كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
143 - (مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ ) أي مُتردّدين بين الكفر والإسلام (لاَ إِلَى هَـؤُلاء ) الكفّار لإظهارهم الإسلام (وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء ) المؤمنين لكفرهم ونفاقهم (وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً ) إلى الهُدَى .
144 - كان بعض المسلمين يُحبّون أقرباءهم من الكافرين ويوالونهم فنهاهم الله تعالى عن ذلك فقال (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ ) أي أحبّاء (مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) أي بدل المؤمنين فالأحرى بكم أن توالوا المؤمنين وتدافعوا عنهم (أَتُرِيدُونَ) بفعلكم هذا (أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا ) أي حُجّةً ظاهرة ، ومعناه أتريدون أن تجعلوا لله سبيلاً إلى عذابكم ، ثمّ بيّنَ سُبحانهُ بأنّ من يوالي الكافرين فهو مُنافق وأنّ الله يُعذّب المنافقين يوم القيامة أشدّ العذاب ، فقال :
145 - (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) أي الذي هو أسفل طبقة من النار ومَوقد نارها وشدّة حرارتِها ، أمّا غيرهم فيكون عذابهم حولها لا في دركها الأسفل ، وذلك قوله تعالى في سورة مريم في منكري البعث {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا } ، فهنا قال تعالى {حَوْلَ جَهَنَّمَ } ولكن للمنافقين قال (فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) ، (وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ) ينصرهم ويُخلّصهم من عذاب الله . ثمّ استثنَى من تاب من المنافقين فقال تعالى :
146 - (إِلاَّ الّذينَ تَابُواْ ) من نفاقهم (وَأَصْلَحُواْ) أعمالهم وضمائرهم (وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ ) يعني ووثَقوا به فجعلوهُ عَوناً لهم في الْمُهِمّات وملجئاً من الآفات وأهلاً للعِبادات (وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ ) فتركوا الرياء والإشراك ، والمعنى : جعلوا عبادتهم خالصةً لله لا يشركون به أحداً من المخلوقين ولا يُراؤون الناس ليقولوا عنهم أنّهم عابدون (فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ) يُحشَرون وبالجنّة يتنعّمون (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ) في الآخرة .
147 - لَمّا نزلَ قوله تعالى إنّ الله لا يغفرُ أن يُشرك بهِ ويغفرُ ما دون ذلك لِمَن يشاء ، قال بعض أصحاب النبيّ يا رسول الله إنّا كنّا مشركين ونخاف أنّ الله تعالى لا يغفر لنا إشراكنا ويُعذّبنا يوم القيامة . فنزلت هذه الآية (مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ ) نعماءهُ (وَآمَنتُمْ) برُسُله ، أي لا يعذّبكم بعد إسلامكم (وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا ) أي مُجازياً لأعمالكم مُؤدِّياً حُقوقَكم (عَلِيمًا) بما تقرّ بهِ عيونكم من النعيم في الآخرة .
148 - (لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ ) يعني إن أصابكم سوء من مرض أو فقر أو غير ذلك من هموم الدنيا فلا تجاهِروا بِها عند الناس فتظهروا لهم سوء أحوالكم ومعاشكم وما أصابكم من ضيق وحُزن ، فإنّكم إن فعلتم ذلك فكأنّما شكوتم الله عند الناس (مِنَ الْقَوْلِ ) الّذي لا يحبّ الله أن تجهروا بهِ (إِلاَّ مَن ظُلِمَ) من جهة الناس فلا بأس عليه أن يجهر بالقول فيقول سرقني فلان ، وأهانني زيد ، وغصبَ حقّي عمرو ، وذلك لكي تُساعدهُ الناس على إرجاع حقّهِ (وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا) لأقوالكم (عَلِيمًا) بأحوالكم .
149 - (إِن تُبْدُواْ خَيْرًا ) للناس من القول بدل الجهر بالسوء فتقولوا لمن سألكم عن أحوالكم : الحمدُ لله نحن في خير وعافية (أَوْ تُخْفُوهُ ) يعني أو تُخفوا السوء الّذي أصابكم إن لم تُبدوا للناس خيراً (أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ ) أصابكم من الناس (فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا) لِمَن يعفو الناس عن سوءٍ أصابهُ منهم (قَدِيرًا) على الانتقام مِمّن ظلمكم .
150 - دعا النبيّ أهل الكتاب إلى الإسلام فأسلم بعضهم وأنكر الآخرون نبوّتهُ وطلبوا منهُ المستحيلات ، فأنزل الله فيهم هذه الآيات (إِنَّ الّذينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ ) يعني اليهود الّذينَ عبدوا الأصنام . أمّا النصارَى كفروا بالله أيضاً لأنّهم قالوا بالثالوث ، وقالوا المسيح إبن الله 52، وقال بعضهم المسيح هو الله ، فهذا كفرهم بالله (وَرُسُلِهِ) أمّا كفرهم برُسُله هو إنكارهم رسالة محمّد ، واليهود أنكروا رسالة عيسى ومحمّد وكثير مِمّن سبق عيسى من الأنبياء (وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ ) بإنكارهم بعض الرُسُل (وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ ) الأنبياء (وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ ) فاليهود يؤمنون بموسى وغيره من أنبياء بني إسرائيل ويكفرون بعيسى ومحمّد ، والنصارى يؤمنون بعيسى ومن جاء قبله من الأنبياء ويكفرون بِمحمّد (وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً ) أي يتّخذوا طريقاً بين الضلال والحقّ بأهوائهم .
151 - (أُوْلَـئِكَ) الّذينَ سبق ذكرهم (هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا ) أي هيّأنا (لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ) .
152 - (وَالّذينَ آمَنُواْ بِاللّهِ) من أهل الكتاب (وَرُسُلِهِ) كلّهم (وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَـئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ ) في الآخرة (وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا ) لذنوبهم (رَّحِيمًا) بهم .
153 - قال كعب بن الأشرف وجماعة من اليهود : يا محمّد إن كنتَ نبيّاً كما تدّعي فأنزِل علينا كتاباً من السماء مكتوباً في ألواح حجريّة كما جاء بها موسى فنصدّقك ، فنزلت هذه الآية (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ ) يعني اليهود (أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء ) مكتوباً كما جاء موسى بالألواح مكتوبة ، فردّ الله تعالى عليهم قولهم فقال (فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ ) يعني أعظم من سؤالهم هذا (فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَة ) أي مُعاينةً ( فَأخذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ ) فوق جبل الطور وماتوا (بِظُلْمِهِمْ) أي بسبب ظلمهم (ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ ) معبوداً يعبدونه (مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ ) على يد موسى نبيّهم (فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ ) ليستقيموا على التوحيد ويُصلحوا أعمالهم ولكنّهم ازدادوا بعد ذلك عِناداً وتعنّتاً (وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا ) أي حُجّةً ظاهرة تبيّن صِدقهُ وصحّة رسالته . والمعنى : إنّ الّذينَ سألوك أن تنزّل عليهم كتاباً من السماء لم ينقادوا لموسى نبيّهم بعد أن رأوا منهُ تلك المعجزات ولَمّا جاء بالألواح كذّبوهُ وقالوا من يُصدّق أنّها من عند الله ، فلا تطمع يا محمّد بإيمانهم ولا تصدّق بقولهم .
------------------------------------52 :حالة أنّ المسيح نفسه زجر بطرس وطرده لأنه قال عنه : إنّك المسيح ابن الله ولم يقبله إلاّ بعد شفاعة التلاميذ له ، وذلك قول المسيح : « ﭐذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ . أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا لِلَّهِ لَكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ »إنجيل متّى 16: 23 ويجب أن تكون ترجمته : « ﭐبتعِدْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ » فإنّها تصدق على بطرس القائل : « ﭐبْعدْ عنّي يَا سيّد فإنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ » إنجيل لوقا 5: 8 - المراجع .كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |