كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
158 - (وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ ) أي تُجمَعون ، والمعنى : سواءً مُتّم أو قُتِلتم فإنّ مرجعكم إلى الله فيجازي كلاً منكم ما يستحقّه المحسِن على إحسانه والمسِيء على إساءته ، فآثِروا ما يقرّبكم منه ويوجب لكم رضاهُ من العمل بطاعتهِ والجهاد في سبيلهِ ولا تركنوا إلى الدنيا فتخسروا .
159 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ أنّ مسامحة النبيّ إيّاهم وتجاوزه عن سيّئاتهم من تعداد رحمتهِ تعالى إذْ جعلهُ ليّن العطف حسَن الخُلُق فقال (فَبِمَا رَحْمَةٍ ) أي فبرحمةٍ وكلمة (ما) للتنوّع ، والمعنى : ومن بعض أنواع النِعَم التي أنعم الله بِها عليهم أن جعلكَ ليّن القلب غير قاسٍ لكي ينقادوا لك ولا ينفروا منك (مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ ) معناهُ أنّ لينك لهم مِمّا يوجب دخولهم في الدين (وَلَوْ كُنتَ ) يا محمّد (فَظًّا) أي جافياً سيّء الخلق (غَلِيظَ الْقَلْبِ ) أي قاسي القلب ، فالغِلظة عكس اللّين ، ومن ذلك قول حاتم الطائي :
كَسَيْنَا صُرُوفَ الدَّهْرِ لِينَاً وَغِلْظَـةً وَكُلاًّ سَقَانَاهُ بِكَأْسَيْهِمَا الدَّهْـرُ
(لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ) أي لتفرّق أصحابك عنك ونفروا منك ، ومن ذلك قول حسّان :
فاجتمَعْنا فَفَضَضْنا جمعَهمْ بالصُّعيداءِ وفي يومِ الدّرَكْ
(فَاعْفُ عَنْهُمْ ) زلّتهم يوم اُحُد (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ) أي اُطلب لهم المغفرة من الله (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) أي في أمر الحرب وغيره مِمّا لم ينزل به وحي ، وذلك لتقتدي بك اُمّتكَ في المشورة ، وقال تعالى في سورة الشورى {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } . (فَإِذَا عَزَمْتَ ) على عمل شيء بعد المشورة (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) عليه فينصرهم ويقضي حوائجهم .
160 - (إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ ) على أعدائكم (فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ ) بسبب عصيانكم (فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ) أي من بعد خِذلانهِ ، والمعنى : إستعينوا بالله على عدوّكم واسألوه النصر لكي ينصرَكم ولا تستعينوا بغيره فيخذلَكم ، ولذلك قال بعدها (وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) .
161 - ولَمّا رجع المنهزمون من أصحاب النبيّ يوم اُحُد واعتذروا إليهِ (ع) قَبِلَ عذرهم وعفا عنهم ، فقال بعضهم لبعض لو كنّا في جيش المشركين وكانت هذه الهزيمة منّا لم يقبل عذرنا أبو سفيان بل لأهاننا عليها وحقدَ قلبه علينا ولكنّ النبيّ قبلَ عُذرنا وعفا عنّا . فنزلت هذه الآية (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ ) وتقديره ما كان لنبيٍّ أن يُهين أصحابه وما كان له أن يَغِلّ ، يعني وليس له أن يكون حقوداً عليهم . فالغِلّ معناهُ الحِقد ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الأعراف في وصف أهل الجنة {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } يعني من حِقدٍ . وقال أيضاً في سورة الحشر{وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا } . وقوله (وَمَن يَغْلُلْ ) يعني ومن يحمل قلبه حِقداً وغيظاً على قومه (يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) يعني يأتي بِحِقدهِ عليهم فلا يشفع لهم ، ولكنّنا لم نختر للرسالة اُناساً حقودين بل جعلناهم مُسامحين ، ومن ذلك قول عنترة :
لا يحْمِلُ الحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُّتَبُ وَلا يَنالُ العُلا مَنْ طَبعُهُ الغَضَبُ
(ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ) من قومه جزاء (مَّا كَسَبَتْ ) في دار الدنيا من خير أو شرّ (وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ) في حقّهم .
162 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ بأنّ الأنبياء لا تُقاس بالكفرة والمشركين فقال (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ ) وهو محمّد (كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ ) وهو أبو سفيان ، والمعنى : أتقيسون محمّداً الذي اتّبع رضا الله بأبي سفيان الذي باء بسخط من الله فتقولون لوكنّا من أصحابه وحدثت هذه الحادثة في معسكره لأهاننا وحقد قلبه علينا (وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ) يوم القيامة (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) يكون مصيره
وأظنّك تقول أنّ النبيّ قد عفا عن أبي سفيان يوم فتح مكّة وقال من دخل دار أبي سفيان فهو آمِن . أقول هذا صحيح ولكنّ النبيّ من سجاياه الكرم والعفو والشفقة على قومه ولذلك عفا عنه ، ولقد عفا عن كثير من الناس ليس أبو سفيان وحده ، ولكنّ أعمال أبي سفيان وجرائمه لا تغتفر فقد كان رأس الفتنة وسبب العداوة وقائد جيش الكفر ، فقد أهان المسلمين وقتلهم وشرّدهم ، ولكنّ النبيّ عفا عنه بحسن أخلاقه وكريم سجاياه كما قال الشاعر :
مَلَكْنا فَكانَ العَفْوُ مِنّا سَجيَّةً فَلَمّا مَلَكتُمْ سالَ بالدَّمِ أبطَحُ
فَحَسبُكُمُ هذا التّفاوُتُ بَينَنا وكلُّ إناءٍ بِالَّذِي فيهِ يَنضَحُ
فقد قال الله تعالى في سورة المائدة {إِنَّمَا جَزَاء الّذينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ ...الخ} ثمّ يقول {إِلاَّ الّذينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فالتوبة تقبل قبل المقدرة لا بعد المقدرة .
163 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ بأنّ الأنبياء على درجات ومراتب وليس كلّهم سواءً في الأخلاق والأعمال فقال (هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ ) يعني هم على مراتب ومنازل ، ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة الإسراء {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النبيّينَ عَلَى بَعْضٍ } ، (واللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ) فيعطي كلاً منهم ما يستحقّه في الآخرة .
164 - (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ ) أي أنعمَ الله (عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ ) يعني عربي من لسانهم وقرشي من قبيلتهم وحجازي من بلدتهم (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ) أي يقرأ عليهم آيات ربّهم ، وهي القرآن (وَيُزَكِّيهِمْ) أي يُطهّرهم من دنس الشرك وعبادة الأوثان (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) أي يُعلّمهم أحكام الكتاب وما في الكتب السالفة من قصص الأنبياء مع أقوامهم ، وذلك بما يوحَى إليهِ من الله (وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ ) أي من قبل مجيء محمّد (لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ) أي بيّن لأنّهم كانوا يعبدون الأصنام .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |