كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة النساء من الآية( 107) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

107 - (وَلاَ تُجَادِلْ ) في المستقبل (عَنِ الّذينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ ) أي يخدعون أنفسهم ، والمعنى : بعضهم يخدع البعض الآخر ، ومثلها في سورة البقرة قوله تعالى {عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ } ، يعني تخدعون نساءكم فتجامعوهنّ في ليالي شهر رمضان (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ) كثير الآثام كأبي طعمة ومن نهجَ نهجَه .

108 - (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ ) أي يكتمون أعمالهم عن الناس (وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ ) لأنّهُ يراهم مهما تستّروا (وَهُوَ مَعَهُمْ ) لأنّه يراهم ويسمعهم وملائكته يكتبون أعمالهم (إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ ) أي يدبّرون باللّيل قولاً لا يرضاهُ الله لأنّ قولهم مكرٌ وخديعة ، فخدعوا النبيّ بقولهم حتّى صار يجادل عنهم (وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ) أي حفيظاً لأعمالهم لا يفوته شيءٌ منها .

109 - (هَا أَنتُمْ) خطاب للمدافعين عن السارق وجماعتهِ وهم اُسيد بن عروة والرجال الّذينَ جاؤوا معه إلى النبيّ (هَـؤُلاء) الّذينَ خُنتم ضمائركم وكذبتم على النبيّ بِشهادتكم وتزكيتكم لبني اُبيرق (جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ ) أي خاصمتم ودافعتم (فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) أي لا مُجادلَ عنهم ولا شاهدَ على براءتهم في ذلك اليوم (أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً ) أي مَن يحفظهم ويتولّى معونتهم ويدافع عنهم في ذلك اليوم؟

110 - ثمّ بيّنَ تعالى طريق التلافي والتوبة مِمّا سبق منهم من المعصية فقال (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا ) أي إساءة إلى الناس ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة آل عمران {فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ } ، وقوله (أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ) بارتكاب معصية إذا وقعت سهواً منه أو جهالةً ، وتقديره : ومن يعمل سوءاً إلى أحد من الناس فيظلمه بذلك أو يظلم نفسهُ بارتكاب معصية (ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ ) ويتوب إليه فلا يعود بعدها إلى معصية (يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا ) لذنبه (رَّحِيمًا) به .

111 - (وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ ) أي يجلب العار والإهانة لنفسه في الدنيا والعقاب في الآخرة (وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا ) بعواقب الاُمور (حَكِيمًا) ومن حِكمتهِ نهاكم عن المعاصي واقتراف الذنوب شفقةً عليكم ورحمةً بكم .

112 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ أنّ من ارتكب إثْماً وقذف بِه غيرهُ كيف يعظم عقابه فقال (وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً ) أي ذنباً خطأً يعني سهواً منه دون قصد (أَوْ إِثْمًا ) أي يذنب مُتعمّداً (ثُمَّ يَرْمِ بِهِ ) شخصاً (بَرِيئًا) من ذلك الإثم فيقول أنا لم أرتكب هذه الجريمة بل ارتكبها فلان ، يعني ينسب ذنبه إلى رجل بريء منهُ كما نسبوا السرقة إلى لبيد بن سهل وهو بريء منها (فَقَدِ احْتَمَلَ ) أي تحمّل ( بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ) أي تحمّل ذنباً عظيماً بسبب كذبه وافترائه .

113 - (وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ ) يا محمّد (وَرَحْمَتُهُ) بإخبارك بالمغيّبات (لَهَمَّت) أي لقصدت وأضمرت (طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ ) أي جماعة من قوم أبي طعمة (أَن يُضِلُّوكَ ) عن القضاء بالحقّ بتلبيسهم عليك (وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ ) لأنّ وبال ذلك يعود عليهم (وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ ) لأنّ الله يرعاك ويتولّى أمرك (وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ) أي القرآن (وَالْحِكْمَةَ) أي الموعظة (وَعَلَّمَكَ) من العلوم (مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ) من قبل (وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ) بأن جعلك خاتم النبيّين .

114 - (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ ) أي مشورتهم لك وكلامهم معك لأنّ أكثر نجواهم يكون في طلب الدنيا وأشياء تافهة (إِلاَّ) نجوى (مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ ) للفقراء فذلك في نجواهُ خير (أَوْ) نجوى في أمرٍ (مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) فذلك في نجواهُ خير أيضاً (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ) المعروف أو الإصلاح أو الصدقة (ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ ) وليس لغايةٍ اُخرى (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ ) في الآخرة (أَجْرًا عَظِيمًا ) دائماً لا ينقطع .

115 - (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ ) أي يُخالف الرسول ويُعاديه (مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى ) بالأدلّة العقليّة والبراهين العلميّة (وَيَتَّبِعْ) طريقاً (غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ) أي غير طريقهم ، يعني غير دينهم (نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ) أي نخلّي بينه وبين ما اختاره لنفسه من الأوثان ومن أمراء المشركين (وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ) أي نُدخِلْهُ جهنّم فيصطلي بنارها ، يعني يُعذّب بنارها . ومِثلها في آية 56 من السورة نفسها {إِنَّ الّذينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا } ، فالاُولى جاءت للمفرد والثانية للجمع (وَسَاءتْ) جهنّم (مَصِيرًا) لِمن وقع في شراكها وجاذبيّتها ولم ينجُ منها .

116 - (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ) أي لمن كان مُهيئاً للغفران (وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ) عن الحقّ (ضَلاَلاً بَعِيدًا ) .

117 - (إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ) يعني ما يدعون من دون الله (إِلاَّ إِنَاثًا ) يعني ما يُسمّونهم إلاّ تسمية الإناث ، وذلك مِثل تسميتهم لات ، عُزّى ، مناة ، إساف ، نائلة ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة النجم {إِنَّ الّذينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْاُنثى } ، فكلمة "دعاء" تكون مرّة بمعنى النداء أو الطلَب ومرّةً تكون بمعنى التسمية (وَإِن يَدْعُونَ ) أي وما يدعون (إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا ) أي مُتمرّداً على الله ، يعني خارجاً عن طاعتِه . والمعنى : إنّهم كانوا يعبدون الأصنام لكن في الحقيقة أنّهم يعبدون الشيطان لأنّه دعاهم إلى عبادتها فأطاعوهُ ، وإنّ الأصنام لا تفهم ولا تعلم لتُنسب العبادة لَها بل تُنسب للشيطان الّذي أمرهم بذلك فأطاعوه .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم