كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
116 - (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ) أي لمن كان مُهيئاً للغفران (وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ) عن الحقّ (ضَلاَلاً بَعِيدًا ) .
117 - (إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ) يعني ما يدعون من دون الله (إِلاَّ إِنَاثًا ) يعني ما يُسمّونهم إلاّ تسمية الإناث ، وذلك مِثل تسميتهم لات ، عُزّى ، مناة ، إساف ، نائلة ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة النجم {إِنَّ الّذينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْاُنثى } ، فكلمة "دعاء" تكون مرّة بمعنى النداء أو الطلَب ومرّةً تكون بمعنى التسمية (وَإِن يَدْعُونَ ) أي وما يدعون (إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا ) أي مُتمرّداً على الله ، يعني خارجاً عن طاعتِه . والمعنى : إنّهم كانوا يعبدون الأصنام لكن في الحقيقة أنّهم يعبدون الشيطان لأنّه دعاهم إلى عبادتها فأطاعوهُ ، وإنّ الأصنام لا تفهم ولا تعلم لتُنسب العبادة لَها بل تُنسب للشيطان الّذي أمرهم بذلك فأطاعوه .
118 - (لَّعَنَهُ اللّهُ ) أي أبعدهُ عن رحمتهِ ، يعني أبعده عن الجنّة وطردهُ منها (وَقَالَ) الشيطان (لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ) أي مقداراً كثيراً يجب عليّ إغواؤهم لأنّي حلفتُ على ذلك ولا أحنَثُ عن يميني ، وذلك قوله تعالى في سورة ص {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ، إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } .
119 - (وَلأُضِلَّنَّهُمْ) عن طريق الحقّ بالوسوسة (وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ) كلّ شيء يحرم عليهم وأحسّنهُ في عيونهم ليأثموا بهِ (وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ ) أي فليقطّعنّ (آذَانَ الأَنْعَامِ ) وكانت العرب تفعل ذلك في زمن الجاهلية فيقطعون أذن الشاة علامة أنّها نذيرة لأصنامهم فيُسيّبونها ، والبِتَك قِطعٌ من الخِرق أو من الصوف أو الريش ، والشاهد على ذلك قول زُهير يصف قَطاةً :
حتّى إذا ما هَوَتْ كفّ الوليدِ لها طارَتْ وفي كفّهِ مِنْ ريشِها بِتَكُ
(وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ ) وهو الإخصاء في الأنعام والدِّيَكة ، وفي الناس ما يعملونه في هذا الزمن إذ تُجرى عمليّة للمرأة الخُنثى فتصبح رجلاً ، وللرجل الخنثَى فيصبح امرأة ، وهذا تغيير خلق الله ، ويدخل في ذلك حَلق اللّحى والشوارب ونتف الحواجب للمرأة حتّى يكون دقيقاً وقصّ الذوائب ، فهذا لا يجوز ، ومِمّا أمرَ الناس بهِ أن يُغيّروهُ هو الرز والحنطة فغيّروا فوائدهما الغذائيّة بنزع قشورهما ، فالرز خلق الله فيه فيتامين (ب) في قشرِه (في السَحالة) فأمرهم الشيطان أن ينزعوا السحالة من الرز ليكون لذيذ الطعم ، وجعل الله في الرز مواد نشويّة ذات فائدة غذائيّة ، فأمرهم الشيطان أن يُخرجوها بتصفية الرز بالمصفاة حين طبخهِ ، وبذلك زالت فوائد الرز من مواد فيتامينيّة ومواد غرويّة . وكذلك أمرهم أن ينزعوا قشور الحنطة (النخالة) ليكون الخبز لذيذ الطعم ولم يعلموا ما في النخالة من فوائد غذائيّة للجسم (وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا ) فيتّبع وساوسهُ ويمتثل أوامره (مِّن دُونِ اللّهِ ) أي من دون أوامر الله (فَقَدْ خَسِرَ ) الدارَين الدنيا والآخرة (خُسْرَانًا مُّبِينًا ) أي بيّناً واضحاً ، أمّا في الدنيا فلهُ العار وفي الآخرة عذاب النار .
120 - (يَعِدُهُمْ) الشيطان المواعيد الكاذبة (وَيُمَنِّيهِمْ) الأماني الباطلة (وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا ) بالدنيا ليخسروا الآخرة .
121 - (أُوْلَـئِكَ) الّذينَ اتّبعوا الشيطان وعصَوا الرحمان (مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ) يأوون إليها يوم القيامة (وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا ) أي لا يجدون مخلصاً منها وملجئاً .
122 - (وَالّذينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ ) في الآخرة (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ) أي من تحت أشجارها (خَالِدِينَ فِيهَا ) أي مخلّدين فيها (أَبَدًا) أي دائماً لا يخرجون منها (وَعْدَ اللّه ) الّذي وعدَ بهِ المؤمنين (حَقًّا) لا تغيير فيه (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً ) أي قولاً ، يعني لا أحد أصدق من الله قولاً .
123 - تفاخر بعض رجال من اليهود ورجال من المسلمين فقالت اليهود : "نحن شعب الله المختار وإنّ الله يغفر لنا خطايانا مهما أخطأنا" ، وقال المسلمون : "بل نحن يغفر لنا خطايانا لأنّنا آمنّا بالله وصدّقنا رسوله محمّداً وأنتم كذّبتم به وكفرتم" . فنزلت هذه الآية (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ ) ايُها المسلمون ، أي ليس الغفران وترك العقاب على المعاصي بأمانيّكم (وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ) الّذينَ يعملون السيّئات ثمّ يقولون سيُغفر لنا ، ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة الأعراف {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأخذَونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا } ، أي يأخذَون الرشوة في حكمهم ويقولون سيغفر الله لنا ، ثم قال تعالى (مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ) إمّا في الدنيا وإمّا في الآخرة ، ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة الزلزال {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } (وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا ) يتولّى أمره (وَلاَ نَصِيرًا ) ينصره ويخلّصه من عذاب الله .
124 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ بأنّ الإنفاق على الفقراء وإطعام الطعام والأعمال الصالحة الاُخرى تُقبل من المؤمنين الموحِّدين ولا تُقبَل من المشركين ، فقال (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ ) كان (أَوْ اُنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) بالله وبالرُسُل وبالقيامة والحساب وهو مع ذلك موحِّد غير مشرك (فَأُوْلَـئِكَ) الموحِّدون (يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ ) من جزائهم (نَقِيرًا) أي قدر ما ينقره الطير الواحد من الحَبّ .
125 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ أنّ منهج هؤلاء المشركين على خطأ وأنّ الصحيح هو منهج الإسلام وهو منهج حسَن أيضاً فقال (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا ) أي لا أحدَ أحسن طاعةً (مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله ) أي مِمّن انقادَ لأوامر الله ووجّهَ وجههُ إليه في صلاتهِ وعبادتهِ ولم يتّجه للأصنام وللأوثان (وَهُوَ مُحْسِنٌ ) مع الفقراء والمحتاجين (واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ ) التي سارَ على نهجها محمّد (حَنِيفًا) أي موحِّداً (وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ) من الخِلّة أي مُحبّاً وحبيباً .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |