كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
15 - (وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ ) يعني المتزوّجات إذا زنت إحداهنّ ، وكلمة "اللّاتي" جمع "الّتي" ، وكذلك "اللّواتي" ، ومن ذلك قول الشاعر :
مِنَ اللَّوَاتي والّتِي واللّاتِي زَعَمْنَ أنْ قدْ كَبَرَتْ لِدَاتِي
وقد تُحذف التاء من "اللاتي" فيقال "اللائي" ، ومن ذلك قول الشاعر :
مِنَ اللائِي لَمْ يَحْجُجْنَ يَبْغِينَ حِسْبَةً وَلَكِنْ لِيَقْتُلْنَ التَّقِيَّ الْمُغَفَّلا
(فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ ) أي من المسلمين ، والخطاب للقضاة (فَإِن شَهِدُواْ ) الشهود الأربعة بأنّها زنت أو اعترفت هي بلسانها أنّها زنت (فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ ) ولا تُعطوهنّ غذاءً ولا ماءً (حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ ) بالمدّة المقرّرة (أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ) للحياة بعد تلك المدّة فيُطلَق سراحها . فالمتزوّجة إذا زنت وثبت ذلك بأربعة شهود أو باعترافها ، فقبل كل شيء يُطلّقها زوجها وليس لها شيء من مهرها المعجّل ولا المؤجّل ، ثمّ تُسجن في بيت مخصوص لهذه الغاية ويدوم سجنها سبعة أيّام بلياليها ولا تُعطى غذاءً ولا ماءً لكي تموت جوعاً وعطشاً ، فإذا انتهت سبعة أيّام وسبع ليالٍ يُفتح باب البيت فإن وُجِدتْ ميّتة فقد ماتت بذنبها ، وإن وُجدت حيّة يُطلق سراحها ولكن لا تعود إلى زوجها الأوّل لأنّها تدنّست ، وإذا عاودت وزنت فحكمها القتل رجماً بالحجارة . والدليل على أنّ سجنها يكون سبعة أيّام هو الألف والواو من قوله تعالى (أَوْ- يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ) فإذا حسبتَ الألف والواو بحساب الجُمل يكون الناتج سبعة ، والدليل الثاني قِصّة أبو لُبابة لَمّا خان وأشار إلى اليهود بالذّبح إن نزلوا على حكم سعد ، فقد لبث سبعة أيّام بلياليها لا يأكل ولا يشرب حتّى تابَ الله عليه . أمّا الغرفة الّتي تُسجَن فيها النساء اللّواتي ارتكبنَ الفاحشة فتُبنى داخل السجن وتكون مُحكمة البناء غرفة داخل غرفة ولا يكون فيها أكثر من نافذة واحدة لدخول الهواء فيها ، وذلك لئلاّ يتمكّن أحد أن يرمي لَها طعاماً أو شراباً ، ويجب أن يُقام عليها حارس لهذه الغاية ، وعلى القاضي أن يزيد في عذاب الزاني المتزوّج ، ويقلّل من عذاب الزاني الأعزب ، ثمّ يجعل فرقاً بين من يزني بامرأة زانية ومن يزني بامرأة عفيفة أو متزوّجة ، فيزيد في عذابه إن زنا بامرأة ذات زوج ، وسنشرح في المستقبل حكم كلّ واحد منهم بالتفصيل إن شاء الله .
16 - (وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا ) أي الفاحشة (مِنكُمْ) أيّها المسلمون (فَآذُوهُمَا) باللسان يعني آذوهما بالتأنيب والتوبيخ والكلام اللاذع لكي لا يعودا إلى الفاحشة مرّة اُخرى ويقصد بذلك العادة السرّيّة التي يستعملها بعض الشباب والشابّات (فَإِن تَابَا ) عن هذه العادة (وَأَصْلَحَا) أعمالهما (فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا ) ولا تؤذوهما (إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا ) للتائبين (رَّحِيمًا) بالنادمين . فالأذى يريد بهِ باللسان دون اليد ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة آل عمران {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الّذينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الّذينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا } ، يعني باللّسان . وقال تعالى في سورة التوبة {وَمِنْهُمُ الّذينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ } ، يعني يؤذونه بالكلام .
أمّا حكم اللّواط لم يأتِ في القرآن لأنّ العرب في زمن الجاهلية لم تكن فيهم هذه العادة ، ولكن جاء حكم اللّواط في التوراة وذلك في سفر لاويين في الإصحاح العشرين قال : (وإذا اضطجعَ رجلٌ مع ذكرٍ اضطجاع امرأةٍ فقد فعلا كلاهما رِجساً ، إنّهما يُقتَلان ، دمُهما عليهما .)
أمّا حكمهما في الإسلام فيرجع إلى القاضي فيحكم عليهما إمّا بالجلد أو السجن بِما هو مناسب من عمر أحدهما إن كان صغيراً أو كبيراً متزوّجاً أو باكراً .
أمّا فعل السّحاق بالنسبة للاُنثى فتجلد كلّ واحدةٍ منهما عشر جلدات .
17 - ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ ) أي التي ضمن على نفسه قبولَها بفضله (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ) أي يعملون السيّئات بجهالة ، يعني جاهلين عقابَها وعاقبتها ، فالإنسان لم يزل جاهلاً حتّى يبلغ الأربعين من عمره فحينئذٍ يزداد عقلهُ بالتجارب والدراسة ويذهب جهلهُ بالتدريج وفي ذلك قال الشاعر :
وماذا يَلْمِزُ الأعْداءُ مِنِّي وقَدْ جاوَزْتُ سِنَّ الأربَعِينَا
(ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ ) أي من وقت قريب لليوم الذي عملوا فيه الذنب (فَأُوْلَـئِكَ) التائبون (يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ ) أي يقبل توبتهم (وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً ) بأعمال العباد وتوبتهم (حَكِيماً) فيما يعاملهم به .
18 - (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ ) المقبولة عند الله هيَ (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ) على الدوام (حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ) ملَك (الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ ) فأولائك لا تُقبَل توبتهم (وَلاَ الّذينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ) فأولائك لا تُقبَل توبتهم (أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا ) أي هيّأنا (لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) في الآخرة .
19 - كانت العادة في زمن الجاهلية إذا مات الرجل ورث ابنهُ زوجة أبيهِ كما يرث المال فيلقي ثوبهُ عليها فتكون إرثاً له فإن شاء تزوّجها بلا صداق وإن شاء زوّجها غيره وأخذ صداقها ، فنزلت هذه الآية نهياً للمسلمين عن تلك التقاليد (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا ) يعني وهنّ كارهات (وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ ) يعني ولا تهجروا نِساءكم فلا أنتم مُجتمعون بهنّ في المبيت ولا مُطْلِقون سراحهنّ ليتزوّجنَ غيركم ، وغايتكم بذلك لتذهبوا ببعض ما آتيتموهنّ من صداق . فالعضل معناه المنع والحبس ، وقد سبق تفسير هذه الكلمة في سورة البقرة في آية 232 ، وكانوا إذا كرهَ أحدهم زوجته هجرها فلا يُطلّقها حتّى تعطيه نصف صداقها الّذي دفعهُ لها ، وقوله (إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ) يعني فلا يحلّ لكم أخذُ شيء من صداقهنّ ولا طلاقُهنّ إلاّ أنْ يزنِينَ فحينئذٍ يُباح لكم أخذ الصداق منهنّ وطلاقُهنّ . ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة الطلاق {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } ، وقوله (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) أي بالإنصاف في النفَقة والمبيت والقول الجميل (فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ ) لدمامتهنّ (فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا ) في أنفسكم (وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) بأن يرزقكم منهنّ أولاداً صالحين ينفعونكم عند الكبر ، أو تموت واحدة منهنّ فيرثها زوجها ، أو تكون على أحدكم شِدّة من مرض أو سجن فتقوم زوجته بخدمتهِ ، فكلمة "عسَى" تأتي بمعنى لعلّ ، ومن ذلك قول عنترة :
فيا طيرَ الأراكِ بِحقّ ربٍّ يراكَ عساكَ تعلمُ أينَ حلُّوا
وقال أيضاً :
عَسَى الأَيّامُ تُنعِمُ لي بِقُربٍ وَبَعدَ الهَجْرِ مُرُّ العَيشِ يَحلُو
وإليك هذه الحادثة أذكرها كشاهد على قوله تعالى (فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا )
إحدى جاراتنا الفاسقات كانت تلد مرّةً ذكراً ومرّةً اُنثى ، فكرهت آخر حمل لَها أن تلده إذ اعتقدت أن في بطنها اُنثى على موجب ما اعتادت عليه سابقاً ، وأرادت أن تُسقِطَ جنينها بكلّ وسيلة ممكنة فلم يتيسّر لها ذلك ، فذهبت إلى دكتورة في بغداد وقالت لها أعطيك مائة دينار على أن تُسقطي الجنين الّذي في بطني ، فقالت لها لا أفعل ذلك إلاّ برِضاً من زوجِكِ لئلاّ أكون مسؤولة في المحاكم . ولَمّا كانت تعلم أنّ زوجها لا يرضى بذلك عمدت إلى وسيلة اُخرى إذ حملت سلعة ثقيلة إشتراها زوجها من بغداد إلى كراج السيّارات ، ولم توافق على أن يحملها زوجها أو أن يضعها في سيّارة تاكسي ، وبهذه الطريقة صارت تنزف دماً من بطنها لكي تُسقط الجنين الّذي في بطنها . ولَمّا كان الله تعالى يريد بقاء هذا الجنين في قيد الحياة لأنّ زوجها رجل صالح أراه رؤيا في المنام كأنّ امرأتين وقد شنقتا جنيناً ذكراً بمحرمة لفّتها إحداهما على عنقه وأمسكت بطرفها وأخذت المرأة الثانية بطرفها الآخر تريدان خنق الجنين ، فانتبه من نومه مرعوباً وقصّ رؤياه على زوجته وقال لها إنّ حملك ذكر وليس اُنثى ، وذهب إلى الصيدلية وجاء بحبوب فأخذتها فانقطع النزيف ولم يسقط جنينها . ولَمّا ولدت فإذا هو ذكر ففرحت به وكان خيراً لها من عدّة أوجه :
أوّلاً- لم تأثم بقتل إنسان ،
ثانياً- المائة دينار التي قرّرت أن تدفعها للدكتورة بقيت عندها ،
ثالثاً- حصلت على هدايا كثيرة لجنينها الّذي ولدته ،
رابعاً- صارت معزّزة عند زوجها وأهله بسبب الجنين الّذي ولدته .
هذا في الحاضر وللمستقبل خير كثير ، والله أعلم بالعواقب .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |