون أنّ سببها كان من أيديكم ، والمعنى : جازاكم الله بهذه الكوارث لأجل مخالفتكم للرسول أوّلاً ولأجل أن تتمرّنوا على الكوارث والمصائب فلا تحزنوا بعد ذلك إن أصابكم مثلها ثانية (وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) فينصركم إن امتثلتم أمرَ نبيّكم ، ويخذلكم إنْ خالفتم أمره .
154 - (ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً ) أي أمناً (نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ ) وهم المؤمنون . لَمّا تراجع المسلمون واجتمعوا عند رسول الله وهم يعتذرون إليه أنزل الله تعالى النعاس على المؤمنين فناموا ووضع في قلوبهم الأمان ليهدأ روعهم لأنّ المشركين توعّدوهم بالعودة للقتال فجلسوا تحت الجُحُف متهيّئين للقتال ، أمّا المنافقون منهم فكانوا خائفين مرعوبين ، وذلك قوله تعالى (وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ ) وهم المنافقون ، أي كان همّهم الوحيد أن ينجُوا بأنفسهم من القتل دون غيرهم (يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ) أي يتوهّمون أنّ الله لا ينصر محمّداً وأصحابه كظنّ الجاهليّة ، وهم المشركون (يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ ) والنهي (مِن شَيْءٍ ) يعني يقول بعضهم لبعض هل لنا من الإمرة والمشورة من شيء ، فلو استشارونا وأخذوا برأينا ما حلّ بِهم ما قد حلّ (قُلْ) لهم يا محمّد (إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ) يعني إنّ تسيير المسلمين وتدبير أمورهم وتوجيهَهم للنصر والظفَر كلّهُ بيد الله ، فإنّ الله يوحي إلى رسوله وهو يوجّههم للقتال فينتصرون ، ولكنّكم خالفتم أمرَ نبيّكم وتركتم أماكنكم فخسرتم المعركة في هذه الواقعة ، (يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ ) أي ما لا يستطيعون إظهاره لك من الشكّ والنفاق (يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ ) أي من الإمرةِ والمشورة (شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ) أي ما قُتِل أصحابنا في هذا المكان (قُل) لهم في جواب ذلك (لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ ) وقد كتبنا على بعضكم أن يُقتَلوا (لَبَرَزَ الّذينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ ) إلى ميدان القتال فقاتلوا وقُتِلوا وأنزلوهم (إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ) والمعنى : من قدّرنا عليه القتل يُقتَلْ سواءً أكان في ميدان القتال أم في بيته وعلى فراشه فلا مفرّ من الموت . فالمضجع هو الفراش الّذي ينام عليه الإنسان ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة السجدة {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا } ، ونظير هذه الآية قوله تعالى في سورة الأحزاب {قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا } ، وقوله تعالى في سورة النساء {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ }
والمعنى : لو لزمتم منازلكم أيّها المنافقون والمرتابون وتخلّفتم عن القتال لما تخلّف المؤمنون عن القتال (وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ ) أي يختبر ما في صدوركم من نوايا وعقائد بأعمالكم (وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ) بأعمالكم فتظهر للمسلمين نواياكم وتنكشف أسراركم فلا يلتفتوا بعد ذلك إلى أقوالكم . والتمحيص هو الامتحان والاختبار ويكون أيضاً بمعنى التنقية من الغشّ (وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) فلا يخفى عليه شيءٌ من أسراركم .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |