كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
91 - وجاء في الّذينَ ماتوا على كفرهم ولم يتوبوا (إِنَّ الّذينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم ) في الآخرة (مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا ) أي مقدار ما يملأ الأرض من الذهب (وَلَوِ افْتَدَى بِهِ ) يعني لو كان هذا المقدار موجوداً في الأرض من الذهب وافتدى بهِ عن العذاب فلا يفيده ولن يُقبَل منهُ (أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) أي مؤلم (وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ) ينصرونهم ويخلّصونهم من عذاب الله .
92 - ثمّ خاطب المسلمين فقال تعالى (لَن تَنَالُواْ ) أجرَ (الْبِرَّ) وتكونوا أبراراً (حَتَّى تُنفِقُواْ ) في سبيل الله (مِمَّا تُحِبُّونَ ) من المأكل والملبس فحينئِذٍ تكونون أبراراً وتنالون أجراً ، أمّا إذا أنفقتم من الرديء الذي لا ترغبون فيه فلن تنالوا عليه أجراً ، وكذلك إذا أنفقتم أموالاً أو شيئاً آخر من المأكل والملبس لغير الله فلن تنالوا أجره (وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ ) في سبيل الله أو في سبيل غيره (فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) يعلمُ بما كان له وبما كان لغيره من المخلوقين .
93 - أنكر اليهود على النبيّ تحليل لحوم الإبل إذ قال كان حِلاً لإبراهيم ، فقالت اليهود : كلّ شيء نحرّمه فإنّه محرّم على نوح وإبراهيم وغيرهم من الأنبياء حتّى انتهى إلينا ، فنزلت هذه الآية (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ ) أي حلالاً (لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ) أي لأولاد يعقوب ، والمعنى : لم يحرّم يعقوب على أولاده شيئاً من المأكولات (إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ ) وذلك لسبب مرض أصابه فاحتمَى ، وكان ذلك (مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ ) ولَمّا نزلت التوراة حرّم الله عليكم لحم الإبل وغيرها وذلك جزاءً لبغيكم ولم يحرّمها علينا نحن المسلمين ، فأنتم قلتم أنّ لحم الإبل كان حراماً أيضاً على يعقوب وأولاده وذلك مكتوب في توراتنا (قُلْ) يا محمّد لهم (فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا ) علينا ، أي فاقرأوها علينا لنرَى صِدقكم (إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) فيما تدّعون .
94 - (فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ ) أي من بعد تلاوة التوراة وظهور البيّنة (فَأُوْلَـئِكَ) المفتَرون (هُمُ الظَّالِمُونَ ) المستحِقُون للعذاب .
95 - فلمّا نزلت {قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } ذهب بعض اليهود إلى أحبارهم وسألوهم : هل مكتوب في التوراة أنّ إبراهيم وأولاده كانوا لا يأكلون لحم الإبل لأنّه محرّم عليهم؟ قالوا : ليس ذلك في التوراة ، فقالت اليهود : صدقت يا محمّد ، فنزلت هذه الآية (قُلْ) يا محمّد لهؤلاء اليهود (صَدَقَ اللّهُ ) يعني قل لهم أنا لا أعلم ما في توراتكم ولا أعلم الغيب ولا أعلم ما كان عليه إبراهيم من دين ولكنّ الله أخبرني بذلك على لسان جبرائيل فقولوا أنتم صدق الله ، وإذا علمتم صدقي وظهرت لكم البيّنات على رسالتي (فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ ) التي أنا سائر عليها وناهج منهجها لأنّ إبراهيم كان (حَنِيفًا) أي موحّداً (وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) فلا عبدَ العجلَ ولا البعليم ولا عشتاروث ولا غيرها كما عبدتموها أنتم أيّها اليهود .
96 - تفاخر المسلمون واليهود فقالت اليهود بيت المقدس أفضل من الكعبة ، وقال المسلمون بل الكعبة أفضل ، فنزلت هذه الآية (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ ) للحجّ والعبادة (لَلَّذِي بِبَكَّةَ ) وبكّة اسمها القديم ولكن العرب أبدلت الباء بالميم على مرّ السنين واختلاط اللغة الأجنبية بالعربية فصاروا يسمّونها مكّة ، وإنّ الله تعالى ذكرها في هذه الآية على اسمها القديم ، واللام من قوله (لَلَّذِي) لتقدير محذوف ، ومن ذلك قول علقمة :
إذا أَلْحَمَ الواشُونَ لِلشَّرِّ بَينَنا تَبَلَّغَ رَسُّ الحُبِّ غيرُ الْمُكَذَّبِ
فقول الشاعر "للشّرِّ بيننا" تقديره لإيقاع الشرّ بيننا ،
والمعنى : إنّ أوّل بيت بُنيَ على الأرض للعبادة والحجّ هو الذي بِبَكّة ، فقد بناه آدم ثمّ تهدّم من بعدهِ ثمّ أقامه إبراهيم على أسُسِهِ ، وقوله (مُبَارَكًا) لإنّ إبراهيم باركهُ ودعَى لساكنيهِ بالخير والبركة (وَهُدًى) أي أصبحت فيه هداية (لِّلْعَالَمِينَ) يهتدون إلى طريق الحقّ ، لأنّ من مكّة بُعِثَ محمّد وفيها نزل القرآن فكان هداية للعالمين .
97 - (فِيهِ آيَاتٌ ) اي علامات ، ومن ذلك قول النابغة الذبياني يصفُ بُقعة أرض :
توَهّمْتُ آياتٍ لها فَعَرَفْتُها لِسِتّة ِ أعْوامٍ وذا العامُ سابِعُ
(بَيِّـنَاتٌ) تدلّ على قِدَمِهِ ومن تلك العلامات (مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ) الموجود حالياً (وَمَن دَخَلَهُ ) من الناس وهو خائف (كَانَ آمِنًا ) فلا أحدَ يقتله في ذلك المكان ولا يُصيبه أذىً (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) ومعناهُ ولله على من استطاع إلى الحجّ سبيلاً ، أي إلزاماً عليه أن يحجّ (وَمَن كَفَرَ ) أي مَن كتم ماله وقال إنّي غير مُستطيع للحجّ ولم يحجّ (فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) وعن تعبّدهم في بيته .
98 - (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ ) يعني اليهود (لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ) التي أنزلها على رسوله محمّد ، يعني كفرهم بالقرآن (وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ ) أي حاضر يسمع أقوالكم ويرى أفعالكم .
99 - (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ ) الناس (عَن سَبِيلِ اللّهِ ) أي عن دين الله دين التوحيد (مَنْ آمَنَ ) بهِ ، فتقولون لهُ إنّ محمّداً ساحر أغواك بسحرهِ ، ولا تزالون تُكلّمونه بكذبكم ودَجَلِكم حتّى تصدّوه عن الإيمان (تَبْغُونَهَا عِوَجًا ) أي تبغون اعوجاج الحقيقة ، يعني تطلبون بذلك الميل عن الحقيقة إلى الباطل (وَأَنتُمْ شُهَدَاء ) يعني وأنتم تحضرون مجالس المسلمين وتسمعون القرآن وتفهمون أنّهُ يدعو إلى عبادة الله وحده ويحرّم عبادة الأوثان كما جاء في توراتكم ، أليس هذا دليل حقّ وأنّه من الله وليس سحراً كما تُوهمون الناس وتصدّونهم عن الإيمان بهِ ؟ (وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) وهذا تهديد لهم ووعيد بالعذاب بسبب أفعالهم الباطلة .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |