كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة المائدة من الآية( 94) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

94 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ ) أي ليختبركم (بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ ) يعني صيد البرّ دون صيد البحر (تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ ) يعني الصغار منها كالفراخ والبيض وما لا قدرة لهُ على الفرار (وَرِمَاحُكُمْ) يعني الكبار منها الّتي تصيدونها برماحكم (لِيَعْلَمَ اللّهُ ) بالاختبار (مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ) يعني حين لم يرهُ أحد فيتجنّب الصيد لقوّةِ إيمانه مِمّن لا يخافه لضعف إيمانه (فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ ) النهي فاصطاد في أيّام الحجّ أو في الشهر الحرام (فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) في الآخرة إنْ لم يُكفّر عن إثمهِ . ثمّ بيّن نوع الكفّارة فقال :

95 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ) يعني وأنتم مُحرمون في أيّام الحجّ وفي الأشهُر الحرُم (وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ ) عليهِ (مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) في الخِلقة ، فإذا قتل نعامة فكفّارتها بُدنة ، وإنْ قتل حمار وحش أو شبيهه فكفّارتهُ بقرة ، وإنْ قتل ظبياً أو أرنباً فكفّارتهُ شاة (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ) أي يحكم في الصيد بالجزاء رجلان صالحان من أهل مِلّتكم ودينكم فيرَون هل تساوي هذه الكفّارة قيمة الصيد التي قتلها أو تقوم مقامها في الوزن (هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ) أي يهديهِ هدياً واصل الكعبة ، فكلمة "بالغ" معناها واصل ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة الكهف {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا } ، يعني لَمّا وصلا مجمع البحرين نسيا حوتهما ، فالهدي يذهب بهِ إلى المسجد الحرام ويعطيهِ إلى أحد خدَمَة الكعبة (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ ) عشرة يُطعمهم غداءً أو عشاءً إن لم يتمكّن على الهدي . وإنّما لم يذكر في هذه الآية عدد المساكين لأنّ ذكرهم قد سبق قبل خمس آيات وذلك في كفّارة الحنث في اليمين بالله وهو قوله تعالى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } ، وقوله (أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا ) يعني أو ما يعادل ذلك الإطعام صياماً ، فيصوم عشرة أيام بدل إطعام عشرة مساكين إن لم يتمكّن من إطعام الطعام (لِّيَذُوقَ) الصيّاد بهذه الكفّارة (وَبَالَ أَمْرِهِ ) أي لتكون هذه الكفّارة عقاباً له على سوء فعلهِ ، "فالوبال" هو كلّ شيء سيّء ، ومن ذلك قول جرير يهجو الفرزدق :

                                 لقدْ عَلِمَ الفَرَزْدَقُ أنَّ تَيْماً      علَى شِرْبٍ إذا نَهِلُوا وَبِيلُ

أي يشربون ماءً كدِراً وَخْماً ، وقال الآخر :

                                  أَذُلّ الحَياةِ وعِزّ الْمَماتِ      وكلاً أَراهُ طَعاماً وَبِيلا

أي طعاماً وخماً لا خير فيهما ، وقال أبو دهبل :

                           فَلا خَيْرَ في حُبٍّ يُخافُ وَبالُهُ      ولا في حَبِيبٍ لا يَكونُ لَهُ وَصْلُ

(عَفَا اللّهُ ) عنه (عَمَّا سَلَف ) بكفّارتهِ (وَمَنْ عَادَ ) مرّةً ثانيةً إلى قتل الصيد في الشهر الحرام (فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ ) ولا يعفو عنه (وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ) فينتقم مِمّن يخالف أوامره .

96 - (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ ) وكلمة "بحر" تشمل كلّ المياه كالأنهار والمستنقعات والجداول والبحيرات ، والصيد من البحر هي الأسماك (وَطَعَامُهُ) يعني الأسماك الّتي صادها غيركم وملّحوها أيضاً حلال لكم ، يعني الأسماك الْمُعلّبة واليابسة المملّحة ، وإنّما عطف سُبحانهُ بذكر "طعامهُ" لئلاّ يتوهّم أحد بأنّ الحلال هو ما اصطيد حديثاً دون القديم منه (مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ) أي للمقيمين منكم والمسافرين (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ) أي الصيد على اليابسة (مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ) أي ما دمتم مُحرِمين في الحجّ أو في العُمرة أو في الأشهُر الحُرُم (وَاتَّقُواْ اللّهَ ) في مُخالفةِ أوامره (الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) يوم القيامة ، أي إليهِ تُجمَعون في الفضاء فيعاقبكم على مخالفتكم لأوامره إن خالفتم .

97 - (جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ ) أي قياماً لأهل مكة وساكنيها ، يعني قياماً لأمر معاشهم وذلك بواسطة الحُجّاج الّذينَ يأتون إليها من كلّ فجٍّ عميق فينتفعون بهم بالبيع والشراء وغير ذلك (وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ ) أيضاً هو قيام لأمر معاشهم لأنّ الحاجّ يأتي إلى مكة في شهر ذي الحجّة وفي رجب للعُمرة وشهر ذي القعدة والمحرّم أيضاً للعُمرة (وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ) أيضاً هيَ قيامٌ لأمر معاشهم وأمنهم استجابةً لدعوة أبيهم إبراهيم إذ قال [كما في سورة البقرة] {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ } ، (ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ ) وتوقنوا (أَنَّ اللّهَ ) لا يُخلف الميعاد فكما وعد إبراهيم بأن يجعل مكّة أمناً لساكنيها ويرزقهم من الثمرات فقد وفَى بما وعدَ بهِ ، وأنّ الله (يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ) الغازيّة من طيورٍ تطير (وَمَا فِي الأَرْضِ ) من دوابّ تسير فيهيّء لها معاشها وما تحتاج إليهِ في حياتها قبل أن يخلقَها (وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) قبل تكوين الشيء .

98 - (اعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) لِمَن أشرك بهِ وخالفَ أوامره (وَأَنَّ اللّهَ غَفُورٌ ) للموحِّدين التائبين (رَّحِيمٌ) بالنادمين .

99 - (مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ ) أي تبليغ الرسالة ، وعلى الله الجزاء والعقاب (وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ) من أسرار في صدوركم فيحاسبكم عليها .

100 - جاء رجل من المسلمين إلى النبيّ (ع) فقال: "يا رسول الله هل يباح لحم الزاغ؟"61 فقال: "مكروه" ، فقال : "إنّه كثير ، لو كان حلالاً لشبعنا منه ." فنزلت هذه الآية : (قُل) يا محمّد لهذا السائل (لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ ) من اللّحوم ، أي لا يتساوى لحم الزاغ ولحم الطيور الاُخرى (وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ) الطير (الْخَبِيثِ) لأنّ الخبيث لا يُستطاب أكله (فَاتَّقُواْ اللّهَ) في أكل ما تُنهَون عنه (يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) في جميع اُموركم .

------------------------------------

61 :هو طير أسود كثير الوجود يأكل الجِيَف ، وكذلك كلّ طير يأكل لحوم الحيوانات الميّتة لا يباح أكله .

<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم