كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة المائدة من الآية( 31) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

31 - (فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ ) برجليهِ ووارَى غراباً ميّتاً بالتراب (لِيُرِيَهُ) الغراب (كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ ) أي عورة أخيه المقتول ، فلمّا رأى ذلك من الغراب (قَالَ) قابيل (يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي ) بالتراب (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ) على قتلهِ .

32 - (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ ) الحادث الّذي وقع بين ابنَي آدم (كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ) أي حكمنا عليهم وكتبنا في توراتهم (أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ ) قِصاص (نَفْسٍ أَوْ ) بغير (فَسَادٍ) منها (فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ) يعني فلهُ من العذاب كمن قتل الناس جميعاً (وَمَنْ أَحْيَاهَا ) بإنقاذها من الغرق أو من الحرق أو من حادث آخر يكون به موتها فأنقذها منهُ (فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ) يعني فلهُ أجر من أحيا الناس جميعاً (وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ ) يعني جاءت بني إسرائيل (رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ) الدالّة على صدقهم فكذّبوا رُسُلنا وآذَوهم وقتلوا بعضهم (ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم ) أي من بني إسرائيل (بَعْدَ ذَلِكَ ) أي بعد إرسال الرُسُل وتوضيح البيّنات وتشديد حكم القتل ، بعد ذلك كلّه (فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ) في القتل ، وإن شئتَ تأكيد إسرافهم في القتل إقرأ سِفر قضاة في توراتهم في الإصحاح العشرين وما بعده في حادثة وقعت لهم فاقتتلوا فيما بينهم فذهب من كلٍّ من الفريقين قتلى بالآلاف .

33 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ ما جزاء المسرفين في دار الدنيا فقال (إِنَّمَا جَزَاء ) اليهود (الّذينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ ) بعصيان أوامره ومخالفةِ أحكامه (وَرَسُولَهُ) بتكذيبهِ ويصدّون الناس عن دينهِ ، وقد حاربوهُ يوم الخندق وهم بنو قُريظة وبنو النضير (وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا ) بالفِتَن (أَن149 يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ) أي من أرضهم المقيمين فيها إلى أرض اُخرى ، وقد جعل الله سبحانه الخيار في ذلك لرسوله من أن يقتلهم أو يصلبهم أو تُقطّع أيديهم وأرجلهم أو ينفيهم من أرضهم إلى أرضٍ اُخرى تبعد عن ديارهم . وقد قتل النبيّ بعضهم ونفى بعضهم (ذَلِكَ) إشارة إلى القتل والصلب وتقطيع الأيدي والأرجل والنفي من البلاد (لَهُمْ خِزْيٌ ) أي فضيحةٌ وعار (فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) .

وقد أخطأ المفسّرون إذ عنَوا بذلك قُطّاع الطُرُق . أقول إنّ قُطّاع الطُرُق لم يحاربوا الله ولا حاربوا رسوله ، بل غايتهم في ذلك المال فقط ، ولكن المفسدين الّذينَ حاربوا الله ورسوله محمّداً هم اليهود . وقد فُعِلَ ذلك بأسلافهم مراراً عديدة ، فالمرّة الأولى وقعت في زمن موسى لَمّا عبدوا العجل أمرهم الله سبحانه أن يقتل بعضهم بعضاً ففعلوا . والثانية كانت في زمن القُضاة في زمن فنحاص بن ألعازار بن هارون أخي موسى حيث وقعت فِتنة بين سِبط بنيامين والأسباط الاُخرى فتحاربوا وتقاتلوا فوقع منهم قتلَى بالآلاف ومعلوم أنّ القتال بالسيف تُقطّع فيهِ الأيدي والأرجل بخلاف بعضهم البعض ، يعني بعضهم تُقطع يده وبعضهم تُقطع رجله ، وكان ذلك بسبب امرأةٍ زنا بها بعض رجال بنيامين ، والقصّة مذكورة في مجموعة التوراة في سِفر القضاة في الإصحاح التاسع عشر إلى نهاية الحادي والعشرين . فقد قُتِلَ من سبط بنيامين في يوم واحد خمسة وعشرون ألف رجل وذبحوا نساءهم وأطفالهم وأحرقوا بيوتهم . أمّا الأسباط الاُخرى فقد قُتِلَ منهم في اليوم الأوّل إثنان وعشرون ألفاً ، وفي اليوم الثاني قُتِلَ ثمانية عشر ألف رجل ، فكان المجموع خمسين ألف رجل . وأمّا الثالثة فكانت على يد نبوخذنصّر ملِك بابل قَتلَهم وصلبَهم وأحرق بيوتهم وأخذ الباقين أسرى إلى العراق إلى أرض بابل ، وقصّتهم مذكورة في سِفر إرميا في الإصحاح الثاني والخمسين من مجموعة التوراة . وأمّا الرابعة فكانت علي يد (تيطس) القائد الروماني المعروف وذلك سنة 70 ميلاديّة فقتل جميع البالغين من اليهود من عساكر ومدنيّين وباع الأولاد أسرى وهدّمَ مدينة اُورشليم وبقيت خراباً نحواً من خمسين سنة . راجع كتاب (اليهودية العالمية) للدكتور رياض بارودي صفحة 30 .

34 - ثمّ استثنَى الله سبحانهُ من اليهود مَن تاب وآمَن فقال (إِلاَّ الّذينَ تَابُواْ ) وأسلموا (مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ ) مِمّن حاربوكم من بني النضير ومن يهود خيبر وغيرهم (فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ ) للتائبين (رَّحِيمٌ) بالمستسلمين .

35 - ثمّ وجّه الخطاب للمؤمنين فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ ) فيما أمركم بهِ ونهاكم عنهُ (وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) أي اُطلبوا أسباب التقرّب إليهِ ، يعني إلى جنانهِ في السماوات الأثيريّة وذلك بأعمالكم الصالحة والجهاد في سبيلهِ . "فالوسيلة" هي أسباب التقرّب ، والشاهد على ذلك قول عنترة : إنّ الرِّجالَ لَهُمْ إليكِ وَسِيلةٌ أنْ يَأخُذُوكِ تَكَحَّلِي وتَخَضَّبِي يعني يُحاولون أسباب التقرّب إليكِ لأجلِ أن يأخذوكِ ، وجمع وسيلة وسائل ، ومن ذلك قول النابغة الذبياني :

                               نَصَحْتُ بَنِي عَوَفٍ فَلَمْ يَتَقَبَّلوا      وَصاتِي ولَمْ تَنْجَحْ لَدَيْهِمْ وسَائِلِي

وقال أيضاً :
                               لَقَدْ عالَنِي ما سَرَّها وتَقَطَّعَتْ       لِرَوْعاتِها منِّي القِوَى والوَسائِلُ

وقال طَرَفة :
                            وأنَّى اهْتدَتْ سَلْمَى وَسائِلَ بَيْنَنَا       بَشاشَةُ حُبٍّ باشَرَ القَلْبَ داخِلُهْ

يعني كيف اهتدت سلمى إلى أسباب التقرّب بيننا والمسافة بعيدة بيني وبينها . ومِثلها في المعنى في سورة البقرة قوله تعالى {إِذْ تَبَرَّأَ الّذينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الّذينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ } يعني تقطّعت فيهم وسائل النجاة من العذاب . (وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) أي لكي تنجحوا في الدنيا وتفوزوا بنعيم الجنّة في الآخرة .

------------------------------------

149 :وكلمة "أن" هنا تعطي معنى الوجوب ، والمعنى : يجب أن يقتّلوا أو يصلّبوا .

<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم