كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
40 - (إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ ) أحداً قطّ (مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ) أي زِنة ذرّة ، وهي جزء من أجزاء الهباء (وَإِن تَكُ ) مثقال ذرّة (حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا ) لصاحبها ، أي يزيدها لهُ فيعطيه أجرهُ في الدنيا والآخرة (وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ ) أي من عنده لصاحب الحسنة (أَجْرًا عَظِيمًا ) في الآخرة .
41 - (فَكَيْفَ) يكون حال البخلاء والكافرين في ذلك اليوم (إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ ) يشهد عليها بِما صدرَ منها من كفر وإشراك وتكذيب للرُسُل ، والشهيد نبيّها (وَجِئْنَا بِكَ ) يا محمّد (عَلَى هَـؤُلاء ) الكافرين من أمّتك (شَهِيدًا) تشهد عليهم يوم القيامة .
42 - (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الّذينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ ) فيختفون في كهوفها ومغاراتها وقبورها كما كانوا مختفين قبل تمزّقها ، فالتسوية هيَ التحام أجزاء الأرض بعضها ببعض فتعود كما كانت ، ومن ذلك قول الخنساء :
قالوا ابنُ اُمّكِ ثاوٍ بِالضّرِيحِ وَقَدْ سَوَّوْا عَلَيهِ بِألْواحٍ وَأحْجارِ
(وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا ) إذا سألوهم عنهُ ، وذلك لأنّ الأرض تتمزّق يوم القيامة فتنتشر النفوس في الفضاء ولا يبقى لهم مكان يختفون فيه عن الأنظار ، فإذا صار وقت الحساب تمنّوا أن تعود الأرض كما كانت فيختفون فيها عن الملائكة .
43 - جلس اثنان من المسلمين في المسجد يتحدّثان ليلاً وكان أحدهما نَعِساً ، فجاء رجل آخر وأخذَ يُصلّي قريباً منهما فقرأ في صلاته {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } ، فقال الجالس لرفيقه النعِسْ هل تحفظ هذه السورة؟ فقال نعم ، وأخذَ يقرأ : يا أيّها الكافرون أعبدُ ما تعبدون . فنزلت هذه الآية (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى ) من النعاس139 ، والمعنى : لا تجلسوا في المسجد قرب المصلّين وأنتم سُكارى من شِدّة النعاس ، ومن ذلك قول امرئ القيس :
وَفِتيانِ صِدْقٍ قَدْ بَعَثْتُ بِسُحرَة ٍ فقامُوا جَمِيعاً بَيْنَ عاثٍ وَنَشْوَانِ
والنشوان هو السكران ، يعني بعَثَهم وهم سكارى من النعاس (حَتَّىَ) معناها كي (تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ ) أي كي تعلموا ما تقرؤون . فقد روي عن عائشة عن النبيّ (ع) أنّه قال : "إذا نعس أحدكم وهو يصلّي فلينصرف لعلّه يدعو على نفسه وهو لا يدري ." فالنعسان كالسكران ، وقد يكون الإنسان سكرانا من الهموم أو العذاب ، فقد قال الله تعالى في سورة الحج {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } ، ويُقال للغافل أنتَ سكران ، ومن ذلك قول الله تعالى في سورة الحجر {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } يعني في غفلتهم يتردّدون (وَلاَ) تجلسوا في المساجد (جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ ) فلا بأس من ذلك ، يعني إن كان للمسجد بابان وأراد أحدكم أن يعبر الطريق فيدخل من هذه الباب ويخرج من تلك وهو مجنب فلا إثم عليه ، أمّا الجلوس في المسجد فلا يجوز لِمن كان مُجنباً (حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ ) بالماء عن حدث الجنابة فحينئذٍ لا بأس عليكم من الجلوس في المساجد .
ثمّ بيّنَ سُبحانهُ الحكم في ذلك عند فقدان الماء وحكم المريض الذي يضرّه الماء فقال (وَإِن كُنتُم مَّرْضَى ) بمرض يضرّ معه الماء (أَوْ عَلَى سَفَرٍ ) أي مسافرين ولم تجدوا ماءً في الطريق (أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ ) الغائط هو المكان المنخفض من الأرض ، وهوكناية عن قضاء الحاجة ، لأنّ الإنسان إذا أراد أن يرمي ما في بطنهِ من قذارة يجلس في مكان منخفض إذا كان في الصحراء ليحتجب عن الأنظار ، والشاهد على ذلك قول حسّان :
أباحَ لَها بِطْرِيقُ فارِسَ غائِطاً لَهُ مِنْ ذُرى الجَوْلانِ بَقْلٌ وَزاهِرُ
و"جَولان" إسم جبل ، وقال الحُطيئة يصف حمار وحش :
أوْ فوق أخنسَ ناشطٍ بشقيقة ٍ لَهَقٍ بِغَائِطِ قَفْرَة ٍ مَحْبُورِ
(أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ ) المراد به الجِماع بدون إنزال ، يعني من جامع زوجته ولم يخرج منه مني وجب عليه الغُسل أيضاً (فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء ) لتغتسلوا وتتطهّروا (فَتَيَمَّمُواْ) أي فاقصِدوا واختاروا ، والشاهد على ذلك قول امرئ القيس :
وَلَمَّا رَأَتْ أَنَّ الشَّرِيعَةَ هَمُّهَا وَأَنَّ الْبَيَاضَ مِنْ فَرَائِصِهَا دَامِي
تَيَمَّمَتِ الْعَيْنَ الَّتِي عِنْدَ ضَارِجٍ يَفِيءُ عَلَيْهَا الظِّلُّ عَرْمَضُهَا طَامِي
وقال الأعشى :
تَيَمّمْتُ قَيْساً وَكَمْ دُونَهُ مِنَ الأرْضِ مِنْ مَهْمَه ٍ ذِي شَزَنْ
(صَعِيدًا طَيِّبًا ) أي طاهراً من الأقذار ، والصعيد وجه الأرض ، يعني المكان المرتفع منها (فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ) من ترابهِ ، وذلك بأن تبسط كفّيك وتضرب التراب مرّةً وتمسح بِها وجهك وضربة ثانية تمسح بِها يديك (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا ) بالترخيص لكم والتيسير (غَفُورًا) عن الخطأ والتقصير . وعند حضور الماء يبطل التيمّم إلاّ المريض الذي يضرّه الماء ، وإذا كنت جُنُباً وجلست [ أي استيقظت من نومك ] متأخّراً وقد ضايقك الوقت لصلاة الصبح وكان الوقت شتاءً فلا تغتسل بالماء البارد فتعرّض نفسك للمرض فتوضّأ وصلِّ قبل فوات الوقت ثمّ سخّن الماء واغتسل عن الجنابة ، وإذا كان في وجهك جرح يضرّه الماء فتيمّم وصلِّ وإذا كان الجرح في إحدى يديك أو رجليك فتوضّأ وامسح فوق الضماد الذي على الجرح وصلِّ .
44 - ( أَلَمْ تَرَ ) يا محمّد (إِلَى) اليهود (الّذينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ ) يعني حِصّة من الكتُب السماويّة وهي التوراة (يَشْتَرُونَ) أي يستبدلون (الضَّلاَلَةَ) بالهدَى إذا سألتموهم شيئاً فبدل أن يرشدوكم إلى الصواب يُضلّونكم عن الحقّ (وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ ) أي الطريق فيفرحون بذلك لأنّهم أعداء لكم .
------------------------------------139 :فلو قال تعالى لا تقربوا المصلّين وأنتم سُكارى ، لدلّ ذلك على الابتعاد عن المصلّين في جميع الأوقات في وقت صلاتهم وفي غير أوقات الصلاة ، ثمّ لو قال تعالى لا تجلسوا قرب المصلّين وأنتم سُكارى ، لدلّ ذلك على نهي الجلوس دون الوقوف ، ولكن قوله تعالى (لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ ) أبلغ وأوجز من الجُملتين .كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |