كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
96 - تفاخر المسلمون واليهود فقالت اليهود بيت المقدس أفضل من الكعبة ، وقال المسلمون بل الكعبة أفضل ، فنزلت هذه الآية (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ ) للحجّ والعبادة (لَلَّذِي بِبَكَّةَ ) وبكّة اسمها القديم ولكن العرب أبدلت الباء بالميم على مرّ السنين واختلاط اللغة الأجنبية بالعربية فصاروا يسمّونها مكّة ، وإنّ الله تعالى ذكرها في هذه الآية على اسمها القديم ، واللام من قوله (لَلَّذِي) لتقدير محذوف ، ومن ذلك قول علقمة :
إذا أَلْحَمَ الواشُونَ لِلشَّرِّ بَينَنا تَبَلَّغَ رَسُّ الحُبِّ غيرُ الْمُكَذَّبِ
فقول الشاعر "للشّرِّ بيننا" تقديره لإيقاع الشرّ بيننا ،
والمعنى : إنّ أوّل بيت بُنيَ على الأرض للعبادة والحجّ هو الذي بِبَكّة ، فقد بناه آدم ثمّ تهدّم من بعدهِ ثمّ أقامه إبراهيم على أسُسِهِ ، وقوله (مُبَارَكًا) لإنّ إبراهيم باركهُ ودعَى لساكنيهِ بالخير والبركة (وَهُدًى) أي أصبحت فيه هداية (لِّلْعَالَمِينَ) يهتدون إلى طريق الحقّ ، لأنّ من مكّة بُعِثَ محمّد وفيها نزل القرآن فكان هداية للعالمين .
97 - (فِيهِ آيَاتٌ ) اي علامات ، ومن ذلك قول النابغة الذبياني يصفُ بُقعة أرض :
توَهّمْتُ آياتٍ لها فَعَرَفْتُها لِسِتّة ِ أعْوامٍ وذا العامُ سابِعُ
(بَيِّـنَاتٌ) تدلّ على قِدَمِهِ ومن تلك العلامات (مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ) الموجود حالياً (وَمَن دَخَلَهُ ) من الناس وهو خائف (كَانَ آمِنًا ) فلا أحدَ يقتله في ذلك المكان ولا يُصيبه أذىً (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) ومعناهُ ولله على من استطاع إلى الحجّ سبيلاً ، أي إلزاماً عليه أن يحجّ (وَمَن كَفَرَ ) أي مَن كتم ماله وقال إنّي غير مُستطيع للحجّ ولم يحجّ (فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) وعن تعبّدهم في بيته .
98 - (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ ) يعني اليهود (لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ) التي أنزلها على رسوله محمّد ، يعني كفرهم بالقرآن (وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ ) أي حاضر يسمع أقوالكم ويرى أفعالكم .
99 - (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ ) الناس (عَن سَبِيلِ اللّهِ ) أي عن دين الله دين التوحيد (مَنْ آمَنَ ) بهِ ، فتقولون لهُ إنّ محمّداً ساحر أغواك بسحرهِ ، ولا تزالون تُكلّمونه بكذبكم ودَجَلِكم حتّى تصدّوه عن الإيمان (تَبْغُونَهَا عِوَجًا ) أي تبغون اعوجاج الحقيقة ، يعني تطلبون بذلك الميل عن الحقيقة إلى الباطل (وَأَنتُمْ شُهَدَاء ) يعني وأنتم تحضرون مجالس المسلمين وتسمعون القرآن وتفهمون أنّهُ يدعو إلى عبادة الله وحده ويحرّم عبادة الأوثان كما جاء في توراتكم ، أليس هذا دليل حقّ وأنّه من الله وليس سحراً كما تُوهمون الناس وتصدّونهم عن الإيمان بهِ ؟ (وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) وهذا تهديد لهم ووعيد بالعذاب بسبب أفعالهم الباطلة .
100 - مرّ شاس بن قيس اليهودي على الأوس والخزرج وهم مُتآلفون مُتحابّون بالإسلام ، فغاظه تآلفهم فذكّرهم بما كان بينهم في الجاهليّة من الحروب إذْ دام الحرب والقتال بينهم مائةً وعشرين سنة ثمّ انقطع بإسلامهم ، فلَمّا ذكّرهم بذلك تشاجروا وقالوا السلاح السلاح وكادوا يقتتلون ، فبلغ رسول الله خبرهم فخرج إليهم مع من معه من المهاجرين والأنصار وقال لهم أتدعون بدعاء الجاهليّة وأنا بين أظهركم بعد أن أكرمكم الله بالإسلام ؟ فعرف القوم أنّها نزغة من الشيطان فتابوا وتعانقوا ، فنزلت فيهم هذه الآية (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الّذينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ )
101 - (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ ) أي يُقرأ عليكم القرآن (وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ) يُرشدكم (وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ ) يعني ومن يتمسّك بدين الله (فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) يعني هُديَ إلى طريق الحقّ الّذي يوصلهُ إلى الجنّة .
102 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ) وقت الأمان ، يعني أدّوا حُقوقه كاملة ولا تعصوه أبداً لا بكبيرة ولا بصغيرة . أمّا قوله تعالى في سورة التغابن {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } يعني تجنّبوا معاصيهِ مهما استطعتم إن كنتم خائفين من عدوّ ، واتّقوهُ حقّ تقاتِهِ إن لم يكن لديكم خوف وكنتم في أمان . ومثال ذلك قوله تعالى في سورة النساء { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الّذينَ كَفَرُواْ } ، فأباح الإقصار من الصلاة وقت الخوف والإتمام وقت الأمان ، (وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) أي مُستسلمون لأوامر ربّكم مُنقادون لطاعتهِ .
103 - (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا ) أي تمسّكوا بالقرآن وأحكامه الّذي هو همزة وصلٍ بينكم وبين الله واعملوا بما فيه من أحكام ، فالحبل رمز إلى الوصل بين اثنين ، ومن ذلك قول عنترة :
أَلا يا عَبلُ ضَيَّعتِ العُهودا وَأَمسَى حَبلُكِ الماضِي صُدُودَا
وقال ذو الرمّة :
هَلْ حَبْلُ خَرْقاء َبعدَ الهَجْرِ مَرْمُوم ُ أمْ هَلْ لَهَا آخِرَ الأيَّام تَكْليمُ
والاعتصام معناهُ التمسّك بالشيء ، ومن ذلك قول حسّان بن ثابت الأنصاري :
مُستَعصِمينَ بِحَبلٍ غَيرِ مُنجَذِمٍ مُستَحكِمٍ مِن حِبالِ اللَهِ مَمدُودِ
وقال النابغة الذبياني يصف السفينة :
يَظلّ مِنْ خَوفِهِ الملاّحُ مُعتصِماً بالخيزرانةِ بعدَ الأيْنِ والنّجَدِ
يعني يبقى مُتمسّكاً ملاّح السفينة بالخيزرانة عند شِدّة الأمواج لئلاّ تغرق .
(وَلاَ تَفَرَّقُواْ ) أي ولا تتفرّقوا إلى مذاهب وأحزاب كما تفرّق من كان قبلكم فتخسروا وتضعفوا ويستولي عليكم عدوّكم (وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ ) واشكروا (إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً ) قبل الإسلام (فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ) بالإسلام (فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ) في الدِين (وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ ) بسبب كفركم وعبادتكم للأصنام (فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ) بالإسلام ، والمعنى : كنتم على طرف حُفرة من النار التي في باطن الأرض لم يكن بينكم وبينها إلاّ الموت فأنقذكم الله منها بأن أرسل لكم رسولاً وهداكم للإيمان ودعاكم إليهِ فنجوتم بأجابتهِ من النار (كَذَلِكَ) أي كما جعلكم إخواناً بالإسلام كذلك أنقذكم من النار (يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ ) شرح (آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) إلى الحقيقة .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |