كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
25 - (فَكَيْفَ) يكون حالهم (إِذَا جَمعناهُمْ ) في عالم النفوس وحشرناهم (لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ ) أي لا شكّ فيه لمن نظر الأدلّة ، وهو يوم القيامة (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ ) أي واستوفت كلّ نفس جزاء عملها الذي كسبته يداها في دار الدنيا من خير أو شرّ (وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ) فلا يُنقَص من حسنات أحد ولا يزاد في سيّئات أحد إلاّ باستحقاق .
26 - (قُل) يا محمّد في دعائك (اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ) أي مالك ما في الدنيا والآخرة (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ ) من عبيدك (وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء ) من الناس (وَتُعِزُّ) من الناس (مَن تَشَاءُ ) أن يكون عزيزاً فيما بينهم (وَتُذِلُّ) من الناس (مَن تَشَاءُ ) أن يكون ذليلاً (بِيَدِكَ الْخَيْرُ ) كلّهُ (إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) لا يعجزك شيء من ذلك . ويجب على من يقرأ هذه الآية في الدعاء أو في الصلاة أن يبدأ بقوله (اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ) ، إلى آخر الآية ويترك كلمة (قُل) لأنّ الخِطاب لله تعالى فلا يُخاطبه بكلمة (قُل) ، وكذلك من يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } في الصلاة أو {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } أو {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } ، فيجب أن يترك كلمة (قُل) ، ويبدأ بما بعدها .
27 - (تُولِجُ اللّيل فِي الْنَّهَارِ ) أي تدخل اللّيل في النهار (وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللّيل ) وذلك بواسطة دوران الأرض حول نفسها فيكون في جهةٍ منها ليل وفي الجهة الاُخرى نهار ، وهكذا يتعاقب اللّيل والنهار بسبب دوران الأرض حول نفسها فيتداخل بعضهما في بعض (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ) يعني تُخرج الأحياء من الجمادات ، وذلك كالنبات من الأرض ، فالنبات حيّ والأرض ميّتة ، ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة ي س {وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ } ، والفرخ من البيضة ، فالفرخ حيّ وقشر البيضة لا حياةَ فيه ، وآدم من تراب : فآدم حيّ والتراب لا حياة فيه ، وما أشبه ذلك (وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ ) يعني تخرج الجماد من مخلوق حيّ وذلك كاللّؤلؤ من الحيوان الصدَفي ، والعاج من الفيل ، والعسل من النحل ، والقزّ من دودة القزّ ، والمسكُ من الغزال ، والصوف من الغنم ، والشعر من المعز ، والوبَر من الإبل ، والصدف من حيوان مائي إلى غير ذلك مِمّا يستفيد به الإنسان (وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ) أي بغير تقتير .
28 - نهى الله تعالى في هذه الآية وفي غيرها عن موالاة الكافرين والمشركين وعن محبّتهم وإفشاء الأسرار إليهم ، فقال (لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ ) أي لا ينبغي للمؤمنين أن يتّخذوا الكافرين أولياء يُحبّونهم ويُساعدونهم ويُفشون إليهم أسرار المسلمين (مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ ) أي يوالونهم بدل المؤمنين ، فيجب عليهم أن يوالوا المؤمنين لا الكافرين (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ ) يعني ومن يوالِهم منكم فليس هو من ولاية الله في شيء ، أي أنّ الله تعالى لا يتولّى أمرهُ بل يبرأ منهُ (إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ) يعني إذا كانت السُلطة بأيديهم وتخافون القتل أو التعذيب فتُظهرون محبّتهم باللِسان دون القلب ، ولا يجوز مُساعدتهم وإفشاء أسرار المسلمين إليهم (وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ ) فلا تُخالفوا أوامره (وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ ) بعد موتكم فيعاقبكم على موالاتكم للكافرِين . ثمّ عقّبها بتهديد المنافِقين الّذينَ يوالون المشركين فقال تعالى :
29 - (قُلْ) لهم يا محمّد (إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ ) من أمرٍ سَيّء أو عملٍ باطل (أَوْ تُبْدُوهُ ) يعني أو تُظهروه للناس وتكشفوا أسرارهُ (يَعْلَمْهُ اللّهُ ) فيُخبر بهِ رسوله ويُعاقبكم عليه (وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ) الغازيّة من حوادث كونيّة وتقلّبات طبيعيّة فيُصيبكم ببعضها ويهلككم بصاعقةٍ أو بريحٍ صَرصَرٍ أو بحرٍّ شديد أو ببردٍ جليد أو بغير ذلك (وَمَا فِي الأرْضِ ) أي ويعلم ما في الأرض من حوادث وتقلّبات فجائيّة فيُصيبكم ببعضها ويهلككم بزلزال أو بُركان أو سيل أو مرض أو وحشٍ مُفترس من وحوش الأرض أو غير ذلك مِمّا ينتقم به منكم (وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) من هذه الحوادث . ونظير هذه الآية في المعنى في سورة الأنعام وذلك قوله تعالى {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ } .
30 - ثمّ رغّبَ سُبحانهُ في عمل الخير وحذّر عن عمل الشرّ فقال تعالى (يَوْمَ) يموت الإنسان (تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا ) في الآخرة ، أي تجد جزاء أعمالها حاضراً كما وعدهم الله تعالى به في الكتب السماويّة وكما نطقت بهِ رُسُلُهُ . ومثلها في سورة الكهف قوله تعالى {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } ، (وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ ) يعني وكذلك تجد عقاب أعمالها السيّئة (تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ ) أي وبين العقاب والعذاب الّذي أصابها في الآخرة (أَمَدًا بَعِيدًا ) أي مسافات بعيدة ، والأمَد مُشتقّ من الإمداد ، وهو المكان المقرّر لوصول الخيل إليه عند المسابقة ، والشاهد على ذلك قول النابغة الذبياني :
إلاّ لِمثْلِكَ أوْ مَنْ أنتَ سَابِقُهُ سبقَ الجوادِ إذا اسْتَولَى على الأمَدِ
يعني إذا وصل المكان الذي ينتهي إليهِ عند المسابقة . وقال الفرزدق :
أرَى الزّعلَ ابنَ عروةَ حينَ يجرِي إذا جارَى إلى أمَدِ الرهانِ
(وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ ) إذ حذّرهم عواقب أعمال السوء .
31 - قالت النصارى إنّنا نحبُّ عيسى لأنّ الله يُحبّهُ ، وقال المشركون من العرب إنّنا نحبُّ الملائكة لأنّ الله يُحبّها ، فنزلت هذه الآية ردّاً عليهم (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ ) كما تزعمون (فَاتَّبِعُونِي) بما أقول لكم من ترك الأصنام والأنداد واجعلوا عبادتكم خالصةً لله وحده ولا تشركوا بها أحداً من المخلوقين فحينئذٍ (يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ ) للتائبين (رَّحِيمٌ) بالنادمين الموحِدين .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |