كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
87 - (اللّهُ لا إِلَـهَ) في الكون (إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ ) بعد موتكم في البرزخ وأنتم نفوس أثيريّة (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) ثمّ يفصل بينكم فمنكم إلى الجنّة ومنكم إلى النار (لاَ رَيْبَ فِيهِ ) أي لا شكّ في الجمع ولا شكّ في القيامة وإنّما سُمّيَ يوم القيامة لأنّ الناس يقومون فيه للحساب ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة المطفّفين {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } ، (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا ) فذلك كائن لا مَحالة .
88 - قدم المدينة نفرٌ من المشركين في تجارة وأشغال دنيوية ، ولَمّا وصلوا المدينة أظهَروا إسلامهم ، ولَمّا قضوا أشغالهم همّوا بالرجوع إلى مكّة ، ولَمّا سألهم المسلمون عن سبب رجوعهم قالوا نذهب إلى أهلنا كي نحمل أثاثنا وأمتعتنا ونرجع إليكم ، ولَمّا أبطأوا اختلف المسلمون في أمرهم فقال بعضهم أنّهم ارتدّوا عن الإسلام ولن يعودوا ، وقال آخرون أنّهم أسلموا ولكن شغلهم أمر فأبطأوا وسيعودون عن قريب ، فنزلت هذه الآية (فَمَا لَكُمْ ) أيّها المسلمون (فِي) أمر (الْمُنَافِقِينَ) صِرتم (فِئَتَيْنِ) فئة تحكم بكفرهم وفئة تحكم بإسلامهم فلو كانوا مسلمين لرجعوا إليكم ولكنّهم كافرون فلا تحكموا بإسلامهم (وَاللّهُ أَرْكَسَهُم ) أي أغرقهم بذنوبهم وغيّهم ، ولا تزال هذه الكلمة مُستعمَلة عند العرب فيقولون "رَكَسَ فلان في الماء" أي نزل فيه فلم يبدُ من جسمهِ شيء ، (بِمَا كَسَبُواْ ) من الظلم والآثام ، أي بسبب ظلمهم للناس وما اقترفوا من آثام (أَتُرِيدُونَ) أيّها المسلمون (أَن تَهْدُواْ ) إلى الإسلام وتدعوا إليه (مَنْ أَضَلَّ اللّهُ ) أي من أضلّه الله بسبب ظُلمهِ (وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ ) أي ومن يضللهُ الله عن طريق الحقّ (فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً ) أي طريقاً إلى النجاة والهداية .
89 - (وَدُّواْ) أي تمنّوا هؤلاء الّذينَ اختلَفتم في أمرهم (لَوْ تَكْفُرُونَ ) أنتم أيّها المسلمون (كَمَا كَفَرُواْ ) هم (فَتَكُونُونَ سَوَاءً ) في الكفر (فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ ) يعني أصدقاء وأحبّاء (حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ ) من ديارهم ويرجعوا إليكم ، وتكون هجرتهم (فِي سَبِيلِ اللّهِ ) لا لغايةٍ اُخرى (فَإِن تَوَلَّوْاْ ) عنكم وعن الإيمان بنبيّكم (فَخُذُوهُمْ) بالضرب والأسر (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيًّا ) توالونهُ (وَلاَ نَصِيرًا ) تستنصرون بهِ على أعدائكم .
90 - ثمّ استثنى مِن هؤلاء مَن كان لهُ عهد ومصالحة مع المسلمين أو مع مَن تصالحوا مع المسلمين فقال تعالى (إِلاَّ الّذينَ يَصِلُونَ ) أي لهم صِلةٌ (إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ) أي عهد ومصالحة بالأمان وحقن الدماء فهؤلاء لا تتعرّضوا لهم بأذىً ولا تقتلوهم ماداموا على عهدهم ، ومن جُملة من واثقَ النبيّ هلال بن عويمر السلمي واثقَ عن قومهِ فقال "لا تحيف يا محمّد من أتانا ولا نحيف من أتاكَ" (أَوْ) الّذينَ (جَآؤُوكُمْ) وقد (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ ) الحصر على الشيء هو الحصار والإحاطة بهِ والتمكين منه ، ومعنى (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ ) يعني حبسوا أسرارهم في صدورهم ، يعني حبسوا أسرارهم في صدورهم ولم يبوحوا بنواياهم ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة البقرة {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } ، يعني فإن حاصروكم ومنعوكم ، وقال جرير:
وَلَقَد تَسَقَّطَني الوُشاةُ فَصادَفُوا حَصِراً بِسِرِّكِ يا أُمَيمَ ضَنِينَا
(أَن يُقَاتِلُونَكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُم ) يعني مُمسِكون عن قتالكم وقتال قومهم ، كبني مُدلج جاء سيّدهم سُراقة بن مسلك وعاهد النبيّ أن لا يُقاتلهُ وأخبرهُ أنّهُ عاهدَ قريشاً أيضاً بأن لا يقاتلهم (وَلَوْ شَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ ) بأن يرفع الخوف من قلوبهم (فَلَقَاتَلُوكُمْ) ولكنّهُ ألقى الرُعبَ في قلوبهم فجاؤوا يُعاهدونكم ويُصالحونكم فيجب عليكم أن تشكروا نِعمة الله عليكم في ذلك (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ ) كما واثقوكم (فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ ) ولم يتعرّضوا لكم بأذىً (وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ ) يعني واستسلموا للمعاهدة ولم ينقضوها (فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً ) لأخذَ أموالهم ولا قتلهم فلا تتعرّضوا لهم بشيء من ذلك ماداموا على عهدهم .
91 - (سَتَجِدُونَ) أيّها المسلمون قوماً (آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ ) أي يريدون أن يأخذَوا الأمان لأنفسهم منكم ومن قومهم فإذا جاؤوا إليكم قالوا نحن معكم ضِدّ قومنا ، وإذا رجعوا إلى قومهم قالوا إنّا معكم ضِدّ المسلمين ، ثمّ أخبر الله تعالى عنهم بأنّهم يزدادون كفراً ونفاقاً كلّما رجعوا إلى قومهم وليسوا بمسلمين كما يزعمون فقال (كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا ) والمعنى : كلّما رجعوا إلى قومهم فتنوهم عن دينكم وأرجعوهم إلى الكفر وأغرقوهم في تضليلهم وكذبهم على المسلمين (فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ ) يعني فإن لم يعتزلوا قتالكم (وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ ) أي ويستسلموا لأوامركم ويُصالحوكم (وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ ) عن أذاكم (فَخُذُوهُمْ) أسرى (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ ) أي حيث وجدتموهم إن أمكنكم ذلك (وَأُوْلَـئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا ) أي جعلنا لكم سلطة بيّنة عليهم بالنصر .
92 - (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا ) معناه من قتل مسلماً مؤمناً مُتعمّداً فهو ليس بمؤمن بل القاتل كافر وجزاؤهُ جهنّم ، ثمّ استثنى قتل الخطأ فقال تعالى (إِلاَّ خَطَئًا ) يعني إذا وقع القتل خطأً فليس جزاؤهُ جهنّم ولكن عليه تحرير رقبة مؤمنة على وجه الكفّارة ، وذلك قوله تعالى (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ ) يعني وعليه أيضاً دية المقتول يُسلّمها إلى أهله وورثتهِ (إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ ) يعني إلاّ أن يتصدّق أولياء المقتول وأهله بالدية على عائلة القاتل ، وذلك إن كان أهل المقتول أغنياء وأهل القاتل فقراء فيستحبّ أن يتصدّقوا عليهم .
ثمّ بيّنَ سُبحانهُ حكم المقتول إن كان من قوم كافرين ولكنّه وحده مؤمن فقال (فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ ) دون أهله وعشيرته (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ) أي فعلَى القاتل عِتق رقبة مؤمنة وليس عليه دِيَة ، لأنّ أهل المقتول كافرون والكافر لا يرث المسلم (وَإِن كَانَ ) المقتول (مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ ) أي شروط ومواثيق على تأدية الدِيَة (فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ) يعني فعليه الإثنان الدِيَة وعِتق الرقبة (فَمَن لَّمْ يَجِدْ ) مالاً ليعتق رقبة (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ) يعني فعليه أن يصوم شهرين متتابعين لا يفصل بينهما بإفطار يوم واحد (تَوْبَةً) يتوبها القاتل وكفّارة لهُ عن إثمهِ ومغفرة (مِّنَ اللّهِ ) لخطئه إن سلّم الدِيَة (وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا ) بأفعالكم (حَكِيمًا) فيما يأمركم به وينهاكم عنه .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |