كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة النساء من الآية( 162) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

162 - (لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ ) أي الثابتون (فِي الْعِلْمِ ) بنبوّتك غير متردّدين في أمرك (مِنْهُمْ) أي من اليهود كعبد الله بن سلام وأصحابه (وَالْمُؤْمِنُونَ) من العرب ، يعني المهاجرين والأنصار (يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ) من الكتُب السماويّة (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) أي ويؤمنون بيوم القيامة ، وقد سبق شرحه فيما مضى من السورة في آية 38 و 39 (أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ ) في الآخرة (أَجْرًا عَظِيمًا ) جزاءً على أعمالهم الصالحة .

163 - قالت اليهود لِلنبي محمّد (ع) لقد أرسل الله موسى نبياً وأوحَى إليه وكفَى . فردّ الله عليهم قولهم وقال لقد أرسل الله رسُلاً كثيرين وأوحَى إليهم كما أوحَى إلى موسى فلا تلتفت إلى قولهم يا محمّد ، وذلك قوله تعالى (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ) القرآن يا محمّد (كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنبيّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ ) وهم أولاد يعقوب . وقد جاء ذكر هؤلاء الأنبياء بالأسبقية إذ كان أوّل مولود لإبراهيم هو إسماعيل ثمّ إسحاق ، ثمّ ذكرَ يعقوب الذي صار لقبه إسرائيل وهو حفيد إبراهيم وأبوه إسحاق .

ثمّ ذكر عيسى بالأفضلية على أيوب ومن جاء ذكرهم من بعده وليس بالأسبقيّة ، لأنّ أيّوب كان قبل عيسى وقبل موسى ، وكذلك جاء ذكر يونس بالأفضلية على هارون وسُليمان وقد كان بعدهما ، أمّا داوُد فقد خصّه الله بالزبور زيادةً على الوحي . وإنّما لم يأتِ ذِكر موسى مع الأنبياء لأنّ السؤال والجواب يدور حول موسى ، وذلك قوله تعالى (وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُليمان وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ) وهو كتاب داوُد ، وتسمّيه اليهود "مزامير" جمع مزمور . والزبور كلّه مناجاة لداوُد يناجي ربّه وذلك لَمّا فرّ إلى الجبال خوفاً من طالوت لأنّه أراد قتله . أليس هؤلاء كلّهم أنبياء ، وقد أوحى الله تعالى إليهم ، فلماذا ينكر اليهود نزول الوحي إليك يا محمّد؟ فما ذلك إلاّ لِجهلهم وعنادهم .

164 - (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ ) يا محمّد ، أي قصصنا قِصصهم وأخبارهم عليك (مِن قَبْلُ ) أي من قبل هذه السورة (وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ) أي لم نذكر لك قصصهم لا في هذه السورة ولا ما قبلها لأنّ ذلك يحتاج إلى مجلّدات عديدة (وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى ) نبيّهم (تَكْلِيمًا) بكلام مسموع غير الوحي ، وذلك في وادي طوى من صحراء سيناء من شجرة الزيتون ، فكان موسى يسمع الصوت يخرج من الشجرة ، ولكنّ الله تعالى لم يكن في تلك الشجرة بل يُرسل الصوت من السماء إلى تلك الشجرة على أمواج الأثير فيخرج الصوت من الشجرة ، كما أنّك تسمع الصوت من المذياع (الراديو) ولكنّ المذيع في القاهرة أو في مكان آخر بعيداً عنك ، ولا مناقشة في الأمثال ، وقد قال الله تعالى في سورة الشورى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ ..الخ} ، فالحجاب هنا كان الشجرة .

165 - (رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ ) بالجنّة لمن آمَن (وَمُنذِرِينَ) بالعذاب لمن كفر (لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ ) يحتجّون بها (بَعْدَ) إرسال (الرُّسُلِ) إليهم (وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا ) في مُلكه ينتقم ممّن يُكذّب رُسُله (حَكِيمًا) في اُمورهِ ومخلوقاته .

166 - ثمّ خاطب الله رسوله فقال إن لم يؤمن لك هؤلاء اليهود ويعترفوا برسالتك فإنّ الله يشهد لك عند من يشاء هدايته وذلك بالأدلّة والبراهين حتّى يستسلم لأمرك ويؤمن بك ، والملائكة أيضاً يشهدون لك بالإيحاء فيوحون لِمن أحبّهُ الله بأنّ محمّداً صادق في دعوتهِ وأنًهُ نبيٌّ مُرسَل من الله ولا يزالون يكلّمونهُ بالإيحاء حتّى يسلم ويؤمن بك . وهذا معنى قوله تعالى (لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ ) لك (بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ ) من الدِين والقرآن وأنّك رسوله (أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ ) معناهُ أنزل القرآن وهو عالمٌ بأنّك تقوم بالواجب وتؤدّي حقّهُ ولا تُقصّر في أداء الرسالة (وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ ) لك أيضاً (وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا ) أي شهادة الله وحدها تكفيك يا محمّد فإنّ الله قادرٌ على هداية الناس جميعاً فلا يهمّك قول اليهود وإنكارهم لرسالتك .

167 - (إِنَّ الّذينَ كَفَرُواْ ) بما اُنزِل إليك (وَصَدُّواْ) الناس (عَن سَبِيلِ اللّهِ ) أي عن دينهِ (قَدْ ضَلُّواْ ) عن الحقّ (ضَلاَلاً بَعِيدًا ) أي عن الصواب .

168 - (إِنَّ الّذينَ كَفَرُواْ ) بما اُنزِل إليك (وَظَلَمُواْ) المؤمنين بالضرب والحبس وأخذِ أموالهم (لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ ) خطاياهم (وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً ) يوصِلهم إلى الجنّة .

169 - (إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ) أي مؤبّدين فيها (وَكَانَ ذَلِكَ ) العذاب لهم (عَلَى اللّهِ يَسِيرًا ) أي سهلاً لا تكلّف [ولا صعوبة] فيه .

170 - (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ ) محمّد (بِالْحَقِّ) أي بالدين الحقّ (مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ ) بهِ (خَيْرًا لَّكُمْ ) من بقائكم على تقاليد آبائكم (وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) أي ما في الكواكب السيّارة ومن جملتها الأرض مُلكاً وعبيداً فلا ينفعهُ إيمانكم ولا يضرّهُ كفركم (وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا ) بالكافرين (حَكِيمًا) فيما يُعاملهم بهِ بعد تبليغ الرسالة .

171 - ثم خاطب النصارى فقال تعالى (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ ) يعني يا أهل الإنجيل (لاَ تَغْلُواْ ) أي لا تُغالوا ، و"الغُلُوّ" هو إضافة الزيادة على الأصل ، ومن ذلك قول عنترة :

                         تَغَالَتْ بِيَ الأَشْوَاقُ حَتَّى كَأَنَّمَا        بِزَنْدَيْنِ فِي جَوْفِي مِنَ الْوَجْدِ قَادِحُ

وقوله (فِي دِينِكُمْ ) أي لا تتجاوزوا الحقّ فيهِ (وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ ) يعني قولوا الله واحد لا شريك لهُ كما جاء في التوراة والزبور والقرآن ولا تقولوا ثالث ثلاثة (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ ) وليس إبنهُ كما تزعمون (وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ) . كان المسيح يُكنّى في السماء "كلمة الله" (وَرُوحٌ مِّنْهُ ) أي مِن الّتي عندهُ في السماوات الأثيريّة ، وهم فصيلة من أنواع الملائكة ، يعني نزل من السماوات إلى الأرض ودخل الجنين الّذي تكوّن في رحم مريم (فَآمِنُواْ بِاللّهِ ) بأنّهُ واحد وليس لهُ ولد (وَرُسُلِهِ) أي وآمِنوا برُسُله كلّهم لا تنكروا واحداً منهم (وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ ) أبٌ وابنٌ وروح القُدُس (انتَهُواْ) عن هذا القول (خَيْرًا لَّكُمْ ) من التمسّك بهِ (إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ) وليسوا ثلاثة كما تزعمون (سُبحانهُ) أي تنزيهاً لهُ عن (أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات) الغازيّة من مُهلِكات كونيّة كالشهُب والنيازك والرياح العواصف (وَمَا فِي الأَرْضِ ) من مُدمّرات فجائيّة كالبراكين والزلازل والسيول وغير ذلك فيصيبكم ببعضها إن لم توحِّدوهُ (وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً ) أي كفى بهِ حفيظاً لأعمالكم فيعاقبكم عليها بعد مماتكم . فالوكيل معناهُ الحفيظ ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة الشورى {اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } ، ومعناها اللهُ حفيظ عليهم وما أنت عليهم بحفيظ ، ولكن تشابه اللّفظين لا يُعدّ عند العرب من البلاغة لذلك جاء بلفظة "وكيل" بدلاً من لفظة "حفيظ" .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم