كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
142 - (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ ) في إسلامهم المزيّف لأنّهم يُظهرون غير ما يُبطنون (وَهُوَ خَادِعُهُمْ ) كما يُخادعونهُ ، وذلك بأن يُمهلهم ويُعطيهم من المال والأولاد فيظنّوا أنّ الله راضٍ عنهم ولذلك أعطاهم من مال الدنيا وزينتها وبذلك يزداد إثمهم فيدخلوا جهنّم في الآخرة (وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى ) أي متثاقلين (يُرَآؤُونَ النَّاسَ ) يعني يُصلّون لتراهم الناس وليس صلاتهم إطاعة لله بل خوفاً من الناس (وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ ) في حركاتهم وسكناتهم (إِلاَّ قَلِيلاً ) .
143 - (مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ ) أي مُتردّدين بين الكفر والإسلام (لاَ إِلَى هَـؤُلاء ) الكفّار لإظهارهم الإسلام (وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء ) المؤمنين لكفرهم ونفاقهم (وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً ) إلى الهُدَى .
144 - كان بعض المسلمين يُحبّون أقرباءهم من الكافرين ويوالونهم فنهاهم الله تعالى عن ذلك فقال (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ ) أي أحبّاء (مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) أي بدل المؤمنين فالأحرى بكم أن توالوا المؤمنين وتدافعوا عنهم (أَتُرِيدُونَ) بفعلكم هذا (أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا ) أي حُجّةً ظاهرة ، ومعناه أتريدون أن تجعلوا لله سبيلاً إلى عذابكم ، ثمّ بيّنَ سُبحانهُ بأنّ من يوالي الكافرين فهو مُنافق وأنّ الله يُعذّب المنافقين يوم القيامة أشدّ العذاب ، فقال :
145 - (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) أي الذي هو أسفل طبقة من النار ومَوقد نارها وشدّة حرارتِها ، أمّا غيرهم فيكون عذابهم حولها لا في دركها الأسفل ، وذلك قوله تعالى في سورة مريم في منكري البعث {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا } ، فهنا قال تعالى {حَوْلَ جَهَنَّمَ } ولكن للمنافقين قال (فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) ، (وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ) ينصرهم ويُخلّصهم من عذاب الله . ثمّ استثنَى من تاب من المنافقين فقال تعالى :
146 - (إِلاَّ الّذينَ تَابُواْ ) من نفاقهم (وَأَصْلَحُواْ) أعمالهم وضمائرهم (وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ ) يعني ووثَقوا به فجعلوهُ عَوناً لهم في الْمُهِمّات وملجئاً من الآفات وأهلاً للعِبادات (وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ ) فتركوا الرياء والإشراك ، والمعنى : جعلوا عبادتهم خالصةً لله لا يشركون به أحداً من المخلوقين ولا يُراؤون الناس ليقولوا عنهم أنّهم عابدون (فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ) يُحشَرون وبالجنّة يتنعّمون (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ) في الآخرة .
147 - لَمّا نزلَ قوله تعالى إنّ الله لا يغفرُ أن يُشرك بهِ ويغفرُ ما دون ذلك لِمَن يشاء ، قال بعض أصحاب النبيّ يا رسول الله إنّا كنّا مشركين ونخاف أنّ الله تعالى لا يغفر لنا إشراكنا ويُعذّبنا يوم القيامة . فنزلت هذه الآية (مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ ) نعماءهُ (وَآمَنتُمْ) برُسُله ، أي لا يعذّبكم بعد إسلامكم (وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا ) أي مُجازياً لأعمالكم مُؤدِّياً حُقوقَكم (عَلِيمًا) بما تقرّ بهِ عيونكم من النعيم في الآخرة .
148 - (لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ ) يعني إن أصابكم سوء من مرض أو فقر أو غير ذلك من هموم الدنيا فلا تجاهِروا بِها عند الناس فتظهروا لهم سوء أحوالكم ومعاشكم وما أصابكم من ضيق وحُزن ، فإنّكم إن فعلتم ذلك فكأنّما شكوتم الله عند الناس (مِنَ الْقَوْلِ ) الّذي لا يحبّ الله أن تجهروا بهِ (إِلاَّ مَن ظُلِمَ) من جهة الناس فلا بأس عليه أن يجهر بالقول فيقول سرقني فلان ، وأهانني زيد ، وغصبَ حقّي عمرو ، وذلك لكي تُساعدهُ الناس على إرجاع حقّهِ (وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا) لأقوالكم (عَلِيمًا) بأحوالكم .
149 - (إِن تُبْدُواْ خَيْرًا ) للناس من القول بدل الجهر بالسوء فتقولوا لمن سألكم عن أحوالكم : الحمدُ لله نحن في خير وعافية (أَوْ تُخْفُوهُ ) يعني أو تُخفوا السوء الّذي أصابكم إن لم تُبدوا للناس خيراً (أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ ) أصابكم من الناس (فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا) لِمَن يعفو الناس عن سوءٍ أصابهُ منهم (قَدِيرًا) على الانتقام مِمّن ظلمكم .
150 - دعا النبيّ أهل الكتاب إلى الإسلام فأسلم بعضهم وأنكر الآخرون نبوّتهُ وطلبوا منهُ المستحيلات ، فأنزل الله فيهم هذه الآيات (إِنَّ الّذينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ ) يعني اليهود الّذينَ عبدوا الأصنام . أمّا النصارَى كفروا بالله أيضاً لأنّهم قالوا بالثالوث ، وقالوا المسيح إبن الله 52، وقال بعضهم المسيح هو الله ، فهذا كفرهم بالله (وَرُسُلِهِ) أمّا كفرهم برُسُله هو إنكارهم رسالة محمّد ، واليهود أنكروا رسالة عيسى ومحمّد وكثير مِمّن سبق عيسى من الأنبياء (وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ ) بإنكارهم بعض الرُسُل (وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ ) الأنبياء (وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ ) فاليهود يؤمنون بموسى وغيره من أنبياء بني إسرائيل ويكفرون بعيسى ومحمّد ، والنصارى يؤمنون بعيسى ومن جاء قبله من الأنبياء ويكفرون بِمحمّد (وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً ) أي يتّخذوا طريقاً بين الضلال والحقّ بأهوائهم .
151 - (أُوْلَـئِكَ) الّذينَ سبق ذكرهم (هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا ) أي هيّأنا (لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ) .
152 - (وَالّذينَ آمَنُواْ بِاللّهِ) من أهل الكتاب (وَرُسُلِهِ) كلّهم (وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَـئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ ) في الآخرة (وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا ) لذنوبهم (رَّحِيمًا) بهم .
153 - قال كعب بن الأشرف وجماعة من اليهود : يا محمّد إن كنتَ نبيّاً كما تدّعي فأنزِل علينا كتاباً من السماء مكتوباً في ألواح حجريّة كما جاء بها موسى فنصدّقك ، فنزلت هذه الآية (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ ) يعني اليهود (أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء ) مكتوباً كما جاء موسى بالألواح مكتوبة ، فردّ الله تعالى عليهم قولهم فقال (فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ ) يعني أعظم من سؤالهم هذا (فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَة ) أي مُعاينةً ( فَأخذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ ) فوق جبل الطور وماتوا (بِظُلْمِهِمْ) أي بسبب ظلمهم (ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ ) معبوداً يعبدونه (مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ ) على يد موسى نبيّهم (فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ ) ليستقيموا على التوحيد ويُصلحوا أعمالهم ولكنّهم ازدادوا بعد ذلك عِناداً وتعنّتاً (وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا ) أي حُجّةً ظاهرة تبيّن صِدقهُ وصحّة رسالته . والمعنى : إنّ الّذينَ سألوك أن تنزّل عليهم كتاباً من السماء لم ينقادوا لموسى نبيّهم بعد أن رأوا منهُ تلك المعجزات ولَمّا جاء بالألواح كذّبوهُ وقالوا من يُصدّق أنّها من عند الله ، فلا تطمع يا محمّد بإيمانهم ولا تصدّق بقولهم .
------------------------------------52 :حالة أنّ المسيح نفسه زجر بطرس وطرده لأنه قال عنه : إنّك المسيح ابن الله ولم يقبله إلاّ بعد شفاعة التلاميذ له ، وذلك قول المسيح : « ﭐذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ . أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا لِلَّهِ لَكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ »إنجيل متّى 16: 23 ويجب أن تكون ترجمته : « ﭐبتعِدْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ » فإنّها تصدق على بطرس القائل : « ﭐبْعدْ عنّي يَا سيّد فإنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ » إنجيل لوقا 5: 8 - المراجع .كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |