كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة النساء من الآية( 152) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

152 - (وَالّذينَ آمَنُواْ بِاللّهِ) من أهل الكتاب (وَرُسُلِهِ) كلّهم (وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَـئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ ) في الآخرة (وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا ) لذنوبهم (رَّحِيمًا) بهم .

153 - قال كعب بن الأشرف وجماعة من اليهود : يا محمّد إن كنتَ نبيّاً كما تدّعي فأنزِل علينا كتاباً من السماء مكتوباً في ألواح حجريّة كما جاء بها موسى فنصدّقك ، فنزلت هذه الآية (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ ) يعني اليهود (أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء ) مكتوباً كما جاء موسى بالألواح مكتوبة ، فردّ الله تعالى عليهم قولهم فقال (فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ ) يعني أعظم من سؤالهم هذا (فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَة ) أي مُعاينةً ( فَأخذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ ) فوق جبل الطور وماتوا (بِظُلْمِهِمْ) أي بسبب ظلمهم (ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ ) معبوداً يعبدونه (مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ ) على يد موسى نبيّهم (فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ ) ليستقيموا على التوحيد ويُصلحوا أعمالهم ولكنّهم ازدادوا بعد ذلك عِناداً وتعنّتاً (وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا ) أي حُجّةً ظاهرة تبيّن صِدقهُ وصحّة رسالته . والمعنى : إنّ الّذينَ سألوك أن تنزّل عليهم كتاباً من السماء لم ينقادوا لموسى نبيّهم بعد أن رأوا منهُ تلك المعجزات ولَمّا جاء بالألواح كذّبوهُ وقالوا من يُصدّق أنّها من عند الله ، فلا تطمع يا محمّد بإيمانهم ولا تصدّق بقولهم .

154 - (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ ) أي بنقضهم ميثاقهم ، وذلك لَمّا ذهب موسى إلى جبل الطور ليأتي بالتوراة وكان معه جماعة من قومه قال لهم إنتظروني هنا في أسفل الجبل وأنا أصعد وآتيكم بالتوراة ، فلَمّا رجع إليهم وفي يده لوحان من حجر مكتوب فيهما التوراة قال هؤلاء الّذينَ كانوا ينتظرونه مَن يُصدّق أنّ هذه التوراة من عند الله . وكانوا قد أعطوه العهود والمواثيق بأن يقبلوها منه ويعملوا بِما فيها من أحكام ، فلمّا قالوا هذا الكلام انشقّ الجبل الذي كانوا تحتهُ ومالت الشُقّة عليهم وكادت تقع عليهم فتقتلهم جميعاً فلمّا رأوها خافوا وصاحوا آمنّا وصدّقنا ، فاستقرّت الشقّة في مكانها ولم تقع عليهم ، وقد جاء ذكرها في سورة الأعراف أيضاً وذلك قوله تعالى {وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِم } . ثمّ ذكرَ سُبحانهُ جهلهم وعنادهم في حادثةٍ اُخرى فقال (وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ ) أي باب القرية وهي أريحا (سُجَّدًا) أي مُطيعين مُنقادين ، ولكنّهم لم يدخلوها بل عصَوا وعاندوا وقالوا لِموسى إذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا ها هنا قاعدون . ثمّ ذكر سُبحانهُ عصيانهم في أمرٍ آخر فقال (وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ ) أي لا تتعدّوا الأوامر التي أوصيناكم بِها ونهاكم عنها ، ولكنّهم اعتدَوا وخالَفوا أمر الله فأخذوا يبيعون ويشترون ويصيدون السمك في السبت (وَأخذَنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ) على أن يطيعوا الله ولا يعصوهُ وأن يعبدوهُ ولا يُشركوا بهِ أحداً ، ولكنّهم خانوا العهود ونقضوا المواثيق وعبدوا البعليم وعشتاروث وعصَوا أمر ربّهم ، فهذه أفعالهم وهذه مخازيهم فلا تلتفت يا محمّد إلى قولهم إذْ طلبوا منك المستحيل ولا يهمّكَ شأنهم .

155 - (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ ) أي فبسبب نقضهم ميثاقهم ، وكلمة "ما" للكثرة والتنوّع ، والمعنى : لعنّاهم بسبب نقضهم كثرة المواثيق وأنواع العهود54 الّتي أخذَناها عليهم (وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ ) التي جاءت بها أنبياؤهم والمسيح والتي جاء بِها محمّد (وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ ) يعني بغير ذنبٍ استوجبوا عليه القتل (وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ) أي عليها أغلِفة لا تعي كلامك يا محمّد (بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا) أي ختمَ عليها (بِكُفْرِهِمْ ) أي بسبب كفرهم فلا تعي وعظاً (فَلاَ يُؤْمِنُونَ ) بك يا محمّد (إِلاَّ قَلِيلاً ) منهم .

156 - (وَبِكُفْرِهِمْ) ثانيةً بعيسى (وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا ) إذْ رمَوها بالزِنا .

157 - (وَقَوْلِهِمْ) مفتخرين (إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ ) استهزاءً منهم بكلمة "رسول الله" . ثمّ بيّنَ سُبحانهُ أنّهم لم يقتلوهُ ولم يصلبوهُ في الحقيقة ولكن جعل الله واحداً شبيهاً لهُ فأخذوهُ وصلبوهُ ، وذلك قوله تعالى (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الّذينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ ) أي الّذينَ اختلفوا في صلب المسيح ، وهم الحواريّون اختلفوا في قتلهِ ، فقال بعضهم صُلِب وبعضهم قال لم يُصلَب بل أفلتَ منهم وبعضهم قال صُلِب ودُفِن ثمّ قام من القبر بعد ثلاثة أيّام ، وذلك لأنّهم رأوا المسيح حيّاً بعد ثلاثة أيّام من وقعة الصلب فكلّموهُ وكلّمهم وأكل طعاماً منهم ، وقوله (لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ) أي في شكٍّ من صلبهِ (مَا لَهُم بِهِ ) أي ما لهم بحقيقة الصلب (مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ ) أي يتّبعون فيه الظنّ الذي تخيّلوه (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ) لكنّهم صلبوا غيره

158 - (بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ ) بعد موته ، أي رفع النفس الأثيريّة إلى السماء بعد الحادثة بزمن ، وذلك لَمّا أفلت منهم ذهب إلى ربوةٍ بالشام فبقي فيها يتعبّد لله ولحقتهُ اُمّهُ وبعد زمن مات بأجله فدُفِن جسمهُ في تلك الربوة وصعدت روحهُ إلى السماء ، والشاهد على ذلك قول الله تعالى في سورة المؤمنون {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } ، فإنّ الله تعالى آواهما إلى تلك الربوة بعد أن صلبوا شبيههُ (وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا ) في ملكه ينتقم من هؤلاء اليهود الّذينَ أرادوا صلبه (حَكِيمًا) في أفعالهِ لا يغلبه أحد . وقد سبقت قصّة المسيح في سورة آل عمران في آية 45 وما بعدها .

159 - (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ) إنّ الضمير في "به" يعود إلى المسيح والضمير في "موته" يعود إلى الكتابي ، ومعناه لا أحدَ من أهل الكتاب يخرج من هذه الدنيا إلا ويؤمن بعيسى قبل موته إذا زال تكليفه وتحقّق الموت ولكن لا ينفعه الإيمان حينئذٍ ، وإنّما ذكر اليهود والنصارى لأنّ جميعهم مبطِلون : اليهود بتكذيبهم والنصارى بالمغالاة في أمره (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ ) المسيح (عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ) أي يشهد على اليهود الّذينَ لم يؤمنوا به بأنه رسول الله وعلى الّذينَ أرادوا صلبه وكذلك يشهد على النصارى بأنّهم غالَوا فيه بقولهم أنّه إبن الله وأنّه ثالث ثلاثة.

------------------------------------

54 :لا يخلو سفر من أسفار التوراة من تكرار العهد عليهم بالتوحيد والعبادة الخالصة لله وترك الأصنام وعبادةالأوثان . – المراجع .

<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم