كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة النساء من الآية( 58) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

58 - (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ ) يجب (أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ ) لا تميلوا إلى أحد الخصمين في الُحكم (إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ) أي نِعمَ الحُكم الّذي وعظكم بهِ (إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا ) لأقوالكم عند صدور الأحكام والْمُحاكمة (بَصِيرًا) بأحوالكم في الميل إلى الحقّ أو إلى الباطل .

59 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ ) فيما أمركم بهِ ونهاكم عنه (وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ ) في إرشاداتهِ وتعاليمهِ (وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) يعني ولاة الأمر إن كانوا مسلمين مؤمنين ، لأنّ الخطاب للمؤمنين بقوله (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ ) ، ثمّ قوله (مِنكُمْ) أي من المؤمنين العاملين بأحكام القرآن والدِين (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ) من اُمور دينكم أو دنياكم (فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ ) يعني فراجعوا كتاب الله وهو القرآن إن لم يكن الرسول حاضراً معكم ، أمّا إذا كان رسوله حاضراً فهو يفصل بينكم ، وهذا في زمانه ، أمّا اليوم فقد ذهب الرسول إلى جوار ربّهِ وبقي الكتاب عندنا فيجب أن نردّ تنازعنا إلى كتاب الله ليفصل بيننا ، أمّا الأحاديث الواردة فلا اعتماد عليها لأنّ أكثر الأحاديث مدسوسة ولذلك اختلف المسلمون فصاروا فِرَقاً عديدة ، فكلّ حديث ينطبق مع القرآن نقبلهُ وكلّ حديث لا ينطبق مع القرآن لا نقبله (إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ 124) لأنّ من يؤمن بالله يقبل حُكم القرآن ولا يعترض عليه (ذَلِكَ) الردّ إلى كتاب الله والرضا بحكمهِ (خَيْرٌ) لكم من التنازع والاختلاف فيما بينكم (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) أي وأحسن عاقبة .

60 - كان بين رجل من اليهود ورجل من المسلمين خصومة فقال المنافقون لصاحبِهم تحاكم مع اليهودي عند رئيسهم كعب بن الأشرف فإنّه يحكم لك ، فأبَى اليهودي أن يتحاكم عند كعب وقال بل نتحاكم عند محمّد ، وجاؤوا إلى رسول الله فحكم النبيّ لليهودي ، فلم يرضَ المنافق بذلك وقال تعال نتحاكم عند عمر ، فقال اليهودي لعمر قضى لي رسول الله فلم يرضَ خصمي بقضائه ، فقال عمر للمنافق أكذلك ؟ قال نعم ، فقال عمر مكانكما حتّى أخرج إليكما ، فدخل عمر فأخذَ سيفه ثمّ خرج فضرب به عنق المنافق وقال هكذا أقضي لمن لم يرضَ بقضاء الله ورسوله .

ولَمّا سمع المنافقون الّذينَ أغرَوا الرجل وقالوا له تحاكم عند كعب ، جاؤوا إلى النبيّ يعتذرون فنزلت هذه الآية (أَلَمْ تَرَ ) يا محمّد (إِلَى) المنافقين (الّذينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) من القرآن (وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ) من كتب سماويّة (يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ ) يعني إلى كعب بن الأشرف ، والطاغوت كناية كلّ متكبّر ، وهي كناية الشيطان أيضاً لأنّه تكبّر على آدم وامتنع عن السجود (وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ ) وذلك من قوله تعالى في سورة البقرة {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ } ، (وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ ) بِما زيّن لهم (أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا ) عن الحقّ .

61 - (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ) أي للمنافقين (تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ ) في القرآن من الأحكام (وَإِلَى الرَّسُولِ ) في حُكمهِ (رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا ) أي يُعرضون عنك إلى غيرك .

62 - (فَكَيْفَ) كان حالهم (إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ ) يعني حين أصابتهم مصيبة بقتل صاحبهم (بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ) من نفاق وإغراء إذ قالوا لصاحبهم تحاكم عند كعب بن الأشرف (ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا ) أي ما أردنا بالمحاكمة إلى غيرك (إِلاَّ إِحْسَانًا ) إلى الخصم (وَتَوْفِيقًا) إلى الصلح بين الخصمين .

63 - (أُولَـئِكَ الّذينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ ) من النفاق (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ) أي لا تعاقبهم (وَعِظْهُمْ) بلسانك (وَقُل لَّهُمْ فِي ) إصلاح (أَنفُسِهِمْ) وترك نفاقهم (قَوْلاً بَلِيغًا ) أي مؤثّراً فيهم .

64 - (وَمَا أَرْسَلْنَا ) قبلك (مِن رَّسُولٍ ) إلى قومه (إِلاَّ لِيُطَاعَ ) بما يأمرهم بهِ ونهاهم عنه وذلك (بِإِذْنِ اللّهِ ) يعني الله أذنَ لكم أن تُطيعوهُ وأن تسمعوا لقولهِ ولا تخالفوا أمره (وَلَوْ أَنَّهُمْ ) أي المنافقون (إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ) بالنفاق والتحاكم إلى الطاغوت كعب بن الأشرف (جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا ) للتائبين (رَّحِيمًا) بالنادمين .

65 - (فَلاَ) تقديرهُ فلا إيمان في قلوبهم سِوى القول بالسنتهم آمنّا ، ثمّ أقسم الله تعالى فقال (وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ ) يا محمّد (فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) أي حتّى يجعلوك حكَماً فيما وقع بينهم من الخصومة والجدال فحينئذٍ تعلم أنّهم آمنوا بك (ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا ) أي ضيقاً وكراهةً (مِّمَّا قَضَيْتَ ) به ، أي مِمّا حكمتَ بهِ (وَيُسَلِّمُواْ) لأمرك (تَسْلِيمًا) مُطلقاً فلا يعترضون عليك فحينئذٍ تعلم أنّهم آمَنوا إيماناً صادقاً أمّا اليوم فليسوا بمؤمنين .

66 - (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ ) أي على هؤلاء المنافقين (أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم ) كما كتبنا على بني إسرائيل فقتلوا أنفسهم بعد عبادتهم العجل وخرجوا من ديارهم من مصر مع موسى ، فلو أمرنا هؤلاء المنافقين بذلك (مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ) وهم الّذينَ سيتوبون في المستقبل ويُصلحون أعمالهم (وَلَوْ أَنَّهُمْ ) أي المنافقين (فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ ) من إطاعة الرسول والاستغفار لذنوبهم ، وذلك من قوله تعالى {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ } ، (لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ ) من بقائهم على النفاق (وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ) لقلوبهم على الإيمان .

------------------------------------

124 :هو يوم القيامة ، وقد سبق شرحه فيما مضى من السورة في آية 38

<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم