كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة آل عمران من الآية( 46) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

46 - (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ ) لكي يبرّئ اُمّهُ من تهمة الفاحشة (وَكَهْلاً) يعني ويُكلّمهم وهو كهل في أمور دينهم (وَمِنَ) الأنبياء (الصَّالِحِينَ ) الّذينَ لم يُذنِبوا في وقت شبابهم .

47 - (قَالَتْ) مريم (رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ ) أي كيف يكون لي ولد (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ ) الملَك جبرائيل (كَذَلِكِ) أي كما قلتُ لكِ يكون (اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء ) في الأرحام (إِذَا قَضَى أَمْرًا ) يعني إذا أنهى أمراً وعزمَ على فعله (فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) كما قضَى لا يستحيل عليه شيء .

48 - (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ ) أي يعلّمهُ ما في الألواح المكتوبة ، لأنّ كلّ شيء فيه كتابة يُسمّى كتاباً (وَالْحِكْمَةَ) أي الموعظة (وَالتَّوْرَاةَ) يعني مجموعة التوراة (وَالإِنجِيلَ) يعني ويُعطيه الإنجيل بالتعليم .

49 - (وَ) يبعثه (رَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ) فيقول لهم (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ) أي بمعجزةٍ من ربّكم (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ ) وهو الّذي وُلِدَ أعمى ، ومن ذلك قول سويد بن أبي كاهل :

                                  كَمِهَتْ عَيْنَاهُ حَتَّى اِبْيَضَّتَا      فَهُوَ يَلْحَى نَفْسه لَمّا نَزَعْ

(والأَبْرَصَ) أي الّذي في جسمهِ برَص ، ويُسمّى "وضح" أيضاً ، وهي بُقع بيضاء تكون في جسم الإنسان (وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ ) أي في إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى وإنباء المغيّبات (لآيَةً لَّكُمْ ) أي دلالة لكم على صِدقي بأنّي رسولٌ لكم من الله (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) يعني إن كنتم مُصدّقين .

50 - (وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ ) يعني مِمّا جاءَ في التوراة الأصليّة وهي الألواح الّتي كتبها الله لموسى بقلم قدرتهِ (وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ) من اللّحوم (وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ) أي بمعجزة من ربّكم (فَاتَّقُواْ اللّهَ ) في تكذيبي (وَأَطِيعُونِ) ولا تعصونِ .

51 - (إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ) ولا تعبدوا غيره (هَـذَا) الّذي جئتكم بهِ (صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ) أي طريق مُستقيم يوصلكم إلى الجنّة .

52 - (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ ) أي فلمّا شعرَ وعلِمَ من بني إسرائيل الكفر والنفاق وتكذيبَهُ (قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ ) يعني من منكم ينصرني ويساعدني في دين الله (قَالَ الْحَوَارِيُّونَ ) أي الّذينَ آمنوا به ولازموا حارتهُ ، يعني إلتفّوا حوله ، من قولهم "حارَ يحورُ" إذا استدارَ في الحارة ، ومن ذلك قول الحارث بن حلّزة :

                                 فَقُلْ للحَوَارِيَّاتِ تَبْكِينَ غَيْرَنا      ولا تَبْكِنا إِلاَّ الكِلابُ النَّوابِحُ

فقول الشاعر "فقل للحواريّات" ، يعني الدائرات حول الميّت الباكيات في حارتِهِ . وقوله (نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ ) يعني أنصار دين الله (آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) أي مُستسلمون لأمر الله ولِما جئتَ به من عند الله ، وهم إثنا عشر رجلاً فقالوا :

53 - (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتَ ) على عيسى من أحكام (وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ ) عيسى بن مريم (فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) لك بالوحدانيّة ولرسولك بالرسالة . وهذه أسماؤهم في إنجيل متّي في الإصحاح العاشر: الأوّل سمعان الّذي يقال له بُطرس ، وأخوه أندراوس ، يعقوب بن زبدي ، وأخوه يوحنّا ، فيلبس ، برثولماوس ، توما ، متّي العشّار ، يعقوب بن حَلفي ، لبّاوس الملقَب تَدّاوس ، سِمعان القانونيّ ، يهوذا الإسخريوطيُّ الّذي أسلمهُ .

54 - (وَمَكَرُواْ) اليهود مع عيسى فأرادوا قتلهُ (وَمَكَرَ اللّهُ ) بهم إذ جعل رجلاً شبيهاً بعيسى فصلبوه ونجا عيسى منهم (وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) أي أنصفهم وأعدلهم ، لأنّ المكر نوعان مكرٌ حسن ومكرٌ سيّء ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة فاطر {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ } ، فالمكر السيّء هو الغدر والنفاق ، أمّا المكر الحسَن فهو أن تدعوَ إنساناً إلى الخير والصلاح فلا يقبل منك لجهله فتمكر بهِ فيصيب الخير بسبب مكرك معه وهذا حسن وممدوح .

55 - (إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ) أي مُميتكَ (وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ) يعني رافع روحك إلى السماء ، وإنّما قال تعالى (رَافِعُكَ) ولم يقل رافع روحك لأنّ النفس هي الإنسان الحقيقي ، أمّا الجسم فيتمزّق ويكون تراباً (وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الّذينَ كَفَرُواْ ) يعني مُنجّيك منهم فلا يمدّون أيديَهم النجسة إليك ليُصيبوكَ بأذىً ، لأنّ الكافر والمشرك نجس ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة التوبة {يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا } . (وَجَاعِلُ الّذينَ اتَّبَعُوكَ ) أي النصارى (فَوْقَ الّذينَ كَفَرُواْ ) يعني فوق اليهود بالسُلطة والغلَبة والعِزّة (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثمّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ) يعني إلى عالم النفوس يكون مرجعكم بعد موتكم فاُحاسبكم (فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) من أمر عيسى بن مريم ، فإنّ عيسى مات وصعدت نفسه الأثيريّة إلى السماء . وكانت المدّة من زمن المسيح إلى نبوّة محمّد (ع) 570 سنة ، ومن زمن خروج موسى من مصر مع قومه إلى زمن عيسى 1515 سنة .

56 - (فَأَمَّا الّذينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) فعذابهم في الدنيا هو إذلالهم بالقتل والأسر والسبي بأيدي أعدائهم والطرد من بلادهم وأخذ الجزية منهم ، أمّا في الآخرة فعذاب النار (وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ) ينصرونهم ويُخلّصونهم من عذاب الله .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم