كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة المائدة من الآية( 106) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

106 - ثلاثةُ نفَرٍ خرجوا من المدينة تجّاراً إلى الشام وهم تميم بن أوس الدارمي وأخوهُ عديّ وهما نصرانيّان وابن أبي ماريّة مولَى عمرو بن العاص السهمي وكان مُسلماً ، حتّى إذا كانوا ببعض الطريق مرِضَ المسلم منهم فكتبَ وصيّتهُ بيدهِ ودسّها في متاعهِ وأوصى إليهما ودفع المال إليهما وقال أبلِغا هذا أهلي ، فلمّا مات فتحا متاعهُ وأخذا ما أعجبهما منه ثمّ رجعا بالمال إلى أهلهِ ، فلمّا فتّشوا المال فقدوا بعض ما كان قد خرجَ بهِ ، فرفعوا أمرهم إلى النبيّ (ع) فنزلت هذه الآية (يا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ ) أي شهادةٌ تُلازمون عليها بينكم أيّها المسلمون وذلك (إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ) فتُقيمون شاهدَين يشهدان على الموصِي وعلى الوَصيّ وذلك (حِينَ الْوَصِيَّةِ ) التي يوصي بِها المستحضَر ، والشهود (اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ ) أي شاهدان عادِلان (مِّنكُمْ) أيّها المسلمون (أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ) يعني من غير ملّتكم إن لم تجِدوا شاهدَين من مِلّتكم (إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ ) يعني إن كان ذلك في السفر (فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ ) والخطاب لأهل الميّت وأقربائه ، يعني إن مات أحد أقربائكم في السفر فحزنتم وتكدّرتم لأجله (تَحْبِسُونَهُمَا) أي توقفونهما للمحاكمة والشهادة ، وتكون مُحاكمتهما (مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ ) ليكون ذلك عند اجتماع الناس ليرهبا ويخجلا منهم فينطقا بالصواب (فَيُقْسِمَانِ) الشاهدان (بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ ) في شهادتهما وظننتم أنّهما خانا ، فيقولان (لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ) أي لا نستبدل باليمين بالله ثمناً من مال الدنيا ولو كان المشهود لهُ من أقربائنا (وَلاَ نَكْتُمُ ) شيئاً من (شَهَادَةَ اللّهِ ) يعني الّتي أوجبها الله علينا ، فإن كتمنا من الشهادة شيئاً (إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ ) فنستحقّ العذاب على ذلك والعقاب .

107 - لَمّا نزلت الآية الاُولى صلّى النبيّ (ع) صلاة العصر ودعا المسيحيَّينِ تميماً وعديّاً فاستحلفهما بالله ما قبضنا لهُ غير هذا ولا كتمناهُ ، فحلَفا ، فخلّى رسول الله سبيلهما . ثمّ اطّلعوا على إناء من فضّة منقوش بذهب معهم فقالوا هذا من متاعهِ ، فقالا إشتريناهُ منه ونسينا أن نخبركم بهِ ، فرفعوا أمرهما إلى رسول الله فنزل قوله تعالى (فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا ) إلى آخر الآية ، فقام رجلان من أولياء الميّت أحدهما عمرو بن العاص والآخر المطّلب بن أبي وداعة السهمي فحلفا بالله أنّ المسيحيَّينِ خانا وكذبا ، فدُفِع الإناء إليهما وإلى أولياء الميّت ، وكان تميم الدارمي بعد ما أسلمَ يقول صدقَ الله وصدقَ رسوله أنا أخذتُ الإناء فأتوب إلى الله وأستغفرهُ .

التفسير: (فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا ) أي المسيحيّينِ (اسْتَحَقَّا إِثْمًا ) بأخذهما الإناء الفضّي وأشياء اُخرى وبأيمانهما الكاذبة (فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا ) أي مقام الشاهدَين اللّذَينِ هما من غير ملّتكم ، يقومان باليمين (مِنَ الّذينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ) اليمين ، وهم وَرَثَة الميّت ، وإنّما استحقّ عليهم اليمين لأنّ المسيحيَّينِ ادّعيا أنّهما اشترَيا الإناء من الميّت ، وإنّ الوَرَثَة أنكروا ذلك ، فصار الإثبات والبيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر ، وهما (الأَوْلَيَانِ) بالميّت يعني اللّذينِ هما أولَى بالميّت لأنّهما من أقربائه (فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ ) على خيانة المسيحيَّينِ ويقولان (لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا ) ويميننا أحقّ من يمينهما (وَمَا اعْتَدَيْنَا ) أي وما جاوزنا الحقّ في اليمين ، فإن كان يميننا كاذباً (إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ) . قال الشيخ الطبرسي في كتابه مجمع البيان : "وهذه الآية مع الآية التي قبلها من أعوص آيات القرآن إعراباً ومعنىً وحُكماً " . وذلك لأنّهُ لم يتمكّن أن يُعطي تفسيرها ويوضّح معناها .

108 - (ذَلِكَ) الحُكم من ردّ اليمين على الوَرَثَة (أَدْنَى أَن يَأْتُواْ ) الأوصياء (بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا ) أي على صحّتها لا يكتمون شيئاً من الشهادة ولا يزيدون عليها خوفاً من اليمين (أَوْ يَخَافُواْ ) الأوصياء (أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ ) إلى أولياء الميّت (بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ ) فيحلفون على خيانتهم وكذبهم فيفتضحوا ويُغرّموا (وَاتَّقُوا اللّهَ ) أن تحلفوا أيماناً كاذبة أو تخونوا الأمانة (وَاسْمَعُواْ) إلى الموعِظة (وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) إلى جنّاتهِ يوم القيامة . ومن حلفَ باللهِ يميناً كاذبة فعليهِ عشر جلدات ويُسجن عشرة أشهر ولا تُقبَل لهُ شهادة بعد ذلك .

109 - (يَوْمَ) القيامة (يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ) لهم (مَاذَا أُجِبْتُمْ ) أي ما الّذي أجابكم قومكم فيما دعوتموهم إليهِ (قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا ) بالحقيقة فبعضهم أسلم وبعضهم أنكر وبعضهم كفر واستكبر ، فهذا كان الظاهر ، أمّا الباطن فلا عِلمَ لنا بهِ (إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) أي تعلمُ ما غابَ عنّا وما كتموهُ في قلوبهم من شكٍّ ونفاق .

110 - (إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ ) واصبر على أذى قومك في سبيلي ولا تجزع . ثمّ أخذَ سُبحانهُ يُعدّد بعض ما أنعم عليهِ سابقاً ولاحقاً فقال (إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) يعني نصرتك بجبرائيل (تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ ) وأنتَ طِفلٌ صغير . قلتُ فيما سبق أنّ عيسى كان في السماء وكان روحاً ، أي من فصيلة الملائكة ولَمّا خلق الله تعالى جنيناً في رحم مريم أمرهُ أن ينزل إلى الأرض فيدخل في جسم ذلك الجنين فدخل فكان المسيح ، ولَمّا ولدتهُ اُمُّهُ كان عالماً بالكلام وغيره من علومٍ شتّى وإن كان في نظر الناس طفلاً رضيعاً (وَكَهْلاً) أي وتكلّم الناس أيضاً وأنت كهل ، وكان كلامه معهم بأمور دينية .

ثمّ ذكّره بنِعَم سابقة ونِعَم لاحقة فقال تعالى (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ ) أي الكتُب السماويّة السالفة وهي صُحُف إبراهيم وألواح موسى وزبور داوُد (وَالْحِكْمَةَ) يعني وعلّمتك الموعِظة (وَالتَّوْرَاةَ) أي مجموعة التوراة (وَالإِنجِيلَ) أي وأعطيتك الإنجيل بأن كتبوهُ تلاميذك . ولَمّا انتهى سُبحانهُ من ذكر النّعم العلميّة أخذ في تعداد النّعم المادّية وهي سابقة ولاحقة أيضاً فقال (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي ) أي بإذنٍ منّي لك (فَتَنفُخُ فِيهَا ) الروح أي في تلك الطينة فتدخل روحاً من أرواح الطيور فيها (فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ) أي بإرادتي وقدرتي (وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ ) وهو المولود أعمَى (وَالأَبْرَصَ) أي الذي في جلدهِ بَرَص ، وهي بُقع بيضاء تُخالف لون الجلد (بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى ) من القبور أحياء ، فقد أحيا أربعة أشخاص في اليوم الذي ماتوا فيهِ بأن أعاد الأرواح إلى أجسادها وذلك باختلاف المكان والزمان (بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ ) يعني عن أذاك وإهانتك فلم يؤذوك كما آذت الاُمَم أنبياءها ، وذلك بأن جعلت رهبةً منك في قلوبهم لئلاّ يؤذوك (إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ) أي بالبراهين الواضحة والمعاجز الظاهرة (فَقَالَ الّذينَ كَفَرُواْ ) بك (مِنْهُمْ) أي من بني إسرائيل (إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ) يعني ما هذه المعجزات إلاّ سحرٌ مُبين .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم