كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة المائدة من الآية( 38) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

38 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ حُكم السارق والسارقة فقال (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا ) يريد بالسارق الّذي تعوّد السرقة ، يعني إن سرق ثلاث مرّات تقطع يدهُ إن كان بالغاً عاقلاً ، ففي المرّة الأولى يُضرَب ويُسجَن ، وفي الثانية يُضاعَف لهُ الضرب والسجن ، وفي الثالثة تقطع كفّهُ اليمنى . فإنّ الله تعالى لم يقل من سرق إقطعوا يدهُ ، بل قال (السَّارِقُ) ، وهو الّذي تعوّد على السرقة ، فتقطع يده إذا سرق ديناراً واحداً أو أكثر من ذلك 150 (جَزَاء بِمَا كَسَبَا ) أي إفعلوا ذلك بهما مُجازاةً بكسبهما السرقة (نَكَالاً مِّنَ اللّهِ ) أي عقوبة من الله لهما على فعلهما ، فالنكال معناه العقاب ، ومن ذلك قول زُهير : ولولا أنْ يَنالَ أبا طَرِيفٍ عَذابٌ مِنْ خُزَيْمَةَ أو نَكَالُ (وَاللّهُ عَزِيزٌ ) في مُلكه يعاقب من يخالف أوامره (حَكِيمٌ) فيما يأمركم بهِ من قطع اليد . 151

39 - (فَمَن تَابَ ) عن السرقة (مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ ) ما أفسده بردّ المال المسروق أو الاستحلال من صاحبِهِ بأن يعفوَ عنهُ والعزم على أن لا يعود يسرق مرّةً اُخرى (فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ) أي يقبل توبتهُ (إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ ) للتائبين (رَّحِيمٌ) بالنادمين .

40 - لَمّا نزلت الآية السابقة في حكم السارق والسارقة بأن تقطع أيديهما ، إعترض بعض المنافقين على ذلك وأنكروا قطع اليد ، وكانت هذه وشاية من اليهود لَمّا سمعوا بحكم السارق ، فقالوا لهم إنّ محمّداً يريد أن يقطع أيديكم فليس هذا حكم السارق في التوراة بل حكم من سرق ثوراً فذبحه أو باعهُ أن يعوّض عن الثور بخمسة ثيران وإذا سرق شاة يعوّض عنها بأربعة من الغنم وهذا مكتوب في سِفر الخروج في الإصحاح الثاني والعشرين . فاغتمّ النبيّ (ع) من قولهم وإنكارهم ، فنزلت هذه الآية (أَلَمْ تَعْلَمْ ) يا محمّد (أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) أي مُلك الكواكب السيّارة ومن جملتها الأرض فلا يهمّكَ قولهم وإنكارهم (يُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء ) أي يعذّب مَن يستحقّ العذاب ويغفر لمن تابَ وكان مهيّئاً للغفران (وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .

41 - (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الّذينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الّذينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ) أراد بهم المنافقين (وَمِنَ الّذينَ هِادُواْ ) أي اليهود (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ) يعني المنافقون سمّاعون لكلّ من يكذب عليهم من قومهم المنافقين والكافرين و(سَمَّاعُونَ) أيضاً (لِقَوْمٍ) أي لأجل قومٍ (آخَرِينَ) من اليهود إذ قالوا لهم إنّ محمّداً يريد أن يقطّع أيديكم بهذا الحكم وهو حكمٌ جائر على السارق (لَمْ يَأْتُوكَ ) ليُجادلوك في حكم السارق ولكن وشاية منهم وفتنة دسّوها في المسلمين (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ) يعني يغيّرون الكلام من بعد ما وضعوهُ في المسلمين ودسّوهُ فيهم ، والمعنى : إذا سألتموهم وعاتبتموهم على قولهم هذا أجابوكم بأنّنا لم نتكلّم بكلام يسيء إليكم بل هو من صالحكم (يَقُولُونَ) للمنافقين (إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا ) الحُكم وهو أن يُغرّم السارق بأربعة أمثال ما سرق . أقول هذا الحكم غير صحيح وغير معقول لأنّ الّذي يسرق البقرة أو الشاة لا بدّ أن يكون فقيراً لا يملك بقرة ولا شاة ، ومن كان كذلك فمن أين له بخمس بقرات ليدفعها غرامة عن فعله هذا ؟ وقد كان حُكم الله في التوراة الأصلية قطعَ اليد كما في القرآن ، ولكنّ عزرا غيّر هذا الحكم في توراتهِ تخفيفاً لحكم السارق .

(فَخُذُوهُ) أي إقبلوهُ من محمّد (وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ ) يعني وإن يحكم بما في التوراة (فَاحْذَرُواْ) أن تقبلوهُ لأنّهُ يريد أن يقطع أيديكم . ثمّ وجّه الخطاب إلى رسولهِ فقال تعالى (وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ ) أي تعذيبهُ بسبب ظُلمهِ للناس (فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا ) من هدايته (أُوْلَـئِكَ) الفاسقون واليهود الكافرون (الّذينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ) من الرّين بسبب نفاقهم وظلمهم (لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ) بين الناس يفتَضحون بهِ من سوء أعمالهم وكذب أقوالهم (وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) يعَذَّبون به في جهنّم .

42 - (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ) أي يأكلون مال الحرام ولا يُبالون (فَإِن جَآؤُوكَ ) اليهود لِمُحاكمةٍ (فَاحْكُم بَيْنَهُم ) بما في القرآن (أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ) لئلاّ يفتنوك بكذبهم ودجلهم (وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا ) أي الإعراض عنهم أسلم عاقبةً من الحكم بينهم (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ) أي بالعدل (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) أي العادلين في الحكم

43 - (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ ) في خصامهم (وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ) في القاتل والزاني وغير ذلك من أحكام الدِين (ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ ) أي يتراجعون ، يعني بعضهم يقول لبعض فلنولِّ إلى ديارنا ، أي لنرجع (مِن بَعْدِ ذَلِكَ ) التحكيم (وَمَا أُوْلَـئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ) أي بالْمُصدّقين والمؤيّدين لحكمك وقولك .

44 - (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى ) لبني إسرائيل (وَنُورٌ) لمن اهتدى بِها منهم (يَحْكُمُ بِهَا النبيّونَ ) السابقون الّذينَ هم من بني إسرائيل (الّذينَ أَسْلَمُواْ ) أي استسلموا لأوامر ربِّهم وانقادوا لدينهِ (لِلَّذِينَ هَادُواْ ) أي يحكمون لليهود بِما في التوراة ويُعلّمونهم أمور دينهم (وَالرَّبَّانِيُّونَ) أي العُبّاد المنسوبون للربّ (وَالأَحْبَارُ) وهم العلماء في الدِين أيضاً يُعلّمونهم أحكام دِينهم من التوراة (بِمَا اسْتُحْفِظُواْ ) أي بِما استودِعوا (مِن كِتَابِ اللّهِ ) يعني التوراة الّذي كتبه الله عليهم (وَكَانُواْ) أي الربّانيّون والأحبار (عَلَيْهِ) أي على الكتاب وحُكم السارق (شُهَدَاءَ) أي حاضرين وشاهدين وقد رأوها بأعينهم بأنّ السارق يجب أن تقطع يده ولكن التوراة الأصلية مزّقها نبوخذنصّر ملك بابل ، وهذا الحكم في السارق كتبهُ عزرا في توراتهِ من تلقاءِ نفسهِ فجعل تخفيفاً في عقاب السارق .

ثمّ أخذَ سُبحانهُ في تحذير أحبار اليهود المعاصرين للنبيّ (ع) وتهديدهم بأن لا يبدّلوا أحكام الله في التوراة كما بدّل عزرا ولا يكذّبوا رسوله محمّداً خوفاً من رؤسائهم أو رغبةً في المال كما فعل بعض الّذينَ من قبلهم فقال تعالى (فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ ) أيّها الأحبار (وَاخْشَوْنِ) أي خافوني في تكذيب رسولي (وَلاَ تَشْتَرُواْ ) أي ولا تستبدلوا (بِآيَاتِي) أي بتكذيب آياتي (ثَمَنًا قَلِيلاً ) أي عِوَضاً يسيراً (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ ) في الكتُب السماويّة فيغيّر ويبدّل كما بدّل عزرا (فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) أي الكاتمون للحقّ .

------------------------------------

150 :[كتبَ مفسّر القرآن ذلك في الستينات من القرن العشرين عندما كان الدينار يساوي ثلاثة دولارات أو أكثر – المراجِع ]

151 :حكى الأصمعي قال :كنت أقرأ هذه الآية فغلطتُ فقرأتُ : والله غفورٌ رحيم ، وكان بجنبي أعرابي فقال : "كلام من هذا ؟" فقلتُ : "كلام الله" ، فقال : "ليس هذا كلام الله" ، فانتبهتُ إلى غلطي فقرأتُ (والله عزيزٌ حكيم) ، فقال : " أصبتَ ، هذا كلام الله ." فقلتُ : "أتقرأ القرآن ؟" قال : "لا" ، فقلتُ : "من أين علمتَ غلطي" ، فقال : "يا هذا عزّ فحكم فقطع ، ولو غفر ورحم لَما قطع ."

<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم