كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
52 - (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ ) أي فلمّا شعرَ وعلِمَ من بني إسرائيل الكفر والنفاق وتكذيبَهُ (قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ ) يعني من منكم ينصرني ويساعدني في دين الله (قَالَ الْحَوَارِيُّونَ ) أي الّذينَ آمنوا به ولازموا حارتهُ ، يعني إلتفّوا حوله ، من قولهم "حارَ يحورُ" إذا استدارَ في الحارة ، ومن ذلك قول الحارث بن حلّزة :
فَقُلْ للحَوَارِيَّاتِ تَبْكِينَ غَيْرَنا ولا تَبْكِنا إِلاَّ الكِلابُ النَّوابِحُ
فقول الشاعر "فقل للحواريّات" ، يعني الدائرات حول الميّت الباكيات في حارتِهِ .
وقوله (نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ ) يعني أنصار دين الله (آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) أي مُستسلمون لأمر الله ولِما جئتَ به من عند الله ، وهم إثنا عشر رجلاً فقالوا :
53 - (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتَ ) على عيسى من أحكام (وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ ) عيسى بن مريم (فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) لك بالوحدانيّة ولرسولك بالرسالة . وهذه أسماؤهم في إنجيل متّي في الإصحاح العاشر: الأوّل سمعان الّذي يقال له بُطرس ، وأخوه أندراوس ، يعقوب بن زبدي ، وأخوه يوحنّا ، فيلبس ، برثولماوس ، توما ، متّي العشّار ، يعقوب بن حَلفي ، لبّاوس الملقَب تَدّاوس ، سِمعان القانونيّ ، يهوذا الإسخريوطيُّ الّذي أسلمهُ .
54 - (وَمَكَرُواْ) اليهود مع عيسى فأرادوا قتلهُ (وَمَكَرَ اللّهُ ) بهم إذ جعل رجلاً شبيهاً بعيسى فصلبوه ونجا عيسى منهم (وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) أي أنصفهم وأعدلهم ، لأنّ المكر نوعان مكرٌ حسن ومكرٌ سيّء ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة فاطر {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ } ، فالمكر السيّء هو الغدر والنفاق ، أمّا المكر الحسَن فهو أن تدعوَ إنساناً إلى الخير والصلاح فلا يقبل منك لجهله فتمكر بهِ فيصيب الخير بسبب مكرك معه وهذا حسن وممدوح .
55 - (إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ) أي مُميتكَ (وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ) يعني رافع روحك إلى السماء ، وإنّما قال تعالى (رَافِعُكَ) ولم يقل رافع روحك لأنّ النفس هي الإنسان الحقيقي ، أمّا الجسم فيتمزّق ويكون تراباً (وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الّذينَ كَفَرُواْ ) يعني مُنجّيك منهم فلا يمدّون أيديَهم النجسة إليك ليُصيبوكَ بأذىً ، لأنّ الكافر والمشرك نجس ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة التوبة {يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا } . (وَجَاعِلُ الّذينَ اتَّبَعُوكَ ) أي النصارى (فَوْقَ الّذينَ كَفَرُواْ ) يعني فوق اليهود بالسُلطة والغلَبة والعِزّة (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثمّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ) يعني إلى عالم النفوس يكون مرجعكم بعد موتكم فاُحاسبكم (فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) من أمر عيسى بن مريم ، فإنّ عيسى مات وصعدت نفسه الأثيريّة إلى السماء . وكانت المدّة من زمن المسيح إلى نبوّة محمّد (ع) 570 سنة ، ومن زمن خروج موسى من مصر مع قومه إلى زمن عيسى 1515 سنة .
56 - (فَأَمَّا الّذينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) فعذابهم في الدنيا هو إذلالهم بالقتل والأسر والسبي بأيدي أعدائهم والطرد من بلادهم وأخذ الجزية منهم ، أمّا في الآخرة فعذاب النار (وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ) ينصرونهم ويُخلّصونهم من عذاب الله .
57 - (وَأَمَّا الّذينَ آمَنُوا ) بعيسى رسولاً (وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ ) الله (أُجُورَهُمْ) في الآخرة (وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) الّذينَ يظلمون الناس ويغصبون حقوقهم .
58 - (ذَلِكَ) الحديث (نَتْلُوهُ عَلَيْكَ ) يا محمّد (مِنَ الآيَاتِ ) الدالّة على صدقك ورسالتك إذْ أخبرتهم بما جرى عندهم من قبل ولم تكن تعلم بهِ لأنّك اُمّي لا تقرأ الكتُب ولم تسمع بقصصهم لولا أن تلوناها عليك (وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ) أيضاً آية لك على صِدقك ، وهو القرآن وإنّما سمّاهُ الذِكر الحكيم ، يعني فيه المواعظ الّتي كلّها حِكمة لمن سمعها وعملَ بها .
59 - (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ ) في خلقتهِ بلا أب (كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُنْ ) بشراً فكان كما أراد الله وكذلك إذا أراد أن يخلق غيرهُ أن يقول له كنْ (فَيَكُونُ) يعني قدرته دائمة في الماضي والمستقبل فلا تتغيّر مع تغيّر الأزمنة ، ومن ذلك قول حسّان بن ثابت :
فلا زِلتم كما كُنتُم قديماً ولا زِلْنا كما كُنّا نَكونُ
60 - (الْحَقُّ) في قِصّةِ عيسى (مِن رَّبِّكَ ) أي الّتي جاءتك من ربّك وهي الّتي تلوناها عليك يا محمّد ، وأمّا الّتي يقول بها النصارى ويجادلونك بها فهي أوهام وليست حقيقيّة لأنّهم بنَوا عقائدهم على ما جرت به العادة فلذلك أنكروا قدرة الله على خلق الإنسان من غير أب (فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ ) في ذلك ، أي فلا تكنْ من الشاكّين في أنّ الإنسان يمكن أن يُخلَق بلا أب فإنّ الله على كلّ شيءٍ قدير .
61 - (فَمَنْ حَآجَّكَ ) وجادلك (فِيهِ) أي في أمر عيسى (مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ ) بأنّ الله خلقَه بغير أب وأنّه رسول من الله وليس إبنه كما يزعمون (فَقُلْ) لهم (تَعَالَوْا) إلى المباهَلة (نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ ) أي ندعو من الله أنتم بجمعكم ونحنُ بجمعنا (فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) منّا ومنكم ، يعني ندعو من الله أن يُنزّل العذاب على من هو كاذب في أقواله . ولَمّا دعاهم رسول الله إلى المباهَلة وتواعدوا في المكان والزمان المعيّنين قال رئيس الوفد لأصحابه النصارى اُنظروا إن كان محمّد قد جاء بأهلهِ وأولادهِ فلا تُباهِلوه فإنّ الحقّ معه ، وإن كان قد جاء بغير أهله فباهِلوه فإنّه خائف على أهله وأولاده ، فلمّا رأوا أنّه جاء بعليّ وفاطمة والحسن والحسين إمتنع وفد النصارى عن المباهَلة ووافقوا بأداء الجزية ، ولَمّا رجع وفد نجران إلى بلدهم عادَ إثنان منهم بعد زمن قصير إلى النبيّ بهديّة وأسلَما . وكانت الجزية الّتي فرضها على نفسه رئيس وفد نجران ألفَي حلّة من حلل الأواقي قسمة كلّ حلّة أربعون درهماً وعلى عارية ثلاثين درعاً وثلاثين رمحاً وثلاثين فرساً .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |