كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الأنعام من الآية( 106) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

106 - أخذ النبيّ (ع) في نصح المشركين وإرشادهم إلى طريق الحقّ وإنذارهم عن عبادة الأصنام مِراراً وتكراراً فلم يسمعوا لقولهِ ولم يعملوا بأمرهِ بل أخذوا يدعونه إلى عبادة الأصنام ويرغّبونه إلى دينهم ودين آبائهم لعلّهُ يميل إليها بالترغيب إن لم يفد فيهِ التأنيب ، فنزلت هذه الآية (اتَّبِعْ) يا محمّد سبيل (مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) في نهج التوحيد ولا تتّبع سبيل المشركين في نهج الإشراك وعبادة الأوثان ولا تسمع لقولهم إذ مدحوا آلهتهم عندك وزعموا أنّها تنفعهم وتضرُّ من يُعاديها (لا إِلَـهَ ) في الكون (إِلاَّ هُوَ ) الّذي أوحَى إليك وبعثك بالرسالة (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) بعد أن أنذرتهم .

107 - (وَلَوْ شَاء اللّهُ ) هدايتهم (مَا أَشْرَكُواْ ) ولكن لا يستحقّون الهداية لأنّهم ظَلَمَة يظلمون الناس حقوقهم ويغصبون الضعفاء أموالهم ، فاتركهم بعد أن أنذرتهم (وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ) فتريد أن تحفظهم من العذاب بتكرارك الدعوة إلى الإيمان (وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ ) فتنجيهم من العذاب إذا نزل بهم ، والمعنى : لم نجعلك حفيظاً عليهم ولا هم جعلوك عليهم حفيظاً .

108 - تشاجر رجل من المسلمين مع آخر من المشركين وكان المشرك ينحر هديهُ للبيت ، فقال المسلم إنّ الله لا يقبل هديك لأنّك مُشرك ، فقال بل أنت لا يقبل هديك لأنّك كفرتَ بآلهتنا ، فأخذ المسلم في سبّهِ وسبّ أصنامه ، فغضب المشرك وسبّ الله . فنزلت هذهِ الآية (وَلاَ تَسُبُّواْ ) المشركين (الّذينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ ) أي لا تسبّوهم مواجهةً وجهاً لوجه لأنّهم جَهَلة (فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا ) أي بسرعة ، يقال جاءت الخيل تعدو ، أي مُسرعة ، والمعنى : يُسرعون في سبّ الله بدون إدراك ولا تأمّل فيما ينطقون بهِ من شِدّة الغضب لأنّهم جاهلون أمر الدين (بِغَيْرِ عِلْمٍ ) من الحقائق (كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ) أي زيّنّا لهم أعمال الخير من حجّ البيت ونحر الهدي وسقي الحاجّ وغير ذلك من مناسك الحجّ ، وزيّن لهم الشيطان أفعال الشرّ ( ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ ) بعد الموت (فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) ويحاسبهم عليها .

وما أكثر الجَهَلَة اليوم الّذينَ يعتدون على الناس قصد السخرية والاستهزاء فيعتدون على رجل بهِ بعض الجنون فيأخذ في سبّ الله وسبّ الأنبياء وهم يضحكون عليه ويسخرون منه .

أو يعتدون على رجل من غير دينهم فيسبّوهُ أو يضربوهُ وهو لا يقدر على دفعهم عنه فيسبّ الله والنبيّ سرّاً وهم لا يعلمون . فالذي يعتدي على الضعفاء والمجانين ويكون سبباً لكفرهم وهو عالم بذلك يجب أن يُهان ويُجلَد عشرين جلدة كي لا يعود إلى مثل ذلك .

109 - قالت قُريش : "يا محمّد إن شئتَ أن نُصدّقك فائتنا بمعجزةٍ كما جاء بها موسى وصالح ." فقال بعض المسلمين : "إنّكم لا تؤمنون ولو جاءكم بأكبر معجزة" . فأخذوا يُقسِمون الأيمان بأنّهم يؤمنون إذا رأوا منه معجزة مادّية ، فنزلت هذه الآية (وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ) أي بالَغوا في اليمين (لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ ) أي معجزة (لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا ) ولا يُكذّبون (قُلْ) لهم يا محمّد (إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ ) إن رأى في إنزالها مصلحة لهم أنزلها وإن رأى في إنزالها إهلاكهم ودمارهم لا يُنزل آية مِمّا طلبوها (وَمَا يُشْعِرُكُمْ ) أيّها المسلمون (أَنَّهَا) يعني المعجزة (إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) عند رؤيتها بل يقولون هذا سِحرٌ مُبين .

110 - (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ ) في الحيرة والشكّ (كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ ) أي بالقرآن (أَوَّلَ مَرَّةٍ ) أي قبل إيمان هؤلاء الضعفاء والفقراء الّذينَ استحقروهم (وَنَذَرُهُمْ) أي ونتركهم (فِي طُغْيَانِهِمْ ) أي في تكبّرهم (يَعْمَهُونَ) أي يتردّدون . وذلك لأنّهم يقولون كيف نؤمن بمحمّد وقد سبقنا هؤلاء الفقراء فيكونون هم الرأسُ ونحن الذنَب .

111 - دعا النبيّ (ع) قريشاً إلى الإيمان فقالوا إمّا أن تنزّل علينا ملائكة ً من السماء تشهد بأنّك رسول الله فنُصدّقك ، وإمّا أن تُحيي آباءنا فتقوم من القبور وتشهد أنّك رسول الله فنصدّقك ، وإمّا أن تأتينا وحوش الفلاة فتنطق وتشهد أنّك رسول الله فنصدّقك . فنزلت هذهِ الآية (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ ) كما اقترحوا عليك فتشهد لهم بأنّك رسول الله (وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى ) بعد إحيائهم بأنّك رسول الله (وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ ) وحوش (كُلَّ شَيْءٍ ) أي جمعنا لهم وحوش كلّ ناحية حولهم ، وجاءت (قُبُلاً) أي مُقبِلةً عليهم تكلّمهم بأنّك رسول الله (مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ ) بك يا محمّد لأنّهم يقولون سَحَرَنا محمّد ، فلا يؤمنون (إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ ) إيمانهم (وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ) عاقبة المعجزات وما يؤول إليه أمرهم [بعدها] .

112 - (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا ) وذلك ليشيعَ أمر النبيّ ويُذاع خبره وينتشر في الأرض ذكرهُ (شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ ) أي دجّالين من الإنس ودجّالين من الجنّ ، فكلمة شيطان معناها دجّال مُحتال ، ومن ذلك قول جرير :

                                   أيامَ يدعونَني الشيطانُ من غزَلي      وكُنَّ يَهْوَينَنِي إذْ كنتُ شَيطانَا

(يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ) يعني شياطين الجنّ توحي إلى شياطين الإنس وتعلّمهم الدجَل والإغراء وذلك بالإيحاء لا بالكلام (زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ) يعني يعلّمونهم القول المزخرَف المعسُول الذي يُغري الناس ، وفي ذلك قال الشاعر :

                                    يُعْطِيكَ مِنْ طَرَفِ اللِّسانِ حَلاوَةً      وَيرُوغُ عَنْكَ كما يَرُوغُ الثَّعْلَبُ

(وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ) وذلك بأن ينزّل عليهم الطاعون أو نوعاً آخر من الأمراض المهلِكة فيُبيدهم أجمعين ، ولكنّ الله تعالى أمهلهم وخلّى بينهم وبين ما يعملون لمصالح لا تعلمونها (فَذَرْهُمْ) أي اتركهم (وَمَا يَفْتَرُونَ ) علينا من الأكاذيب .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم