كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة المائدة من الآية( 4) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

4 - جاء زيد الخيل وعديّ بن حاتم الطائي يسألان رسول الله عن حُكم الصيد وما يؤكل منه وهل يُباح أكله إذا مات قبل الذبح ، فنزلت هذه الآية (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ) من بهائم الصيد (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ) منها ، أي ما طابَ أكلهُ كالظبي وبقر الوحش وحمار الوحش والوعل وغير ذلك إذا أصبتموهُنّ بسهامكم أو رماحكم فتذكرون اسم الله عليه فهو حلال لكم وإن مات قبل الذبح ، فخروج الدم منه يقوم مقام الذبح بشرط التسمية (وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ ) تقديرهُ وصيد ما علّمتم من الجوارح ، وهي الطيور الّتي تُستعمل في الصيد كالصقر وغيره (مُكَلِّبِينَ) أي متبوعات بالكلاب ، فإنّ الصائد إذا رأى الغزال أطلق الصقر فيطير ويلحق الغزال فيقف على قرنيهِ ويفتح جناحيه على عيني الغزال فلا يرى حينئذٍ طريقه ليهرب فيأتي الكلب ويمسك الغزال من فخذه بأسنانهِ حتّى يلحق بهما الصيّاد فيقبض على الغزال (تُعَلِّمُونَهُنَّ) أي تعلّمون الطيور الجوارح والكلاب على الصيد (مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ ) بالإلهام وبالعقول الّتي ركّبها فيكم (فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ) أي مِمّا أمسكن على صيدكم ، يعني على رميكم السهم ، لأنّ الصيّاد يرمي سهماً نحو الغزال ثمّ يطلق الصقر فيتبعهُ الكلب (وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ ) أي على الصيد قبل ذبحهِ وحين رميه بالسهم أو الطلقة ، فتقول : "بِسْمِ اللهِ واللهُ أكبَر" (وَاتَّقُواْ اللّهَ ) في أكل ما حُرِّمَ عليكم ولا تخالفوا أوامرهُ (إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) أي سريع العقاب .

5 - ثمّ أباحَ للمسلمين بعض ماكان مُحرّماً على اليهود من لحوم وأطعمة فقال الله تعالى (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ) من اللّحوم الّتي كانت مُحرّمة على اليهود (وَطَعَامُ الّذينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ ) يقصد بهم اليهود وكتابهم التوراة لأنّهم يذكرون اسم الله على ذبيحتهم ، أمّا النصارى فلا يجوز أكل ذبائحهم عدا الأطعمة الّتي لا يدخل فيها اللّحوم (وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ ) وهو ما سبق ذكره من الأطعمة فلا تمنعوه عنهم إذا أرادوا شراءهُ إن كان بينكم وبينهم صُلحٌ (وَالْمُحْصَنَاتُ) أي العفائف (مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الّذينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ ) كاليهود والنصارى والصابئة ، يحلّ لكم زواجهنّ بشرط أن تكون موحّدة غير مُشركة ثمّ تُسلِم على دين الإسلام (إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) أي صُداقهنّ (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ) يعني أعفّة بالتزويج غير زُناة (وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ) أي ولا متّخذي منهنّ رفيقات تزنون بهنّ سِرّاً ، فالخدن هي الرفيقة ، ومن ذلك قول جرير :

                                     قَدْ كُنتِ خِدْناً لَنا يا هِنْدُ فَاِعْتَبِري      ماذا يُريبُكِ مِنْ شَيْبِي وَتَقْوِيسِي

وقد سبق شرحها في سورة النساء أيضاً في آية 25 ، (وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ ) أي ومن يرتدّ عن شريعة الإسلام بإنكار بعضها (فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) الصالح فلا يؤجر عليه (وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) الّذينَ خسِروا جزاء أعمالهم . وإليك ما جاء في مجموعة التوراة من تحريم بعض الطيّبات على اليهود وتحليلها للمسلمين ، فقد جاء في سِفر لاويّين "الأحبار" في الإصحاح الحادي عشر قال : [وكلّم الله موسى وهارون وقال لهما كلّما بني إسرائيل وقولا لهم هذهِ هيَ الحيوانات الّتي تأكلونها من جميع البهائِم الّتي على الأرضِ ، كلّ ذي ظفر مشقوق وهو يجترّ فإيّاه تأكلون ، وأمّا هذهِ المجترّات ومن ذوات الأظفار فلا تأكلونها ، الجملُ فإنّه يجترُّ ولكنّهُ غير مشقوق الظفر فهو رجسٌ لكم ، والوبر فإنّهُ يجترُّ ولكنّهُ غير مشقوق الظفر فهو رِجسٌ لكم ، والأرنبُ فإنّهُ يجترُّ ولكنّهُ غير مشقوق الظفرِ فهو رجسٌ لكم ، والخنزيرُ فإنّهُ ذو ظفرٍ مشقوقٍ ولكنّهُ لا يجترُّ فهو رجسٌ لكم ، لا تأكلوا شيئاً من لحمها وميّتها لا تمسّوا فإنّها نجسةٌ لكم . ]

فهذه أربعة حرّمها على اليهود ، وأحلّ ثلاثة منها على المسلمين وهي الجمل والوبر والأرنب . ومختصر القول : كلّ حيوان من هذه يأكل الحشائش والحبوب ولا يأكل اللّحوم والعظام فهو حلال إلاّ الخنزير ، وكذلك الطيور كلّ طير يأكل لحوم الميتة والجِيَف فهو حرام ، وكلّ طير يأكل الحبوب والنباتات فلحمه حلال .

6 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ) يعني حين قيامكم للصلاة (فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ ) بالماء (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ ) في مُقدّمة الرأس فوق اليافوخ (وَ) اغسلوا (أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ ) ، والدليل على أنّ المراد الغَسل للرجلَين لا المسح هو التحديد بقوله تعالى (إِلَى الْكَعْبَينِ ) ، كما جاءَ في تحديد اليدين إلى المرافق ، أمّا المسح لم يـأتِ فيه تحديد . ويُباح المسح إن كانت الأرجل طاهرة من النجاسات والأوساخ وذلك في الشتاء خوفاً من البرد أو كان الماء قليلاً لا يكفي لغسل الرجلَينِ (وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ ) بالماء (وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ ) مكان (الْغَائِطِ) أي من الخلاء ، يعني إذا تغوّط ، وقد سبق شرح كلمة "الغائط" في سورة النساء في آية 43 ، (أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء ) أي جامعتم النساء ولكن بدون إنزال ، أيضاً يجب عليكم الغسل (فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً ) للوضوء أو للغُسل (فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا ) أي اُقصدوا مُرتَفعاً من الأرض طاهراً من النجاسات والأوساخ ، ومن ذلك قول الأعشى :

                                 يَمّمْتُ خَيْرَ فَتًى في النّاسِ كُلِّهِمُ      الشّاهِديِنَ بِهِ أعْنِي وَمَنْ غَابَا

فقول الشاعر "يمّمت" يعني قصدتُ (فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ) أي من تراب ذلك الصعيد (مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ ) فيما يأمركم به من الغُسل في الجنابة والوضوء قبل الصلاة (وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ ) من الأوساخ والأقذار (وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ ) بالصحّة والعافية (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) الله على ما أنعمَ بهِ عليكم .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم