كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة النساء من الآية( 121) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

121 - (أُوْلَـئِكَ) الّذينَ اتّبعوا الشيطان وعصَوا الرحمان (مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ) يأوون إليها يوم القيامة (وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا ) أي لا يجدون مخلصاً منها وملجئاً .

122 - (وَالّذينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ ) في الآخرة (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ) أي من تحت أشجارها (خَالِدِينَ فِيهَا ) أي مخلّدين فيها (أَبَدًا) أي دائماً لا يخرجون منها (وَعْدَ اللّه ) الّذي وعدَ بهِ المؤمنين (حَقًّا) لا تغيير فيه (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً ) أي قولاً ، يعني لا أحد أصدق من الله قولاً .

123 - تفاخر بعض رجال من اليهود ورجال من المسلمين فقالت اليهود : "نحن شعب الله المختار وإنّ الله يغفر لنا خطايانا مهما أخطأنا" ، وقال المسلمون : "بل نحن يغفر لنا خطايانا لأنّنا آمنّا بالله وصدّقنا رسوله محمّداً وأنتم كذّبتم به وكفرتم" . فنزلت هذه الآية (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ ) ايُها المسلمون ، أي ليس الغفران وترك العقاب على المعاصي بأمانيّكم (وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ) الّذينَ يعملون السيّئات ثمّ يقولون سيُغفر لنا ، ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة الأعراف {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأخذَونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا } ، أي يأخذَون الرشوة في حكمهم ويقولون سيغفر الله لنا ، ثم قال تعالى (مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ) إمّا في الدنيا وإمّا في الآخرة ، ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة الزلزال {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } (وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا ) يتولّى أمره (وَلاَ نَصِيرًا ) ينصره ويخلّصه من عذاب الله .

124 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ بأنّ الإنفاق على الفقراء وإطعام الطعام والأعمال الصالحة الاُخرى تُقبل من المؤمنين الموحِّدين ولا تُقبَل من المشركين ، فقال (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ ) كان (أَوْ اُنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) بالله وبالرُسُل وبالقيامة والحساب وهو مع ذلك موحِّد غير مشرك (فَأُوْلَـئِكَ) الموحِّدون (يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ ) من جزائهم (نَقِيرًا) أي قدر ما ينقره الطير الواحد من الحَبّ .

125 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ أنّ منهج هؤلاء المشركين على خطأ وأنّ الصحيح هو منهج الإسلام وهو منهج حسَن أيضاً فقال (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا ) أي لا أحدَ أحسن طاعةً (مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله ) أي مِمّن انقادَ لأوامر الله ووجّهَ وجههُ إليه في صلاتهِ وعبادتهِ ولم يتّجه للأصنام وللأوثان (وَهُوَ مُحْسِنٌ ) مع الفقراء والمحتاجين (واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ ) التي سارَ على نهجها محمّد (حَنِيفًا) أي موحِّداً (وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ) من الخِلّة أي مُحبّاً وحبيباً .

126 - (وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ) الغازيّة من طيور تطير ومن رزقٍ كثير (وَمَا فِي الأَرْضِ ) من مالٍ وفير فيهبُ منها لمن يُسلم وجههُ لله وهو مُحسِنٌ مع الفقراء والمحتاجين (وَكَانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ ) من الإنفاق (مُّحِيطًا) لا يَخفَى عليه شيء منها .

127 - سأل النبيّ رجلٌ من الصحابة فقال : "عندي يتيمة وأريد أن أتزوّجها أيجوز بلا صداق؟" فنزلت هذه الآية (وَيَسْتَفْتُونَكَ) يا محمّد ، أي يطلبون منك الفتوى (فِي) شأن (النِّسَاء) وزواجهنّ (قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ ) أي في أمرهنّ (وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ ) أي ويفتيكم أيضاً فيما يُقرَأ عليكم في القرآن ، وهو قوله تعالى {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء } ، في ثالث آية من هذه السورة ، وقوله (فِي يَتَامَى النِّسَاء ) اللّاتي تولّيتم عليهنّ بالوصاية (الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ ) من الميراث والصُداق . كانوا في الجاهلية لا يورِّثون النساء ولا الأولاد الصغار (وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ ) بلا صُداق وهذا لا يجوز فيجب أن تدفعوا صُداقهنّ قبل نكاحهنّ (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ ) معناه ويفتيكم في المستضعفين من الصبيان الصغار بأن تعطوهم حُقوقهم كاملةً ولا تأخذوا شيئاً منها (وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ ) أي بالعدل سواءً ذكراً كان أو اُنثى صغيراً كان أو كبيراً فلا تظلموهم حُقوقهم وأحسِنوا إليهم (وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ ) مع الأيتام (فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا ) فيجازيكم على إحسانكم .

128 - (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا ) أي من زوجها (نُشُوزًا) أي تكبّراً عليها وتجافياً عنها (أَوْ إِعْرَاضًا ) عنها إلى غيرها بسبب كبر سنّها أو دمامتها أو طموح عينهِ إلى أجمل منها وخافت أن يُطلّقها (فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا ) يعني فلا حرجَ على الزوج والزوجة أن يتصالحا بينهما على أن تترك لهُ شيئاً من حقِّها من المبيت عندها أو من الكِسوة أو النفَقة إن كانت غنيّة كي لا يُطلّقها (صُلْحًا) أي على شرط أن يكون ذلك صُلحاً لا جبراً (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) من الفراق بالطلاق . ثمّ توعّد الله سُبحانهُ البُخلاء والحريصين على المال توعّدهم بالعذاب فقال (وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحّ ) الّذينَ كانوا قبلكم وماتوا اُحضِروا للعذاب فهم اليوم مُعذّبون فلا تكونوا أنتم مثلهم بُخلاء فتتعذّبوا في الآخرة ، فكلمة "اُحْضِرَتْ" معناها اُحضِرت للعذاب ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة مريم {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا } ، والشُحّ جمع شحيح وهو البخيل والحريص على المال وفي ذلك قال الشاعر :

                        فلا الجُودُ يُفْنِي الْمَالَ قَبْلَ فَنَائِهِ      وَلا البُخْلُ فِي مالِ الشَّحِيحِ يَزِيدُ

(وَإِن تُحْسِنُواْ ) مع زوجاتكم بالنفَقة والكِسوة وغير ذلك (وَتَتَّقُواْ) عقاب الله في صدودكم عنهنّ والأذى لهنّ بلا ذنبٍ منهنّ (فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ ) من إحسان أو إساءة (خَبِيرًا) فيجازي كلّ إنسان على أعماله في الآخرة .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم