كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة المائدة من الآية( 99) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

99 - (مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ ) أي تبليغ الرسالة ، وعلى الله الجزاء والعقاب (وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ) من أسرار في صدوركم فيحاسبكم عليها .

100 - جاء رجل من المسلمين إلى النبيّ (ع) فقال: "يا رسول الله هل يباح لحم الزاغ؟"61 فقال: "مكروه" ، فقال : "إنّه كثير ، لو كان حلالاً لشبعنا منه ." فنزلت هذه الآية : (قُل) يا محمّد لهذا السائل (لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ ) من اللّحوم ، أي لا يتساوى لحم الزاغ ولحم الطيور الاُخرى (وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ) الطير (الْخَبِيثِ) لأنّ الخبيث لا يُستطاب أكله (فَاتَّقُواْ اللّهَ) في أكل ما تُنهَون عنه (يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) في جميع اُموركم .

101 - سأل النبيّ رجل من المسلمين فقال : "إنّ أبي مات على دين الجاهلية فهل يدخل الجنّة أم النار ؟" فقال النبيّ : "كلّ مشرك في النار ." فقال الرجل : "كيف ذلك وقد كان أبي يُطعم الطعام ويحجّ البيت ؟ " وقال رجل آخر : "إنّ أخي كان على دين الجاهلية فهل هو في النار؟" فقال النبيّ : "نعم كلّ مشرك في النار ." ولَمّا أسلمت الخنساء سألت النبيّ عن أخيها صخر أيضاً ، فقال النبيّ : "هو في النار ." فقالت : "زدتني حُزناً على حُزني ." وهكذا كانوا يسألون النبيّ عن آبائهم وأجدادهم ، فنزلت فيهم هذه الآية:

(يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) أي تحمّلكم همّاً وحزناً (وَإِن تَسْأَلُواْ ) النبيّ (عَنْهَا) مرّةً اُخرى لا يجِبكم عليها ولكن (حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ ) يعني تفهمون الجواب على ذلك من القرآن ، وذلك من قوله تعالى في سورة المائدة {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} ، يعني اُنظروا في عقائد آبائكم وأجدادكم وطابِقوها مع القرآن وهو يُنبِئكم عن مصيرهم فمن كان منهم مُشركاً فهو في النار ومن كان منهم موحِّداً تقيّاً فهو في الجنّة (عَفَا اللّهُ عَنْهَا ) أي عن تلك الأسئلة التي سألتم النبيّ عنها ، والمعنى : عفَى الله عنكم إذ سألتم النبيّ بذلك وأنكرتم عليهِ جوابه (وَاللّهُ غَفُورٌ ) لمَن تاب (حَلِيمٌ) لا يعجل بالعقوبة .

102 - (قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ) يعني الاُمَم الماضية سألت رُسُلها كما سألتم (ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ ) أي مُنكرين لتلك الأجوبة كما أنكرتم على النبيّ حين أجابكم .

103 - كان المشركون يجعلون من أنعامهم حصّة للأصنام ويَنذرون لها ويَذبحون ، ويجعلون لتلك الأنعام المنذورة كنايات وهي البَحِيرة ، السائبة ، الوصِيلة ، والحامِي ويقولون إنّ الله أمرنا بذلك . فردّ الله عليهم بقوله (مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ ) ، والمعنى : ما حكم الله عليكم بذلك ولا أنزله في كتاب ولكنّكم تتّبعون الشيطان بذلك وتتّبعون أهواء أنفسكم .

و"البَحِيرة" هي الناقة كانت إذا أنتجت خمساً وكان آخرها ذكَراً بحروا اُذنها وامتنعوا عن ركوبها ولا تُطرَد عن ماء ولا تُمنَع عن مرعَى فإذا لقيها أحد وهو تعبان لم يركبها ويكون لبنها للفقراء لِمن يحلبها منهم .

أمّا "السائبة" هي ما كانوا يُسيّبونه من الأنعام في نذورهم ، فإنّ الرجل إذا نذرَ القدوم من سفر أو البُرء من مرض أو ما أشبه ذلك قال ناقتي سائبة فتُسيَّب للأصنام أي تُعتَق لها وكان الرجل منهم يُسيّب من مالهِ ما يشاء فيجيء بها إلى السدَنة وهم خَدَمَة أصنامهم فيُطعِمون من ألبانها أبناء السبيل .

أمّا "الوصيلة" هي في الغنم ، كانت الشاة إذا ولدت اُنثى فهي لهم وإذا ولدت ذكَراً جعلوه لآلهتهم ، فإذا ولدت ذكراً واُنثى قالوا وصلت أخاها فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم .

أمّا "الحامي" فهو الذكَر من الإبل ، كانت العرب إذا أنتجت من صُلب الفحل عشراً قالوا قد حَمِي ظهره فلا يُحمَل عليه شيء ولا يُمنَع من ماءٍ ولا من مرعَى . هذه عاداتهم وما شاكلها ، وهذا معنى قوله تعالى (مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـكِنَّ الّذينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ) أي لا يستعملون عقولهم لأنّهم مقلِّدون .

104 - (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ) أي لهؤلاء المشركين الّذينَ جعلوا البَحِيرة والسائبة (تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ ) في القرآن من أحكام (وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا ) من تقاليد ، فردّ الله عليهم فقال تعالى (أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا ) من الدِين (وَلاَ يَهْتَدُونَ ) إلى الحقيقة .

105 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ) فأصلِحوها (لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) يعني لَمّا كنتم مؤمنين باللهِ وبرسولهِ لا يضرّكم كفرُ آبائكم وإشراكهم : كلٌّ مَسؤولٌ عن ذنبهِ (إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ) أنتم وآباؤكم (فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) ثمّ يجازيكم على أعمالكم .

106 - ثلاثةُ نفَرٍ خرجوا من المدينة تجّاراً إلى الشام وهم تميم بن أوس الدارمي وأخوهُ عديّ وهما نصرانيّان وابن أبي ماريّة مولَى عمرو بن العاص السهمي وكان مُسلماً ، حتّى إذا كانوا ببعض الطريق مرِضَ المسلم منهم فكتبَ وصيّتهُ بيدهِ ودسّها في متاعهِ وأوصى إليهما ودفع المال إليهما وقال أبلِغا هذا أهلي ، فلمّا مات فتحا متاعهُ وأخذا ما أعجبهما منه ثمّ رجعا بالمال إلى أهلهِ ، فلمّا فتّشوا المال فقدوا بعض ما كان قد خرجَ بهِ ، فرفعوا أمرهم إلى النبيّ (ع) فنزلت هذه الآية (يا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ ) أي شهادةٌ تُلازمون عليها بينكم أيّها المسلمون وذلك (إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ) فتُقيمون شاهدَين يشهدان على الموصِي وعلى الوَصيّ وذلك (حِينَ الْوَصِيَّةِ ) التي يوصي بِها المستحضَر ، والشهود (اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ ) أي شاهدان عادِلان (مِّنكُمْ) أيّها المسلمون (أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ) يعني من غير ملّتكم إن لم تجِدوا شاهدَين من مِلّتكم (إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ ) يعني إن كان ذلك في السفر (فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ ) والخطاب لأهل الميّت وأقربائه ، يعني إن مات أحد أقربائكم في السفر فحزنتم وتكدّرتم لأجله (تَحْبِسُونَهُمَا) أي توقفونهما للمحاكمة والشهادة ، وتكون مُحاكمتهما (مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ ) ليكون ذلك عند اجتماع الناس ليرهبا ويخجلا منهم فينطقا بالصواب (فَيُقْسِمَانِ) الشاهدان (بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ ) في شهادتهما وظننتم أنّهما خانا ، فيقولان (لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ) أي لا نستبدل باليمين بالله ثمناً من مال الدنيا ولو كان المشهود لهُ من أقربائنا (وَلاَ نَكْتُمُ ) شيئاً من (شَهَادَةَ اللّهِ ) يعني الّتي أوجبها الله علينا ، فإن كتمنا من الشهادة شيئاً (إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ ) فنستحقّ العذاب على ذلك والعقاب .

------------------------------------

61 :هو طير أسود كثير الوجود يأكل الجِيَف ، وكذلك كلّ طير يأكل لحوم الحيوانات الميّتة لا يباح أكله .

<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم